صفحة جزء
فإذا أتى مكة ، لم يخرج حتى يودع البيت بالطواف إذا فرغ من جميع أموره ، فإن ودع ، ثم اشتغل في تجارة أو أقام ، أعاد الوداع ومن أخر طواف الزيارة ، فطافه عند الخروج ، أجزأه عن طواف الوداع ، فإن خرج قبل الوداع ، رجع إليه ، فإن لم يمكنه ، فعليه دم إلا الحائض والنفساء لا وداع عليهما .


( فإذا أتى مكة لم يخرج حتى يودع البيت بالطواف إذا فرغ من جميع أموره ) لما روى ابن عباس قال : أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت ، إلا أنه خفف عن المرأة الحائض . متفق عليه . قال القاضي وأصحابه : إنما يستحق عليه عند العزم على الخروج ، وإنه لو أراد المقام بمكة ، لا وداع عليه ، سواء نوى الإقامة قبل النفر أو بعده . ومن منزله في الحرم فهو كالمكي ، وذكر في " التعليق " واختاره الشيخ تقي الدين : أن طواف الوداع ليس من الحج ، ولا يتعلق به فيمن وطئ بعد التحلل . ثم يصلي ركعتين ، ويقبل الحجر قاله في " المستوعب " كلما دخل ( فإن ودع ثم اشتغل في تجارة ) قال ابن عقيل وابن الجوزي : أو شراء حاجة بطريقه ( أو أقام ) بعد الوداع لغير شد رحل ، نص عليه ( أعاد الوداع ) للخبر السابق قيل له في رواية أبي داود : ودع ثم نفر يشتري طعاما يأكله ؛ قال : لا يقولون حتى يجعل الردم ، وراء ظهره ، ونص في رواية أبي طالب : لا يلتفت فإن التفت ، ودع [ ص: 256 ] قدمه في " التعليق " وغيره ، وحمله جماعة على الندب ، وذكر ابن الزاغوني وابن عقيل : لا يولي ظهره حتى يغيب قال الشيخ تقي الدين : هذا بدعة مكروهة ، وقطع في " المغني " و " الشرح " أنه إن قضى حاجة في طريقه أو اشترى زادا أو شيئا لنفسه في طريقه لم يعده ; لأن ذلك ليس بإقامة .

( ومن أخر طواف الزيارة ، فطافه عند الخروج أجزأه عن طواف الوداع ) في ظاهر المذهب ; لأنه أمر أن يكون آخر عهده بالبيت ، وقد فعله ، ولأن ما شرع لتحية المسجد يجزئ عنه الواجب من حقه كتحية المسجد ، وركعتي الطواف والإحرام تجزئ عنهما المفروضة ، والثانية : لا ، لاختلافهما كالصلاتين الواجبتين ، وكما لو نوى بطوافه الوداع عن طواف الزيارة ، ويصير حكمه حكم من تركه ; لأنه ركن لا يتم الحج إلا به فإذا تركه ، ورجع إلى بلده رجع حراما عن النساء إن كان قد رمى جمرة العقبة ، وإلا فحراما عن كل شيء .

( فإن خرج قبل الوداع رجع إليه ) مع إمكانه لقرب المسافة أو بعدها ، وليس هناك خوف على نفس ولا مال ، ولا فوات رفقة ; لأنه أمكنه الإتيان بالواجب من غير مشقة تلحقه ، فإن رجع القريب ، لم يلزمه إحرام ; لأنه رجع لإتمام نسك مأمور به ، كرجوعه لطواف الزيارة ، والبعيد يحرم بعمرة ، ويأتي بها ، ثم يطوف لوداعه ، ولا يجاوز الميقات إن كان إلا محرما ; لأنه ليس من أهل الأعذار ، وفي سقوط الدم عنه خلاف ( فإن لم يمكنه ) الرجوع ( فعليه دم ) لتركه الواجب في الحج . وظاهره أنه لا يلزمه الرجوع لما فيه من المشقة أشبه ما لو وصل إلى بلدة ( إلا الحائض والنفساء لا وداع عليهما ) ولا فدية لذلك في قول عامة العلماء [ ص: 257 ] للنص السابق في الحائض ، والنفساء مثلها فيما يجب ويسقط ، لكن يسن أن تقف عند باب المسجد فتدعو فإن طهرت قبل مفارقة البنيان اغتسلت ، وودعت ; لأنها في حكم الإقامة فإن لم يمكنها الإقامة فمضت أو مضت لغير عذر فعليها دم ، وإن كان بعده لم يلزمها الرجوع لخروجها عن حكم الحضر .

فرع : إذا ودع ثم أقام بمنى ، ولم يدخل مكة ، جاز ، وإن خرج غير حاج فظاهر كلام الشيخ تقي الدين لا يودع .

التالي السابق


الخدمات العلمية