صفحة جزء
فصل الضرب الثاني : ما لا مثل له وهو سائر الطير ، ففيه قيمته إلا ما كان أكبر من الحمام ، فهل تجب فيه قيمته أو شاة ؛ على وجهين . وإن أتلف جزءا من صيد فعليه ما نقص من قيمته ، أو قيمة مثله إن كان مثليا . وإن نفر صيدا فتلف بشيء ضمنه ، وإن جرحه ، فغاب ولم يعلم خبره ، فعليه ما نقصه وكذلك إن وجده ميتا ولم يعلم موته بجنايته . وإن اندمل غير ممتنع فعليه جزاء جميعه ، وإن نتف ريشه فعاد ، فلا شيء عليه ، وقيل : عليه قيمة الريش ، وكلما قتل صيدا حكم عليه ، وإن اشترك جماعة في قتل صيد فعليهم جزاء واحد ، وعنه : على كل واحد جزاء ، وعنه : إن كفروا بالمال ، فكفارة واحدة وإن كفروا بالصيام ، فعلى كل واحد كفارة .


فصل ( الضرب الثاني : ما لا مثل له ، وهو سائر الطير ) إذا كان دون الحمام ( ففيه قيمته ) لما روى النجاد عن ابن عباس قال : ما أصيب من الطير دون الحمام ففيه الدية أي : يضمنه بقيمته في موضعه الذي أتلفه فيه كمال الآدمي ( إلا ما كان أكبر من الحمام ) كالكركي ، والإوز ، والحبارى ( فهل تجب فيه قيمته أو شاة ؛ على وجهين ) كذا في " الشرح " و " الفروع " أحدهما : يضمنه بقيمته ، وهو ظاهر " الوجيز " ; لأنه القياس تركناه في الحمام لقضاء الصحابة ، ولا يجوز إخراج القيمة ، بل طعاما ، وقيل : بلى ، والثاني : يجب شاة ، روي عن ابن عباس ، وعطاء ، وكالحمام بطريق الأولى ، ( وإن أتلف جزءا من صيد ) [ ص: 198 ] أو تلف في يده ( فعليه ما نقص من قيمته ) إن لم يكن مثليا ؛ لأن ما ضمنت جملته ؛ ضمنت أبعاضه كالآدمي فيقوم الصيد سليما ، ثم مجنيا عليه فيجب ما بينهما بأن كانت قيمته أولا عشرة ، وثانيا ثمانية فالواجب درهمان ( أو قيمة مثله إن كان مثليا ) هذا هو المجزوم به ، ثم الأكثر ؛ لأن الجزء يشق إخراجه فيمتنع إيجابه ، ولهذا عدل الشارع في خمس من الإبل إلى الشاة فيقوم المثل سليما بعشرة مثلا ، ومعيبا بستة فيكون الواجب ستة ، وظهر بذلك الفرق بين التقويمين ; لأن المثل قد ينقص شيئا لا ينقص الصيد بقدره ، وتحقيقه أنه لو جنى على نعامة ، قيمتها صحيحة عشرون ، ومقطوعة يدها عشر ، فالنقصان الربع ، وإذا نظرت إلى مثلها وهي البدنة ، فقيمتها مثلا سليمة مائة ، ومقطوعة يدها خمسون فالنقصان النصف ، فلو اعتبر نفس الصيد كان الواجب خمسة ، ولو اعتبر المثل كان الواجب خمسين ، والوجه الثاني : أنه يضمن بمثله ؛ لأن ما وجب ضمان جملته بالمثل ، وجب في بعض مثله كالمكيلات ، والأول أولى ; لأن المشقة ثابتة لوجود الخيرة له في العدول عن المثل إلى عدله من الطعام أو الصيام فينتفي المانع .

( وإن نفر صيدا فتلف بشيء ضمنه ) ; لأن عمر دخل دار الندوة فعلق رداءه فوقع عليه الحمام فخرجت حية فقتلته فسأل من معه فحكم عليهعثمان بشاة . رواه الشافعي ، وكذا إن جرحه فتحامل فوقع في شيء تلف به ; لأنه تلف بسببه أما إن نفره إلى مكان فسكن به ، ثم تلف فلا ضمان في الأشهر ( وإن جرحه فغاب ، ولم يعلم خبره فعليه ما نقصه ) إذا كان الجرح غير موح لأنا لا نعلم حصول [ ص: 199 ] التلف بفعله فنقومه صحيحا ، وجريحا جراحة غير مندملة فيجب ما بينهما فإن كان سدسه ، وهو مثلي فقيل يجب بينها مثله ، وقيل : قيمة سدس مثله ، وقيل : يضمن كله ، فلو كان موحيا وغاب غير مندمل فعليه جزاؤه كقتله . وذكر القاضي وأصحابه في كتب الخلاف : إذا جرحه وغاب وجهل خبره ، فعليه جزاؤه ; لأنه سبب للموت ( وكذلك إن وجده ميتا ، ولم يعلم موته بجنايته ) لما ذكرنا ، وقيل : يضمن كله إحالة للحكم على السبب المعلوم كما لو وقع في الماء نجاسة فوجده متغيرا بها ، وهذا أقيس كنظائره ، ( وإن اندمل ) أي : صلح ( غير ممتنع فعليه جزاء جميعه ) ; لأنه عطله فصار كتالف وكجرح تيقن به موته .

وقيل : يضمن ما نقص ; لئلا يجب جزاءان لو قتله محرم آخر ، فلو جرحه جرحا غير موح فوقع في ماء أو تردى فمات ضمنه كله لتلفه بسببه ، وعلم منه أن الصيد يضمن مما يضمن به الآدمي من مباشرة ، أو سبب ( وإن نتف ريشه ) أو شعره أو وبره ( فعاد ) بأن حفظه وأطعمه ، وسقاه ( فلا شيء عليه ) ؛ لأن النقص زال ، أشبه ما لو اندمل الجرح ( وقيل : عليه قيمة الريش ) ؛ لأن الثاني غير الأول فإن صار غير ممتنع بنتف الريش فهو كالجرح ، وإن غاب ففيه ما نقص لا كل الجزاء ، ( وكلما قتل صيدا حكم عليه ) بجزائه ; لأنه إتلاف فوجب أن يتعدد عليه الحكم بالضمان بتعدد الإتلاف كمال الآدمي ، والأولى حمل كلامه هنا على ما إذا تعدد قتل الصيد ، وكان الجزاء مختلفا كالبدنة والبقرة والكبش ; لأنه لا يمكن تداخله كالحدود ، وخوفا له من التكرار ; لأنه سبق ذكر الخلاف فيه .

[ ص: 200 ] فرع : يجوز إخراج جزاء الصيد بعد جرحه ، وقبل موته ، نص عليه ; لأنها كفارة قتل ، فجاز تقديمها ، ككفارة قتل الآدمي ( وإن اشترك جماعة في قتل صيد فعليهم جزاء واحد ) هذا هو الصحيح ; لأنه - تعالى - أوجب المثل بقتله فلا يجب غيره ، وهو ظاهر في الواحد والجماعة ، والقتل هو الفعل المؤدي إلى خروج الروح ، وهو فعل الجماعة ، لا كل واحد ، كقوله : من جاء بعبدي فله درهم ، فجاء به جماعة ، ولأنه - عليه السلام - جعل في الضبع كبشا ، ولم يفرق ، وهذا قول عمر ، وابنه ، وابن عباس ، ولم يعرف لهم مخالف ، ولأنه جزاء عن مقتول يختلف باختلافه ، ويحتمل التبعيض فكان واحدا كقيم المتلفات ، وكذا الدية لا كفارة القتل على الأصح فيهما ، ومتى ثبت اتحاد الجزاء في الهدي ثبت في الصوم للنص ( وعنه : على كل واحد جزاء ) اختاره أبو بكر ، أشبه كفارة قتل الآدمي ، ( وعنه : إن كفروا بالمال فكفارة واحدة ) ; لأن المال ليس بكفارة ، وإنما هو بدل متلف فلم يكمل كالدية ، ( وإن كفروا بالصيام فعلى كل واحد كفارة ) نقلها الجماعة ، ونصرها القاضي وأصحابه عن الأكثر ؛ لأن الصوم كفارة ، فوجب أن يكمل في حق الفاعل ، ككفارة قتل الآدمي بدليل أنه - تعالى - عطف على البدل الكفارة ، وقيل : لا جزاء على محرم ممسك مع محرم قاتل ، فيلزم منه عدم لزوم المتسبب مع المباشر . وقيل : القرار عليه ; لأنه هو الذي جعل فعل الممسك علة . قال في " الفروع " : وهذا متوجه وجزم به ابن شهاب أنه على الممسك ، لتأكده ، وإن عكسه المال ، وفيه نظر .

التالي السابق


الخدمات العلمية