صفحة جزء
[ ص: 276 ] باب الهدي والأضاحي والأفضل فيهما الإبل ، ثم البقر ، ثم الغنم والذكر والأنثى سواء ولا يجزئ إلا الجذع من الضأن ، وهو ما له ستة أشهر ، والثني مما سواه ، وثني الإبل : ما كمل له خمس سنين ، ومن البقر : ما له سنتان ومن المعز : ما له سنة وتجزئ الشاة عن واحد ، والبدنة ، والبقرة عن سبعة ، سواء أراد جميعهم القربة ، أو بعضهم ، والباقون اللحم . ولا يجزئ فيهما العوراء البين عورها ، وهي التي انخسفت عينها ، ولا العجفاء التي لا تنقي ، وهي الهزيلة التي لا مخ فيها والعرجاء البين ظلعها ، فلا تقدر على المشي مع الغنم ، والمريضة البين مرضها ، والعضباء وهي التي ذهب أكثر أذنها ، أو قرنها . وتكره المعيبة الأذن بخرق أو شق أو قطع لأقل من النصف وتجزئ الجماء ، والبتراء ، والخصي ، وقال أبو حامد : لا تجزئ الجماء ، والسنة نحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى ، فيطعنها بالحربة في الوهدة التي بين أصل العنق والصدر . وتذبح البقر والغنم ، ويقول عند ذلك : بسم الله والله أكبر اللهم هذا منك ولك . ولا يستحب أن يذبحها إلا مسلم فإن ذبحها بيده ، كان أفضل ، فإن لم يفعل ، استحب له أن يشهدها . ووقت الذبح يوم العيد بعد الصلاة أو قدرها إلى آخر يومين من أيام التشريق ولا تجزئ في ليلتهما في قول الخرقي ، وقال غيره : يجزئ ، فإن فات الوقت ، ذبح الواجب قضاء ، وسقط التطوع .


باب الهدي والأضاحي الهدي : ما أهدي إلى الحرم من النعم وغيرها ، وقال ابن المنجا : وهو ما يذبح بمنى ، سمي بذلك ; لأنه يهدى إلى الله - تعالى - .

والأضاحي : جمع أضحية بضم الهمزة وكسرها والضحايا جمع ضحية ، والأضاحي جمع أضحاة كأرطاة ، وقد أجمع المسلمون على مشروعيتها ، وسنده قوله - تعالى - فصل لربك وانحر قال جماعة من المفسرين : المراد به الأضحية بعد صلاة العيد ، وقد ثبت أنه - عليه السلام - ضحى بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده ، وسمى ، وذكر ، ووضع رجله على صفاحهما . متفق عليه .

الأملح : هو الأبيض النقي قاله ابن الأعرابي ، أو الذي فيه سواد وبياض ، وبياضه أكثر ، قاله الكسائي وأبو زيد .

( والأفضل فيهما الإبل ، ثم البقر ، ثم الغنم ) لحديث أبي هريرة السابق في الرواح إلى الجمعة ; لأنه - عليه السلام - رتبها على قدر الفضيلة ، وروي أن امرأة سألت ابن عباس أي : النسك أفضل ؛ قال : إن شئت فناقة ، أو بقرة قالت أي : ذلك أفضل ؛ قال : انحري ناقة ، ولأن البدنة أكثر لحما وثمنا ، وأنفع للفقراء فكانت أفضل من غيرها ، ثم كذلك في البقر ، والغنم إجماعا ، ولا شك أنها جائزة بكل منها ، وهو في الغنم والإبل والبقر وفاقا ، لا من غيره ، فلو كان أحد أبويه ، وحشيا ، لم يجز . وظاهره أنه لا يجزئ بطائر ، وهو وفاق ( والذكر والأنثى سواء ) للعموم ، ولأن المقصود هنا اللحم ، ولحم الذكر أوفر ولحم الأنثى أرطب [ ص: 277 ] فيتساويان بخلاف الزكاة ، وقيل : هو أفضل ، وقدم في " الفصول " هي والأسمن ، ثم الأغلى ثمنا ، ثم الأملح ، ثم الأصفر ، ثم الأسود . قال أحمد : يعجبني البياض . ونقل حنبل : أكره السواد وذكر المؤلف : أن الكبش من الأضحية أفضل الغنم ، وجذع الضأن أفضل من ثني المعز ; لأنه أطيب لحما ، وذكر المؤلف احتمالا عكسه ، وكل منهما أفضل من سبع بدنة أو بقرة ، وسبع شياه أفضل من بدنة أو بقرة .

( ولا يجزئ إلا الجذع من الضأن ) لما روت أم بلال بنت هلال ، عن أبيها ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : يجزئ الجذع من الضأن أضحية . رواه ابن ماجه ، والهدي مثله ، ( وهو ماله ستة أشهر ) قاله الجوهري وغيره ، قال الخرقي : سمعت أبي يقول سألت بعض أهل البادية كيف يعرفون الضأن إذا أجذع ؛ قالوا : لا تزال الصوفة قائمة على ظهره ما دام حملا ، فإذا نامت الصوفة على ظهره ، علم أنه قد أجذع ، وقيل : هو الذي له ثمانية أشهر ذكره ابن أبي موسى ( والثني مما سواه ) ; لأنه - عليه السلام - وأصحابه كانوا يذبحون لهما ، ( وثني الإبل : ما كمل له خمس سنين ) ودخل في السادسة قاله الأصمعي ، والجوهري وغيرهما ، سمي بذلك ; لأنه حينئذ يلقي ثنيته ، وقال ابن أبي موسى : ما كمل له ست ( ومن البقر ما له سنتان ) قاله الجوهري ، وقال ابن أبي موسى : ما كمل له ثلاث سنين ( ومن المعز : ما له سنة ) وقد سبق في الزكاة ، فلو كان أعلى سنا أجزأ بغير خلاف ، ونقل أبو طالب يجزئ جذع إبل ، وبقر عن واحد ، اختاره الخلال ، وسأله حرب أيجزئ عن ثلاثة ؛ قال : يروى عن الحسن ، وكأنه سهل فيه .

[ ص: 278 ] ( وتجزئ الشاة عن واحد ) لحصول الوفاء به ، والخروج عن عهدة الأمر المطلق والمنصوص وعن أهل بيته وعياله ، لقول أبي أيوب ( والبدنة والبقرة عن سبعة ) في قول أكثر العلماء لما روى جابر قال : نحرنا بالحديبية مع النبي - صلى الله عليه وسلم - البدنة عن سبعة ، والبقرة عن سبعة ، وفي لفظ : أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نشترك في الإبل والبقر كل سبعة في واحد منها ، وفي لفظ : فنذبح البقرة عن سبعة نشترك فيها . رواه مسلم ، وحينئذ يعتبر ذبحها عنهم ، نص عليه ( سواء أراد جميعهم القربة أو بعضهم والباقون اللحم ) نص عليه ; لأن الجزء المجزئ لا ينقص بإرادة الشريك غير القربة فجاز كما لو اختلف فأراد بعضهم المتعة ، والآخر القران ، ولأن القسمة أيضا إفراز ، نص عليه ، وعلى الآخر : بيع فيمتنع ، وعلى الأول : يجوز ، ولو كان بعضهم ذميا في قياس قوله قاله القاضي ، فلو كانوا بعد الذبح ثمانية ذبحوا شاة ، وأجزأهم ، نقله ابن القاسم ، ونقل مهنا : يجزئ سبعة ، ويرضون الثامن ، ويضحي .

فرع : زيادة العدد في جنس أفضل كالعتق ، وقيل : المغالاة في الثمن ، وقيل : سواء ، وسأله ابن منصور بدنتان سمينتان بتسعة ، وبدنة بعشرة ؛ قال : بدنتان أعجب إلي .

( ولا يجزئ فيهما ) أي : في الهدي ، والأضاحي ( العوراء البين عورها ، وهي التي انخسفت عينها ، ولا العجفاء التي لا تنقي ، وهي الهزيلة التي لا مخ فيها [ ص: 279 ] والعرجاء البين ظلعها فلا تقدر على المشي مع الغنم ، والمريضة البين مرضها ) لما روى البراء بن عازب قال : قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : أربع لا تجوز في الأضاحي : العوراء البين عورها ، والمريضة البين مرضها ، والعرجاء البين ظلعها ، والكسيرة التي لا تنقي . رواه الخمسة ، وصححه الترمذي وما فسر به العوراء هو قول الأصحاب ، إذ العين عضو مستطاب ، فدل على أنها إذا كانت قائمة أو بها بياض لا يمنع النظر ، تجزئ ، وكذا إن أذهبه على الأشهر ، والعجفاء التي لا تنقي ، وهي التي لا مخ في عظامها لهزالها ، والعرجاء البين ظلعها بفتح اللام ، وسكونها أي : بها عرج فاحش يمنعها مما ذكر ; لأنه ينقص لحمها بسبب ذلك ، فلو كان عرجها لا يمنعها منه ، أجزأت . وقال أبو بكر والقاضي في " الجامع الصغير " هي التي لا تطيق أن تبلغ النسك ، وعلم منه أن الكسيرة لا تجزئ ، وذكره في " الروضة " والمريضة البين مرضها ; لأن ذلك يفسد اللحم وينقصه ، فدل على أنه إذا لم يكن بينا أنها تجزئ ; لأنها قريبة من الصحيحة ، وقال الخرقي : هي التي لا يرجى برؤها ; لأن ذلك ينقص قيمتها ، ولحمها ، وقال القاضي وأبو الخطاب ، وابن البنا : هي الجرباء ; لأنه يفسد اللحم .

والحق في ذلك يناط الحكم بفساد اللحم ; لأنه أضبط ، ولعل القاضي ومن وافقه ذكروا ذلك على سبيل المثال لا الحصر ، وعلم منه أن العمياء لا تجزئ ; لأنها أولى بالمنع من العوراء ، لمنعها مع المشي مع جنسها ، ومشاركتها لهن في المرعى ، وفي قائمة العينين روايتان ، وكذا جافة الضرع ، وعلله أحمد بنقص الخلق ، ( و ) لا تجزئ ( العضباء ) لما روى علي قال : نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يضحى بأعضب الأذن [ ص: 280 ] والقرن قال قتادة : فذكرت ذلك لسعيد بن المسيب فقال : العضب : النصف أو أكثر من ذلك . رواه الخمسة ، وصححه الترمذي . وظاهره التحريم ، والفساد ، وبه يتخصص مفهوم ما سبق إن سلم المفهوم ، وإن له عموما ، ( وهي التي ذهب أكثر أذنها أو قرنها ) نقله حنبل وغيره ; لأن الأكثر يقوم مقام الكل بخلاف اليسير ، فإنه في حكم المعدوم ، ونقل أبو طالب النصف فأكثر ، ذكر الخلال أنهم اتفقوا على ذلك للخبر ، وعنه : المانع الثلث فأكثر اختارها أبو بكر ; لأنه كبير ، وقيل : يختص بما فوق الثلث ، واختار في " الفروع " الإجزاء مطلقا ; لأن في صحة الخبر نظرا فإنه من رواية ابن كليب ، وهو مجهول قال : أبو حاتم لا يحتج به ، ولأن القرن لا يؤكل ، والأذن لا يقصد أكلها غالبا ، ثم هي كقطع الذنب ، وأولى بالإجزاء .

( وتكره المعيبة الأذن بخرق أو شق أو قطع لأقل من النصف ) لقول علي أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نستشرف العين ، والأذن ، وأن لا نضحي بمقابلة ، ولا مدابرة ، ولا خرقاء ، ولا شرفاء . رواه أبو داود ، وحمل على الكراهة ; لأنه لا ينقص لحمها ، ولا يوجد سالم منها ، وفي " الإرشاد " : لا يجزئ ، والأول أولى للمشقة ، والقرن كالأذن .

تنبيه : يفهم منه أن ما عدا ذلك يجزئ ، ويحتمل عدمه فمنها الهتماء ، وهي التي ذهبت ثنياها من أصلها قاله جماعة ، وفي " التلخيص " هو قياس المذهب ، وقال الشيخ تقي الدين : هي التي سقط بعض أسنانها تجزئ في أصح الوجهين ، وكذا لا تجزئ عصماء ، وهي التي انكسر غلاف قرنها قاله في " المستوعب " [ ص: 281 ] و " التلخيص " ونقل جعفر في الذي يقطع من أليته دون الثلث : لا بأس به .

( وتجزئ الجماء ) وهي التي لم يخلق لها قرن لعدم النهي ، ولأنه لا يخل بالمقصود بخلاف التي ذهب أكثر أذنها ، ( والبتراء ) التي لا ذنب لها ، ونقل حنبل : لا يضحى بها ، وقطع به في " التلخيص " ، فلو كان ، وقطع ، فوجهان ، وفي " المغني " و " الشرح " أن الذي قطع منها عضو كالألية : لا تجزئ ، ( والخصي ) بلا جب ذكره في " الوجيز " و " الفروع " ; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ضحى بكبشين موجوءين ، وعن عائشة نحوه . رواه أحمد ، والموجوء : المرضوض الخصيتان سواء قطعتا أو سلتا ، ولأنه إذهاب مستطاب بل يطيب اللحم بزاوله ويسمن ، بخلاف شحمة العين ، وفسر ابن البنا الخصي بمن قطع ذكره ، ولم يوافق عليه ، ونصه : لا يجزئ خصي مجبوب ( وقال ابن حامد : لا تجزئ الجماء ) كالتي أكثر قرنها ، والفرق واضح .

( والسنة نحر الإبل ) للنص ، ولفعله - عليه السلام - ( قائمة معقولة يدها اليسرى ) قاله الأصحاب ; لأن ابن عمر مر على رجل قد أناخ بدنة لينحرها فقال : ابعثها قياما مقيدة سنة محمد - صلى الله عليه وسلم - . متفق عليه . وقوله - تعالى - : فإذا وجبت جنوبها [ الحج : 36 ] دال عليه مع ما حكاه بعض المفسرين في قوله - تعالى - : فاذكروا اسم الله عليها صواف [ الحج : 36 ] أي : قياما ، لكن قال أحمد : إذا خشي عليها ، أناخها ، ونقل حنبل : كيف شاء باركة ، وقائمة ( فيطعنها بالحربة في الوهدة ) بسكون الهاء ، وهو المطمئن ( التي بين أصل العنق والصدر ) ولأن [ ص: 282 ] عنق البعير طويلة ، فلو طعن بالقرب من رأسه لحصل له تعذيب ، عند خروج روحه .

( وتذبح البقر ) لقوله - تعالى - إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة [ البقرة : 66 ] ( والغنم ) ; لأنه - عليه السلام - ذبح كبشين . وظاهره : لو نحر ما يذبح أو عكس جاز لقوله - عليه السلام - : ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل ، وعنه : أنه يوقف في أكل البعير إذا ذبح ، ولم ينحر ( ويقول ) بعد توجيه الذبيحة إلى القبلة على جنبها الأيسر ( عند ذلك ) قال أحمد : حين يحرك يده بالذبح ( بسم الله والله أكبر ) قال ابن المنذر : ثبت أنه - عليه السلام - كان يقول ذلك ، واختير التكبير هنا اقتداء بأبينا إبراهيم حين أتي بفداء إسماعيل ( اللهم هذا منك ولك ) لما روى ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذبح يوم العيد كبشين ، ثم قال حين وجههما : بسم الله ، والله أكبر اللهم هذا منك ، ولك . رواه أبو داود ، ولا بأس أن يقول : اللهم تقبل مني كما تقبلت من إبراهيم خليلك أو من فلان ، نص عليه ، واختاره الشيخ تقي الدين أنه يقرأ وقت الذبح وجهت وجهي إلى قول وأنا من المسلمين قال الخرقي : وليس عليه أن يقول عند الذبح عمن ; لأن النية تجزئ قال في " الشرح " : بغير خلاف .

( ولا يستحب أن يذبحها إلا مسلم ) ; لأنها قربة وطاعة فلا يليها غير أهل القرب . وظاهره أنه لو ذبحها غيره ممن يباح ذبحه ، جاز في الأصح ; لأنه يجوز له ذبح غير الأضحية ، فكذا هي كالمسلم يؤيده أن الكافر يجوز أن يتولى ما هو قربة للمسلم كبناء المساجد ، وعنه : المنع ، لحديث ابن عباس المرفوع : ولا [ ص: 283 ] يذبح ضحاياكم إلا طاهر ولتحريم الشحوم علينا في رواية فكان بمنزلة إتلافه . وعنه : في الإبل خاصة ، وجزم به الشيرازي ، وصاحب " الوجيز " قال الزركشي : ومحل الخلاف على القول بحل الشحوم . فإن قلنا بتحريمها ، فلا يلي الكتابي بلا نزاع ، وأجاب في " المغني " و " الشرح " بأنا لا نسلم تحريم الشحوم علينا بذبحهم ، وحديث المنع محمول على كراهة التنزيه فعلى المذهب تعتبر نية المسلم إذن ، فإن كانت معينة لم يشترط نظرا للتعيين إلا تسمية المضحى عنه ( فإن ذبحها بيده كان أفضل ) ; لأنه - عليه السلام - نحر هديه ثلاثا وستين بدنة ، وضحى بكبشين ذبحهما بيده ; لأن فعل القرب أولى من الاستنابة فيها ( فإن لم يفعل استحب أن يشهدها ) ، نص عليهما ، لقوله - عليه السلام - لفاطمة احضري أضحيتك فإنه يغفر لك بأول قطرة من دمها ، وعن ابن عباس نحوه ، ( و ) أول ( وقت الذبح يوم العيد بعد الصلاة ) أي : صلاة العيد ( أو قدرها ) في حق من لم يصل ، وجزم به أكثرهم فظاهره أنه إذا مضى أحد الأمرين ، دخل وقت الذبح إذا مضى قدر الصلاة الثانية . وظاهره ولو سبقت صلاة الإمام ، ولا فرق فيه بين أهل الأمصار ، والقرى ممن يصلي العيد وغيرهم ; لأنها عبادة يتعلق أجرها بالوقت فتعلق أولها به كالصوم ، فعلى هذا إذا ذبح بعد الصلاة قبل الخطبة أو بعد قدر الصلاة ، وقيل : قدر الخطبة ، أجزأه لعدم اشتراط مضي الخطبة أو قدرها ; لأنها سنة . وظاهر كلام أحمد أن من كان في المصر لا يضحي حتى يصلي ، وقاله الأكثر منهم القاضي ، وعامة أصحابه ، لما روى جندب بن عبد الله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من ذبح قبل أن يصلي فليذبح مكانها أخرى فظاهره اعتبار نفس الصلاة [ ص: 284 ] خلافا للشرح ; لأنه - عليه السلام - علق المنع على فعل الصلاة ، وعنه : يعتبر معها الفراغ من الخطبة ، وهي اختياره في " الكافي " وفي " المغني " و " الشرح " أنها ظاهر كلامه ; لأنها كالجزء من الصلاة ، وعنه : يعتبر مع ذلك ذبح الإمام لأمره - عليه السلام - من كان نحر قبله أن يعيد ، ينحر آخر . رواه أحمد من حديث جابر ، واعتبر الخرقي أن يمضي منه مقدار صلاة العيد وخطبته ، وحكاه بعضهم رواية ; لأن الصلاة تتقدم وتتأخر ، وقد يفعل ، وقد لا يفعل فأنيط الحكم به ، وأما المقيم بموضع لا يلزمه قدر ذلك ، فعلى الخلاف ، وفي " الترغيب " هو كغيره في الأصح ، واعتبر في " المغني " أن يكون قدر صلاة وخطبة بآيتين ، وذكر الزركشي احتمالا أنه يعتبر ذلك بمتوسطي الناس هذا كله في اليوم الأول ، وأما الآخران فيجوز في أولهما لدخول الوقت ، وإذا اعتبر كصلاة الإمام فإذا صلى في المصلى ، واستخلف من صلى بهم في المسجد فالعبرة بالأسبق ، فإن فات العيد بالزوال ، ضحى إذن ، وقال ابن عقيل : يتبع الصلاة قضاء كما يتبعه أداء ما لم يؤخر عن أيام الذبح ، فيتبع الوقت ضرورة .

فرع : إذا ذبح قبل وقته صنع به ما شاء ، وقيل : حكمه كأضحية ( إلى آخر يومين من أيام التشريق ) قال أحمد : أيام النحر ثلاثة عن غير واحد من الصحابة ; لأنه - عليه السلام - نهى عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث ، ويستحيل أن يباح ذبحها إلى وقت يحرم أكلها فيه ، ونسخ أحد الحلين لا يلزم منه رفع الآخر ، وفي " الإيضاح " : واختاره الشيخ تقي الدين : آخره آخر أيام التشريق لقوله - عليه السلام - أيام منى كلها منحر ، وأفضله أول يوم ، ثم ما يليه ، وخصها ابن سيرين يوم النحر [ ص: 285 ] خاصة ; لأنها وظيفة عيد ، وقاله سعيد بن المسيب وجابر بن زيد في أهل الأمصار ، وأغرب منه ما روي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، وعطاء بن يسار أنها تجوز إلى المحرم .

( ولا تجزئ في ليلتهما في قول الخرقي ) هو رواية عن أحمد ، اختارها الخلال ، وجزم بها في " الوجيز " لقوله - تعالى - ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام [ الحج : 28 ] وقد روي عنه - عليه السلام - نهى عن الذبح ليلا . رواه أبو داود في مراسيله عن عطاء بن يسار ، لكن فيه مبشر بن عبيد ، وهو متروك ، ( وقال غيره ) منهم أبو بكر والقاضي وأصحابه وصاحب " التلخيص " ( تجزئ ) نص عليه ، قال في " الشرح " : اختاره أصحابنا المتأخرون ; لأن الليل يصح به الرمي ، وداخل في مدة الذبح ، فجاز فيه كالأيام ، فعلى الأول إن ذبح ليلا لم يجزئه ، لكن في الواجب يلزمه البدل ، وفي التطوع ما سبق ، وعلى الثاني : يجزئ مع الكراهة ; لأن الليل يتعذر فيه تفرقة اللحم ، فتذهب طراوته فيفوت بعض المقصود ( فإن فات الوقت ذبح الواجب قضاء ) وصنع به ما يصنع بالمذبوح في وقته ; لأن حكم القضاء كالأداء ، ولا يسقط بفواته ; لأن الذبح أحد مقصودي الأضحية ، فلا يسقط بفوات وقته كما لو ذبحها ، ولم يفرقها حتى خرج الوقت ، ( وسقط التطوع ) ; لأن المحصل للفضيلة الزمان ، وقد فات ، فلو ذبحه وتصدق به ، كان لحما تصدق به لا أضحية في الأصح ، قاله في " التبصرة " .

التالي السابق


الخدمات العلمية