صفحة جزء
وعرفة كلها موقف إلا بطن عرنة وهو من الجبل المشرف على عرنة من الجبال المقابلة له إلى ما يلي حوائط بني عامر ، ويستحب أن يقف عند الصخرات وجبل الرحمة راكبا وقيل : الراجل أفضل . ويكثر من الدعاء ، ومن قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت ، وهو على كل شيء قدير اللهم اجعل في قلبي نورا ، وفي بصري نورا ، وفي سمعي نورا ، ويسر لي أمري ، ووقت الوقوف من طلوع الفجر يوم عرفة إلى طلوع الفجر يوم النحر فمن حصل بعرفة في شيء من هذا الوقت ولو لحظة وهو مسلم بالغ عاقل فقد تم حجه ، ومن فاته ذلك ، فاته الحج . ومن وقف بها نهارا ودفع قبل غروب الشمس ، فعليه دم وإن وافاها ليلا ، فوقف بها ، فلا دم عليه .


( وعرفة كلها موقف إلا بطن عرنة ) لقوله - عليه السلام - كل عرفة موقف ، وارفعوا عن بطن عرنة . رواه ابن ماجه ، ولأنه لم يقف بعرفة فلم تجزئه ، كما لو وقف بمزدلفة ، وحكاه ابن المنذر إجماع الفقهاء ، ( وهو ) أي : حد عرنة ( من الجبل المشرف على عرفة إلى الجبال المقابلة لها إلى ما يلي حوائط بني عامر ) لقوله - عليه السلام - : كونوا على مشاعركم فإنكم اليوم على إرث من إرث أبيكم إبراهيم ( ويستحب أن يقف عند الصخرات وجبل الرحمة ) واسمه " إلال " على وزن هلال ( راكبا ) مستقبل القبلة لقول جابر : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل بطن ناقته [ ص: 232 ] القصواء إلى الصخرات ، وجعل حبل المشاة بين يديه ، واستقبل القبلة . ولأن الركوب أعون له على الدعاء ، ولا يشرع صعوده إجماعا ، قاله الشيخ تقي الدين ( وقيل : الراجل أفضل ) ، اختاره ابن عقيل وأبو يعلى الصغير ، وهو ظاهر كلام ابن الجوزي ، روى ابن ماجه عن ابن عباس أن الأنبياء - عليهم السلام - كانوا يدخلون الحرم مشاة ، ويطوفون بالبيت ، ويقضون المناسك مشاة ، وروي أن آدم حج أربعين مرة من الهند على رجليه ذكره ابن الجوزي ، وعن ابن عباس مرفوعا : من حج من مكة ماشيا حتى يرجع إلى مكة كتب الله له بكل خطوة سبعمائة حسنة من حسنات الحرم قيل : له وما حسنات الحرم قال : بكل حسنة مائة ألف حسنة ولأنه أخف على الراحلة ، وكسائر المناسك والعبادات ، وركوبه - عليه السلام - ليعلمهم المناسك ، ويروه فإنها عبادة . وقيل : سواء . وقال الغزالي والشيخ ابن تيمية : يختلف ذلك بحسب الناس .

( ويكثر من الدعاء ) رافعا يديه ، نص عليه ؛ لأنه يوم ترجى فيه الإجابة ، ( و ) يكثر ( من قول : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيي ويميت ، وهو حي لا يموت بيده الخير ، وهو على كل شيء قدير ) لما روى علي مرفوعا : أكثر دعاء الأنبياء قبلي ودعائي عشية عرفة لا إله إلا الله وذكره إلا قوله : بيده الخير ، وعن عمرو بن شعيب عن أبيه ، عن جده قال : كان أكثر دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم عرفة : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، بيده الخير ، وهو على كل شيء قدير . رواه الترمذي ، وسئل سفيان بن عيينة عن أفضل الدعاء يوم عرفة فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، [ ص: 233 ] له الملك ، وله الحمد وهو على كل شيء قدير قيل : له هذا ثناء ، وليس بدعاء فقال : أما سمعت قول الشاعر


أأذكر حاجتي أم قد كفاني حياؤك إن شيمتك الحياء     إذا أثنى عليك المرء يوما
كفاه من تعرضه الثناء

.

( اللهم اجعل في قلبي نورا ، وفي بصري نورا ، وفي سمعي نورا ، ويسر لي أمري ) روي ذلك عنه - عليه السلام - وفي " المحرر " ك " المقنع " وفي " الفروع " الاقتصار على حديث عمرو بن شعيب ، وفي " الوجيز " : يدعو بما ورد فمنه ما روي عنه - عليه السلام - أنه دعا فقال : اللهم إنك ترى مكاني ، وتسمع كلامي ، وتعلم سري وعلانيتي ، ولا يخفى عليك شيء من أمري ، أنا البائس الفقير المستغيث المستجير الوجل المشفق المقر المعترف بذنبه ، أسألك مسألة المسكين ، وأبتهل إليك ابتهال المذنب الذليل ، وأدعوك دعاء الخائف الضرير من خشعت لك رقبته ، وذل لك جسده ، وفاضت لك عينه ، ورغم لك أنفه .

( ووقت الوقوف من طلوع الفجر يوم عرفة إلى طلوع الفجر يوم النحر ) لما روى عروة بن مضرس الطائي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من شهد صلاتنا هذه حتى ندفع ، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلا أو نهارا فقد تم حجه ، وقضى تفثه . رواه الخمسة ، وصححه الترمذي ، ولفظه له ، ورواه الحاكم ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط كافة أئمة الحديث ، ولأن ما قبل الزوال من يوم عرفة ، فكان وقتا للوقوف كما بعد الزوال ، وترك الوقوف فيه لا يمنع كونه وقتا كما بعد العشاء ، وإنما ذلك [ ص: 234 ] وقت الفضيلة ، وقال ابن بطة وأبو حفص العكبري ، وهو رواية : أوله من الزوال يوم عرفة ، وحكاه ابن المنذر ، والقرطبي إجماعا ، وفيه نظر .

( فمن حصل بعرفة في شيء من هذا الوقت ، ولو لحظة ، وهو مسلم بالغ عاقل فقد تم حجه ) سواء كان جالسا أو قائما راكبا أو راجلا ، ولو نائما ، صححه صاحب " التلخيص " وجزم به المؤلف ، أو مارا مجتازا ولم يعلم أنها عرفة في الأصح ، فلا يصح من سكران ، ومغمى عليه في المنصوص بخلاف إحرام وطواف .

ويتوجه : في سعي مثله ، ولا مجنون بخلاف رمي جمار ومبيت ( ومن فاته ذلك فاته الحج ) بغير خلاف نعلمه ، وسنده قوله - عليه السلام - الحج عرفة فمن جاء قبل صلاة الفجر ليلة جمع فقد تم حجه . رواه أبو داود ، ولأنه ركن للعبادة فلم يتم بدونه كسائر العبادات .

فرع : إذا كان بينه وبين الموقف مقدار صلاة ، صلاها صلاة خائف في الأظهر ، اختاره الشيخ تقي الدين ، وقيل : يقدم الصلاة ، وقيل : عكسه ، ( ومن وقف بها ) أي : بعرفة نهارا ، ( ووقع قبل غروب الشمس فعليه دم ) أي : يجب عليه الوقوف بها إلى غروب الشمس ليجمع بين الليل والنهار في ذلك ، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقف بها حتى غربت الشمس . رواه مسلم من حديث جابر ، وقال : خذوا عني مناسككم . وظاهره صحة حجه في قول الجماهير إلا مالكا فإنه قال : لا حج له قال ابن عبد البر : لا نعلم أحدا من العلماء قال بقوله ، وممن أوجب الدم أكثر العلماء ، لقول ابن عباس من ترك نسكا فعليه دم ، ويجزئه شاة ، ومحله إذا لم يعد قبل الغروب إليها ، وفي " الإيضاح " : قبل الفجر [ ص: 235 ] وقيل : إن عاد مطلقا ، وفي " الواضح " : ولا عذر ، وعنه : لا يلزمه دم لواقف ليلا ، وعنه : يلزم من دفع قبل الإمام لفعل الصحابة ( وإن وافاها ليلا فوقف بها ، فلا دم عليه ) وحجه تام بغير خلاف نعلمه لقوله - عليه السلام - : من أدرك عرفات بليل فقد أدرك الحج ، ولأنه لم يدرك جزءا من النهار فلم يلزمه شيء كمن منزله دون الميقات وأحرم منه

التالي السابق


الخدمات العلمية