صفحة جزء
[ ص: 52 ] فصل

القسم الثالث : ماء نجس

وهو ما تغير بمخالطة النجاسة ، فإن لم يتغير وهو يسير ، فهل ينجس ؛ على روايتين : وإن كان كثيرا فهو طاهر ، إلا أن تكون النجاسة بولا ، أو عذرة مائعة ، ففيه روايتان ، إحداهما : لا ينجس ، والأخرى : ينجس إلا أن يكون مما لا يمكن نزحه لكثرته ، فلا ينجس .

وإذا انضم إلى الماء النجس ماء طاهر كثير طهره إن لم يبق فيه تغير ، وإن كان الماء النجس كثيرا ، فزال تغيره بنفسه أو بنزح بقي بعده كثير طهر ، وإن كوثر بماء يسير ، أو بغير الماء ، فأزال التغير ، لم يطهر . ويتخرج أن يطهر . والكثير ما بلغ قلتين ، واليسير ما دونهما ، وهما خمسمائة رطل بالعراقي . وعنه : أربعمائة وهل ذلك تقريب أو تحديد ؛ على وجهين .

وإذا شك في نجاسة الماء أو كان نجسا فشك في طهارته ، بنى على اليقين . وإن اشتبه الماء الطاهر بالنجس لم يتحر فيهما على الصحيح من المذهب ، ويتيمم . وهل يشترط إراقتهما أو خلطهما ؛ على روايتين ، وإن اشتبه طهور بطاهر توضأ من كل واحد منهما ، وصلى صلاة واحدة . وإن اشتبهت الثياب الطاهرة بالنجسة ، صلى في كل ثوب صلاة وزاد صلاة .


فصل

( القسم الثالث : ماء نجس ) .

هذا شروع في بيان ما يسلب الماء صفتيه : طهارته وتطهيره ( وهو ما تغير بمخالطة النجاسة ) في غير محل التطهير فينجس إجماعا ، حكاه ابن المنذر ، وحكى ابن البنا أن بعضهم أخذ من كلام الخرقي العفو عن يسير الرائحة ، وهو شاذ ، إذ لا فرق بين كثير التغير ويسيره .

مسألة : يحرم استعماله إلا ضرورة ، الماء النجس لدفع عطش أو لقمة ، ويجوز سقيه البهائم قياسا على الطعام إذا تنجس ، وقال الأزجي : لا يجوز قربانه بحال بل يراق ( فإن لم يتغير ، وهو يسير فهل ينجس ؛ الماء بعد مخالطة النجاسة 2 على روايتين ) أظهرهما ينجس .

قال في " النهاية " : وعليه الفتوى ، وقدمه في " المحرر " ، وجزم به في " الوجيز " لما روى ابن عمر قال : سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الماء يكون بالفلاة ، وما ينوبه من الدواب والسباع ، فقال : إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء .

وفي رواية لم يحمل الخبث .

رواه الخمسة ، والحاكم ، وقال على شرط الشيخين ، ولفظه لأحمد ، وسئل ابن معين عنه ، فقال : إسناده جيد ، وصححه الطحاوي ، قال الخطابي : ويكفي شاهدا على صحته أن نجوم أهل الحديث صححوه ، ولأنه عليه السلام أمر بإراقة الإناء الذي ولغ فيه الكلب ، ولم يعتبر التغيير .

وعموم كلامه يشمل الجاري والراكد ، وهو المذهب ، وفي ثانية : أن [ ص: 53 ] الجاري لا ينجس إلا بالتغير ، اختارها الموفق ، وجمع ، ورجحها في " الشرح " .

وفي أخرى : تعتبر كل جرية بنفسها ، اختارها القاضي وأصحابه ، فإن كانت يسيرة نجست ، وإلا فلا ، والجرية ما أحاط بالنجاسة فوقها وتحتها إلى قرار النهر ، ويمنة ويسرة ما بين حافتي النهر زاد في " المغني " ، و " الشرح " : ما قرب من النجاسة أمامها وخلفها ، ولابن عقيل : ما فيه النجاسة ، وقدر مساحتها فوقها وتحتها ، ويمينها ويسارها ، انتهى . فإن كانت النجاسة ممتدة فهل تجعل كل جرية منها كنجاسة مفردة ، أو كلها نجاسة واحد ؛ فيه وجهان ، والثانية : لا ينجس إلا بالتغيير ، اختاره ابن عقيل ، وابن المنى ، والشيخ تقي الدين ، وفاقا لمالك ، لما روى أبو سعيد : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل : أنتوضأ من بئر بضاعة ؛ ، وهي بئر تلقى فيها الحيض ، والنتن ، ولحوم الكلاب ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - الماء طهور لا ينجسه شيء .

رواه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي وحسنه ، قال أحمد : حديث بئر بضاعة صحيح ، قلت : ويعضده حديث أبي أمامة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إن الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه ، وطعمه ، ولونه رواه ابن ماجه ، والدارقطني .

فرع : يسير النجاسة مثل كثيرها في التنجس ، وإن لم يدركها الطرف أي : لا تشاهد بالبصر ، وفي " عيون المسائل " لا بد أن يدركها الطرف ، [ ص: 54 ] وفاقا للشافعي . وقيل : إن مضى زمن تسري فيه زاد في " الشرح " إلا أن ما يعفى عن يسيره ، كالدم ، حكم الماء الذي تنجس به حكمه في العفو عن يسيره .

( وإن كان كثيرا ) ولم يغير بالنجاسة ( فهو طاهر ) بغير خلاف في المذهب ما لم يكن بول آدمي ، أو عذرته لخبر القلتين ، وبئر بضاعة ، وذهب أبو حنيفة ، وأصحابه إلى نجاسته إلا أن يبلغ حدا يغلب على الظن أن النجاسة لا تصل إليه ، واختلف فيه فقيل : ما إذا حرك أحد طرفيه لم يتحرك الآخر ، وقيل : عشرة أذرع في مثلها ، وما دون ذلك فهو قليل ، وإن بلغ ألف قلة ( إلا أن تكون النجاسة بولا هل تفسد الماء ) أي : بول آدمي بقرينة ذكر العذرة ، فإنها مختصة به ، ولا فرق بين قليله وكثيره ، وخص في " التلخيص " الخلاف به فقط ، وقاله أحمد في رواية صالح ( أو عذرة مائعة ) لأن أجزاءها تتفرق في الماء وتنتشر ، فهي كالبول بل أفحش ، والمذهب : أن حكم الرطبة ، واليابسة إذا ذابت كذلك ، نص عليه ، قال في " الشرح " وقدمه في " الرعاية " والأولى التفريق بين الرطبة والمائعة ( ففيه روايتان إحداهما : لا ينجس ) اختارها أبو الخطاب ، وابن عقيل ، وقدمه السامري ، وفي " المحرر " لخبر القلتين ، ولأن نجاسة الآدمي لا تزيد على نجاسة بول الكلب ، وهو لا ينجسها ، فهذا أولى ( والأخرى ينجس ) نص عليه في رواية صالح ، والمروذي ، وأبي طالب اختارها الخرقي ، والشريف ، والقاضي ، وابن عبدوس ، وأكثر شيوخ أصحابنا ، لما روى أبو هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : [ ص: 55 ] لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ، ثم يغتسل فيه .

لفظ البخاري ، وقال مسلم : ثم يغتسل منه ، وهذا يتناول القليل والكثير ، وهو خاص في البول . وخبر القلتين محمول على بقية النجاسات فحصل الجمع بينهما ( إلا أن يكون مما لا يمكن نزحه لكثرته فلا ينجس ) هذا مستثنى مما سبق ، وهو الماء إذا كان كثيرا ، ووقعت فيه نجاسة ولم يتغير فهو طاهر ، واستثني من ذلك ما إذا كانت النجاسة بولا أو عذرة مائعة ، فإنه ينجس على المذهب ، وإن لم يتغير ما لم يبلغ الماء حدا يشق نزحه . قال في " الشرح " : لا نعلم خلافا أن الماء الذي لا يمكن نزحه إلا بمشقة عظيمة ، هل ينجس إذا وقعت فيه نجاسة مثل المصانع التي جعلت موردا للحاج بطريق مكة يصدرون عنها ولا ينفذ ما فيها أنها لا تنجس إلا بالتغيير ، قال في " المغني " : لم أجد عن أحمد ، ولا عن أحد من أصحابه تقدير ذلك بأكثر من المصانع التي بطريق مكة ، وقال الشيرازي : المحققون من أصحابنا يقدرونه ببئر بضاعة ، وهي ستة أشبار في مثلها . قال أبو داود : وقدرتها فوجدتها ستة أذرع ، وسألت الذي فتح لي باب البستان هل غير بناؤها ؛ قال : لا ، وقال : سمعت قتيبة بن سعيد قال : سألت قيم بئر بضاعة عن عمقها ، فقال : أكثر ما يكون فيها الماء إلى العانة قلت ، فإذا نقص ، قال : دون العورة .

تنبيهات - الأول : أن كل مائع كزيت وسمن ينجس قليله وكثيره بملاقاة النجاسة في رواية صححها في " الشرح " ، وقدمها في " الرعاية " لأنه لا يطهر غيره [ ص: 56 ] فلم يرفع النجاسة عن نفسه كاليسير ، وفي أخرى : كالماء ينجس إن قل أو تغير ، وإلا فلا ، وفي ثالثة : ما أصله الماء كالخل التمري ، فهو كالماء ، وغيره ينجس مطلقا ، وقال الشيخ تقي الدين : ولبن كزيت .

الثاني : ظاهر كلامهم أن نجاسة الماء النجس عينية ، وذكر الشيخ تقي الدين : لا ، لأنه يطهر غيره ، فنفسه أولى ، وإنه كالثوب النجس ، ولهذا يجوز بيعه .

الثالث : إذا غيرت نجاسة بعض الطهور الكثير ، ففي نجاسته ما لم يتغير مع كثرته وجهان ، والأشهر أنه طهور .

( وإذا انضم إلى الماء النجس ماء طاهر ) أي : طهور ( كثير طهره ، إن لم يبق فيه تغير ، وإن كان الماء النجس كثيرا فزال تغيره بنفسه ، أو بنزح بقي بعده كثير ، طهر ) هذا شروع في بيان تطهير الماء النجس ، وهو ينقسم ثلاثة أقسام : أحدها : أن يكون الماء النجس دون قلتين ، فتطهيره بالمكاثرة حسب الإمكان زاد في " الرعاية " عرفا ، واعتبر الأزجي ، والسامري الاتصال فيه بقلتين طهوريتين ، إما أن يصب فيه ، أو يجري إليه من ساقية ، أو نحو ذلك ، فيزول بهما تغيره إن كان متغيرا ، وإن كان غير متغير طهر بمجرد المكاثرة ، لأن القلتين تدفع النجاسة عن نفسها ، وعما اتصل بها ، ولا ينجس إلا بالتغيير ، وفهم منه أن النجس القليل لا يطهر بزوال تغيره بنفسه ، لأنه علة نجاسته الملاقاة لا التغيير ، الثاني : أن يكون قلتين فإن كان غير متغير بالنجاسة ، فتطهيره [ ص: 57 ] بالمكاثرة . أو متغيرا بها فتطهيره بالمكاثرة إذا زال التغير ، وبزوال تغيره بنفسه ، لأن علة التنجيس زالت ، كالخمرة إذا انقلبت بنفسها خلا ، وقال ابن عقيل : لا تطهر ، بناء على أن النجاسة لا تطهر بالاستحالة ، الثالث : الزائد على القلتين ، فإن كان غير متغير فتطهيره بالمكاثرة فقط ، وإن كان متغيرا فتطهيره بالأمرين السابقين ، وبثالث : وهو أن ينزح منه حتى يزول التغير ، ويبقى بعد النزح قلتان ، هذا إن كان متنجسا بغير البول والعذرة ، ولم يكن مجتمعا من متنجس كل ما دون قلتين ، نص عليه ، فإن نقص عنهما قبل زوال التغير ، ثم زال لم يطهر ، لأن علة التنجس في القليل مجرد ملاقاة النجاسة ، ويعتبر زوال التغير في الكل .

تنبيه : إذا كان متنجسا بغير بول آدمي وعذرته ، فإن كان بأحدهما ، ولم يتغير ، فتطهيره بإضافة ما يشق نزحه ، وإن تغير ، وكان مما يشق نزحه ، فتطهيره بإضافة ما يشق نزحه مع زوال تغيره ، أو بنزح يبقى بعده قلتان ، أو بزوال تغيره بنفسه ، وإن كان بما لا يشق نزحه فبإضافة ما يشق نزحه ، كمصانع مكة مع زوال التغير ( وإن كوثر ) ، أو كان كثيرا فأضيف إليه ( بماء يسير ) طهور ، ( أو بغير الماء ) كالتراب ، والخل ، ونحوهما ، لا مسك ونحوه ، ( فأزال التغير ) لم يطهر على المذهب ، لأنه لا يدفع النجاسة عن نفسه ، فعن غيره أولى ( ويتخرج [ ص: 58 ] أن يطهر ) ، وقاله بعض أصحابنا لخبر القلتين ، ولأن علة النجاسة زالت ، وهي التغير ، أشبه ما لو زال بالمكاثرة ، وقال ابن عقيل : التراب لا يطهر ، لأنه يستر النجاسة بخلاف الماء ، وقيل به في النجس الكثير فقط ، جزم به في " المستوعب " ، وغيره ، وأطلق في " الإيضاح " روايتين في التراب .

مسألة : إذا اجتمع من نجس وطهور وطاهر قلتان بلا تغير فكله نجس ، وقيل : طاهر ، وقيل : طهور ، وإن أضيفت قلة نجسة إلى مثلها ، ولا تغير لم تطهر في المنصوص كنجاسة أخرى ، وفي غسل جوانب بئر نزحت وأرضها روايتان .

( والكثير ما بلغ قلتين معناه ) هما تثنية قلة ، وهي اسم لكل ما ارتفع وعلا ، ومنه قلة الجبل ، والمراد هنا الجرة الكبيرة ، سميت قلة لعلوها وارتفاعها ، وقيل : لأن الرجل العظيم يقلها بيده أي : يرفعها ، والتحديد وقع بقلال هجر ، وفي حديث الإسراء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ثم رفعت إلى سدرة المنتهى ، ، فإذا ورقها مثل آذان الفيلة ، وإذا نبقها مثل قلال هجر . رواه البخاري ، ولأنها مشهورة الصفة معلومة المقدار لا يختلف كالصيعان ، ولأن خبر القلتين دل بمنطوقه على رفعهما النجاسة عن أنفسهما ، وبمفهومه على نجاسة ما لم يبلغهما ، فلذلك جعلناهما حدا للكثير ( واليسير ما دونهما ) أي : دون القلتين مقدارهما ( وهما خمسمائة [ ص: 59 ] رطل بالعراقي ) قدمه في " المحرر " ، و " الفروع " ، وذكره في " الشرح " ظاهر المذهب لقول عبد الملك بن جريج : رأيت قلال هجر ، فرأيت القلة تسع قربتين ، أو قربتين وشيئا ، والاحتياط إثبات الشيء ، وجعله نصفا ، لأنه أقصى ما يطلق عليه اسم شيء منكر ، فيكون مجموعهما خمس قرب بقرب الحجاز ، كل واحدة تسعمائة رطل عراقية ، باتفاق القائلين بتحديد الماء بالقرب ، والرطل العراقي : مائة وثمانية وعشرون درهما قاله في " المغني " القديم ، وعزاه إلى أبي عبيد ، وقيل : وثلاثة أسباع درهم ذكره في " التلخيص " وقيل : وأربعة أسباع درهم قاله في " المغني " الجديد ، وهو المشهور ، فعلى هذا هو سبع الرطل الدمشقي ونصف سبعه ، فتكون القلتان بالدمشقي مائة رطل وسبعة أرطال وسبع رطل ، ويعبر عنه بأوقية وخمسة أسباع أوقية ، وبالقدسي : ثمانون رطلا وسبعا رطل ، ونصف سبع ، وبالحلبي : تسعة وثمانون رطلا وسبعا رطل ، وبالمصري : أربعمائة وستة وأربعون رطلا وثلاثة أسباع رطل ، ومساحتهما مربعا : ذراع وربع طولا وعرضا وعمقا ، ومدورا : ذراع طولا ، وذراعان ونصف ذراع عمقا ، والمراد به : ذراع اليد ، صرح به بعضهم ( وعنه : أربعمائة ) رواه عنه الأثرم . وقدمه ابن تميم ، لقول يحيى بن عقيل : رأيت قلال هجر ، وأظن القلة تأخذ قربتين . رواه الجوزجاني ، وعلى هذا هما بالدمشقي : خمسة وثمانون رطلا وثلثا رطل وأربعة أسباع أوقية ، وفي ثالثة : هما قربتان وثلث ، جعلا للشيء ثلثا .

[ ص: 60 ] ( وهل ذلك تقريب ) صححه في " المغني " ، و " الشرح " ، و " الفروع " لأن الشيء إنما جعل نصفا احتياطيا ، والغالب استعماله فيما دون النصف ( أو تحديد ) ؛ هو ظاهر قول القاضي ، واختاره الآمدي ، لأن ما جعل احتياطيا يصير واجبا كغسل جزء من الرأس مع الوجه ( على وجهين ) ظاهر كلامه أن الخلاف راجع إلى الروايتين ، وكلامه في " المغني " ، و " المحرر " يقتضي اختصاص الخلاف بالأولى . قال ابن المنجا : وهو الأشبه إذ قيل : القربة تسعمائة بالإجماع ، لأنه لا ترديد في كون القلة قربتين ، وإنما الترديد في الزائد عليهما ، وإن قيل : هي مائة تقريبا حسن مجيء الخلاف المذكور . قال ابن حمدان : الأصح أن الخمسمائة تقريب ، والأربعمائة تحديد ، وفائدة الخلاف تظهر فيما إذا نقصت القلتان رطلا أو رطلين ، ووقع فيهما نجاسة ، فعلى الأولى طاهر ، لأنه نقص يسير لا أثر له ، وعلى الثاني : نجس ، لأنه نقص عن قلتين .

مسائل : إذا وقع نجاسة في قليل ، ولم تغيره ، وقلنا : ينجس بها ، فانتضح منه على ثوب ونحوه ، نجس على المذهب ، وله استعمال كثير لم يتغير ، ولو مع قيام النجاسة فيه ، وبينه وبينها قليل ، وإن شك في كثرة الماء ، أو نجاسة عظم ، أو روثة ، أو جفاف نجاسة على ذباب وغيره ، أو ولوغ كلب أدخل رأسه في إناء ، وثم بفيه رطوبة ، فوجهان . ونقل حرب : فيمن وطئ روثة ، فرخص فيه إذا لم يعرف ما هي .

( وإذا شك في نجاسة الماء ) فهو طاهر ، لأنها متيقنة فلا ينعقد بالشك ، [ ص: 61 ] وإن وجده متغيرا ، لأنه يحتمل أن يكون بمكثه ، أو بما لا يمنع ، وليس هذا خاصا بالماء ، بل يجري فيه وفي غيره ، ( أو كان نجسا فشك في طهارته الماء بنى على اليقين ) أي : الأصل ، لأن الشيء إذا كان على حال ، فانتقاله عنها يفتقر إلى عدمها ، ووجود الأخرى ، وبقاؤها وبقاء الأولى لا يفتقر إلا إلى مجرد البقاء ، فيكون أيسر من الحدوث وأكثر ، والأصل إلحاق الفرد بالأعم الأغلب . فإن أخبره عدل بنجاسته ، الماء وذكر السبب قبل ، وإن لم يعينه فقال القاضي : لا يلزم قبول خبره ، لاحتمال اعتقاد نجاسته بسبب لا يعتقده المخبر ، وقيل : يقبل ، كالرواية ، ويكفي مستور الحال في الأصح ، كعبد وأنثى ، وإن أخبره أن كلبا ولغ في هذا الإناء فقط ، وقال آخر : إنما ولغ في هذا ، هل يمكن الطهارة بأحدهما حكم بنجاستهما ، لأن صدقها ممكن ، فإن عينا كلبا ووقتا يضيق عن شربه منهما أي من إنائين هل يحكم بنجاستهما ؛ تعارضا ، ولم يحكم بنجاسة واحد منهما ، فإن قال أحدهما : ولغ في هذا ، وقال الآخر : نزل ولم يشرب ، هل يجوز الطهارة بهذا الماء قدم قول المثبت ، إلا أن يكون ضريرا فيقدم قول البصير عليه .

فرع : إذا أصابه ماء ، ولا أمارة تدل على النجاسة ، كره سؤاله عنه نقله صالح لقول عمر : يا صاحب الحوض لا تخبرنا ، فلا يلزم الجواب ، وقيل : بلى كما لو سئل عن القبلة ، وقيل : الأولى السؤال والجواب ، وقيل : بلزومهما ، وأوجب الأزجي إجابته إن علم نجاسته .

( وإن اشتبه الماء الطاهر ) أي : الطهور ( بالنجس ) تنقسم هذه المسألة إلى صور ، منها : أن يزيد عدد النجس ، أو يتساويان ، فهذا لا يجوز التحري [ ص: 62 ] فيهما بغير خلاف ، ومنها أن يزيد عدد الطاهر على عدد النجس ، قال ابن المنجا : وهي مسألة الكتاب ، فيكون من باب إطلاق اللفظ المتواطئ إذا أريد به بعض محاله ، وهو مجاز شائع ( لم يتحر فيهما على الصحيح من المذهب ) لأنه اشتبه عليه المباح بالمحظور في موضع لا تبيحه الضرورة ، كما لو اشتبهت أخته بأجنبيات ، أو كان أحدهما بولا ، لأن البول لا مدخل له في التطهير ، والثانية : له التحري إذا زاد عدد الطهور ، وهو قول أبي بكر ، وابن شاقلا ، والنجاد ، لأن الظاهر إصابته الطهور ، وجهة الإباحة ترجحت ، أشبه ما لو اشتبهت عليه أخته في نساء بلد كبير ، لأنه يشق عليه اجتناب الكل ، ولذلك يجوز له النكاح من غير تحر ، وعلى هذا هل يكتفي بمطلق الزيادة ، أو كون الطهور أكثر عرفا ، أو كون النجس تسع الطهور ؛ فيه أوجه ، وظاهر كلامهم لا فرق بين الأعمى وغيره ، وهل يلزم من علم النجس إعلام من أراد أن يستعمله ؛ فيه احتمالات ، ثالثها : يلزم إن شرطت إزالتها لصلاة ، وإن توضأ من أحدهما بلا تحر ، فبان طهورا ماء طاهر وآخر نجس لم يصح ، ويعايا بها ، وقال أبو الحسين : يصح ( ويتيمم ) في الصور السابقة ، لأنه عادم للماء حكما ، وظاهره أنه إذا تيمم وصلى به ، ثم علم النجس الماء النجس فلا إعادة عليه ، وهو كذلك في الأصح ( وهل يشترط إراقتهما أو خلطهما ؛ الماء الطاهر والنجس حتى يصح التيمم على روايتين ) كذا أطلقهما في " الفروع " إحداهما : لا يشترط - لصحة التيمم - إعدامهما بخلط أو إراقة ، جزم بها في " الوجيز " ، وقدمها ابن تميم وغيره ، وصححها في " المغني " و " الشرح " لأنه غير قادر على استعماله ، أشبه [ ص: 63 ] ما لو كان في بئر لا يمكنه الوصول إليه ، والثانية : تشترط الإراقة ، ليكون عادما للماء حقيقة وحكما ، واختارها الخرقي ، وأبو البركات ، وهذا إذا أمن العطش ، ولم يكن عنده طهور بيقين ، ولم يمكن تطهير أحدهما بالآخر ، والمحرم بغصب كالنجس فيما ذكرنا .

فرع : إذا احتاج إلى شرب أو أكل وعنده ماء طاهر وماء نجس ، ولم يميز بينهما لم يجز بلا تحر في الأصح ، فإن فعل ، قال ابن حمدان : أو تطهر من أحدهما بتحر ، ثم وجد ماء طهورا ، وجب غسل ثيابه وأعضائه ، وقيل : يسن ، ويريق النجس إن علمه واستغنى عنه ، وإن خاف العطش توضأ بالطاهر ، وحبس النجس ، وقيل : ويتيمم ، وهو أولى كما لو خاف احتياجهما للعطش .

فرع : إذا توضأ بماء ، ثم علم نجاسته أعاد ، نقله الجماعة ، خلافا " للرعاية " ، ونصه : حتى يتيقن براءته ، وذكر في " الفصول " ، والأزجي : إن شك هل كان وضوءه قبل نجاسة الماء أو بعده ؛ لم يعد ، لأن الأصل الطهارة .

( وإن اشتبه طهور بطاهر هل يجوز التوضؤ ؛ توضأ من كل واحد منهما ) قال في " الوجيز " مع عدم طهور مشتبه ، وظاهر ما ذكره المؤلف أنه يتوضأ من كل واحد منهما وضوءا كاملا ، صرح به في " المغني " ، و " المحرر " لأنه أمكنه تأدية فرضه بيقين ، فلزمه ذلك كما لو نسي صلاة من خمس لا يعلم عينها ، والمذهب أنه يتوضأ [ ص: 64 ] منهما وضوءا واحدا ، فيأخذ من هذا غرفة ، ومن هذا غرفة مطلقا ، فإن توضأ منهما مع طهور بيقين وضوءا واحدا صح ، وإلا فلا ، فإن احتاج إلى أحدهما للشرب تحرى وتوضأ بالطهور عنده ، وتيمم ليحصل له اليقين ، ذكره في " الشرح " ( وصلى صلاة واحدة ) قال في " المغني " ، و " الشرح " : بغير خلاف نعلمه ، لأنه أمكنه أداء فرضه بيقين من غير حرج ، فلزمه ، كما لو كانا طهورين ، ولم يكفه أحدهما .

( وإن اشتبهت الثياب الطاهرة بالنجسة كيف يصلي ) وهو يعلم عددها ( صلى في كل ثوب صلاة ) ينوي بها الفرض احتياطا ، كمن نسي صلاة من يوم ولم يجز التحري مطلقا ، بخلاف القبلة والأواني ، وفرق أحمد بينهما بأن الماء يلصق ببدنه ، فيتنجس به ، وأنه يباح طلبه فيه عند العدم ، بخلاف الماء النجس ، قال الأصحاب : ولأن القبلة يكثر الاشتباه فيها ، والتفريط هنا حصل منه بخلافها ، ولأن لها أدلة تدل عليها بخلاف الثياب ( وزاد صلاة ) لأنه صلى في ثوب طاهر يقينا ، وإن لم يعلم عدد النجس ، صلى حتى يتيقن أنه صلى في طاهر . صرح به الأصحاب ، فإن كثر ذلك وشق صلاته في الكل ، فقال ابن عقيل : يتحرى في أصح الوجهين دفعا للمشقة ، والثاني : لا يتحرى ، لأنه يندر جدا ، وقيل : يصلي في واحد بلا تحر ، وفي الإعادة وجهان ، ولا تصح في ثياب مشتبهة مع وجود طاهر يقينا ، وكذا حكم الأمكنة الضيقة ، وأما الواسعة فيصلي حيث شاء بلا تحر .

التالي السابق


الخدمات العلمية