صفحة جزء
ثم يفيض إلى مكة ، ويطوف للزيارة ، ويعينه بالنية ، وهو الطواف الواجب الذي به تمام الحج ، وأول وقته بعد نصف الليل من ليلة النحر ، والأفضل فعله يوم النحر ، فإن أخره عنه وعن أيام منى جاز ، ثم يسعى بين الصفا والمروة إن كان متمتعا ، أو لم يكن سعى مع طواف القدوم ، وإن كان قد سعى ، لم يسع ، ثم قد حل له كل شيء ، ثم يأتي زمزم فيشرب منها لما أحب ، ويتضلع منه ويقول : بسم الله ، اللهم اجعله لنا علما نافعا ، ورزقا واسعا ، وريا وشبعا ، وشفاء من كل داء ، واغسل به قلبي ، واملأه من خشيتك .


( ثم يفيض إلى مكة ) لقول عائشة : حججنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فأفضنا يوم النحر فحاضت صفية فأراد النبي - صلى الله عليه وسلم - منها ما يريد الرجل من أهله فقلت : يا رسول الله إنها أفاضت يوم النحر قال : اخرجوا . متفق عليه . ( ويطوف للزيارة ) هكذا فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - سمي به ; لأنه يأتي من منى فيزور البيت ، ولا يقيم بمكة ، بل يعود إلى منى ، ويسمى طواف الإفاضة ; لأنه يأتي به عند إفاضته من منى إلى مكة ، ويسمى : طواف الصدر ; لأنه يصدر إليه من منى ، وقيل : طواف الصدر هو طواف الوداع قال المنذري : وهو المشهور إذ الصدر رجوع المسافر من مقصده ، ( ويعينه بالنية ) لخبر الأعمال بالنيات ، ولأن الطواف بالبيت صلاة ، وهي لا تصح إلا بنية معينة ( وهو الطواف الواجب الذي به تمام الحج ) إجماعا قاله ابن عبد البر ، لقوله ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق [ الحج : 29 ] وقوله : أحابستنا ؛ فدل أن هذا الطواف لابد منه ، وأنه حابس لمن لم يأت به ، ووصفه بالتمام ، فإنه لم يبق من أركان الحج سواه فإذا أتى به حصل تمام الحج .

لا يقال : النص الوارد في عرفة لم يذكر فيه الطواف ، وإن الحج يتم بالوقوف بها ; لأنه من وقف بعرفة لم يبق حجه متعرضا للفوات ، والطواف ركن فيه ليس له وقت معين يفوت بفواته ، وليس فيه ما يمنع فرضيته . وظاهره أن المتمتع لا يطوف للقدوم ، والمنصوص أن المتمتع يطوف للقدوم كعمرته بلا رمل ، ثم للزيارة ; لأن طواف القدوم كتحية المسجد ، ثم دخوله قبل شروعه في الصلاة ، وعنه : يجوز قبل فعله الرجوع فيفعله عقب الإحرام ، ومنع في " المغني " [ ص: 248 ] مسنونية هذا الطواف ، وقال : لم أعلم أن أحدا وافق أبا عبد الله على هذا الطواف ، بل المشروع طواف واحد للزيارة لمن دخل المسجد ، وأقيمت المكتوبة ، فإنه يكتفي بها مع أنه لم ينقل بالكلية ، وحديث عائشة دليل عليه ، فإنها قالت : طافوا طوافا واحدا ، وهذا هو طواف الزيارة ، ولو كان المذكور طواف القدوم لأخلت بذكر الفرض الذي هو ركن الحج ، وحكم المكي إذا أحرم منها والمنفرد والقارن إذا لم يأتيا مكة قبل يوم النحر كالمتمتع .

( وأول وقته بعد نصف الليل من ليلة النحر ) ; لأن أم سلمة رمت ، ثم طافت ، ثم رجعت فوافت النبي - صلى الله عليه وسلم - عند جمرة العقبة وبينها وبين مكة فرسخان ، وعنه : أول وقته طلوع فجر يوم النحر ، وهما مبنيان على أول وقت الرمي ( والأفضل فعله يوم النحر ) بعد الرمي والنحر والحلق ، لقول جابر : ثم أفاض النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم النحر إلى البيت فصلى بمكة الظهر ، وقد سبق حديث عائشة ، وابن عمر ( فإن أخره ) أي : طواف الزيارة ( عنه ) أي : يوم النحر ( وعن أيام منى جاز ) ; لأنه يقال : أمر بالطواف مطلقا ، فمتى أتى به ، صح بغير خلاف ، ذكره في " الشرح " . وظاهره أنه لا دم عليه بتأخيره عن يوم النحر ، واختار في " الواضح " وجوبه بلا عذر ، ولا عن أيام منى كالسعي ، وصرح القاضي وغيره رواية من الحلق . قال في " الفروع " : ويتوجه مثله في سعي .

( ثم يسعى بين الصفا والمروة إن كان متمتعا ) ; لأن السعي أولا لعمرته فيشرع أن يسعى للحج ( أو لم يكن سعى مع طواف القدوم ) وهو المفرد والقارن ، فيسعى ; لأنه إما ركن أو واجب أو سنة ، ولم يأت به ; لأنه لا يكون إلا بعد [ ص: 249 ] طواف ، لفعله وأمره - عليه السلام - بمتابعته ( وإن كان قد سعى ) مع طواف القدوم ( لم يسع ) لقول جابر : لم يطف النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا طوافه الأول . ولأنه لا يستحب التطوع بالسعي كسائر الأنساك بغير خلاف نعلمه بخلاف الطواف فإنه صلاة ( ثم قد حل له كل شيء ) لقول عمر لم يحل النبي - صلى الله عليه وسلم - من شيء حرم منه حتى قضى حجه وتم هديه يوم النحر فأفاض بالبيت ، ثم حل من كل شيء حرم منه ، وعن عائشة نحوه . متفق عليهما . وظاهره أن الحل متوقف على السعي ، نص عليه في رواية أبي طالب ، وهو ظاهر على القول بركنيته ، وكذا إن قيل بوجوبه ، واختاره القاضي في " المجرد " وصاحب " المغني " وحكاه في " التلخيص " رواية ، وإن قلنا بسنيته ، ففي حله قبله وجهان ، وفي " المغني " احتمالان أحدهما : نعم ، وهو ظاهر كلام المجد ; لأنه لم يبق عليه شيء من الواجبات ، والثاني : لا ، وقطع به في " التلخيص " ; لأنه من أفعال الحج فيأتي به في إحرامه بالحج ( ثم يأتي زمزم فيشرب منها ) لقول جابر : ثم أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - بني عبد المطلب وهم يسقون ، فناولوه ، فشرب منه ، وفي " التبصرة " ويرش على بدنه ، وثوبه ( لما أحب ) لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - ماء زمزم لما شرب له . رواه ابن ماجه ، وقوله - عليه السلام - لأبي ذر إنها طعام طعم أي : تشبع شاربها كالطعام ( ويتضلع منه ) لقول ابن عباس لرجل : تضلع منها فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إن آية ما بيننا وبين المنافقين أنهم لا يتضلعون من زمزم . رواه ابن ماجه ، ويستحب له استقبال الكعبة لقول ابن عباس إذا شربت منها فاستقبل [ ص: 250 ] الكعبة ، واذكر اسم الله ، ( ويقول : بسم الله اللهم اجعله لنا علما نافعا ورزقا واسعا وريا وشبعا وشفاء من كل داء ، واغسل به قلبي واملأه من خشيتك ) ; لأنه لائق به ، وهو شامل لخير الدنيا ، والآخرة " فيرجى له حصوله ، وقد ورد عن ابن عباس أنه كان إذا شرب منه يقول : اللهم إني أسألك علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كل داء . قال : الحاكم صحيح الإسناد إن سلم من الجارودي .

التالي السابق


الخدمات العلمية