صفحة جزء
[ ص: 289 ] ولا يعطي الجازر بأجرته شيئا منها ، وله أن ينتفع بجلدها وجلها ، ولا يبيعه ولا شيئا منها ، وإن ذبحها ، فسرقت ، فلا شيء عليه وإن ذبحها ذابح في وقتها بغير إذن ، أجزأت ، ولا ضمان على ذابحها ، وإن أتلفها أجنبي ، فعليه قيمتها ، وإن أتلفها صاحبها ، ضمنها بأكثر الأمرين من قيمتها أو مثلها فإن ضمنها بمثلها ، وأخرج فضل القيمة ، جاز ، ويشتري به شاة ، أو سبع بدنة ، فإن لم يبلغ ، اشترى به لحما ، وتصدق به ، أو يتصدق بالفضل ، فإن تلفت بغير تفريطه ، لم يضمنها . وإن عطب الهدي في الطريق نحره في موضعه ، وصبغ نعله التي في عنقه في دمه ، وضرب بها صفحته ليعرفه الفقراء فيأخذوه ، ولا يأكل منه هو ولا أحد من رفقته . وإن تعيبت ذبحها ، وأجزأته ، إلا أن تكون واجبة في ذمته قبل التعيين ، كالفدية والمنذور في الذمة ، فإن عليه بدلها . وهل له استرجاع هذا العاطب والمعيب ؛ على روايتين . وكذلك إن ضلت ، فذبح بدلها ، ثم وجدها .


( ولا يعطى الجازر بأجرته شيئا منها ) قاله الأصحاب ، لقول علي : أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أقوم على بدنه ، وأن أتصدق بلحومها ، وجلودها ، وأجلتها ، ولا أعطي الجازر شيئا منها . وقال : " نحن نعطيه من عندنا " . متفق عليه . ولأن ذلك بمنزلة المعاوضة وهي غير جائزة فيها . وظاهره أنه إذا دفع إليه منها لا على سبيل الأجرة كالهدية ، جاز ؛ لأنه يساوي غيره ، وزاد عليه : بمباشرته لها ، وتتوق نفسه إليها . قال الزركشي : وبهذا المعنى يتخصص عموم الحديث ، ولو قيل بعمومه سدا للذريعة كان حسنا ، وفيه شيء .

( وله أن ينتفع بجلدها ) بغير خلاف ؛ لأنه جزء من الأضحية كلحمها ، وقد روي عن علقمة ، ومسروق أنهما كانا يدبغان جلد أضحيتهما ، ويصليان عليه ( وجلها ) لأنه إذا جاز الانتفاع بالجلد ، فهو أولى ، أو يتصدق بهما لقوله : ( ولا يبيعه ولا شيئا منها ) هذا هو المعروف من المذهب لقوله - عليه السلام - في حديث قتادة بن النعمان ولا تبيعوا لحوم الأضاحي ، والهدي ، وتصدقوا ، واستمتعوا بجلودها قال أحمد : سبحان الله كيف يبيعها ، وقد جعلها لله تبارك وتعالى ؛ . وسواء كانت واجبة أو تطوعا ؛ لأنها تعينت بالذبح ، وعنه : يجوز بيع الجلد ، والتصدق بثمنه . روي عن ابن عمر ، وعن أحمد : ويشتري أضحية ، وعنه : يكره ، وعنه : يجوز ، ويشتري به آلة البيت كالغربال ونحوه ، لا مأكولا . وعنه : يحرم بيع جلد شاة فقط ، اختاره الخلال ، ولعله اعتمد على أثر ، ونقل جماعة : لا ينتفع بما كان واجبا قال في " الفروع " : ويتوجه أنه المذهب فيتصدق ، ونقل الأثرم ، وحنبل بثمنه . واستثنى جماعة الجل ( وإن ذبحها فسرقت فلا شيء عليه ) ما لم يفرط . نص عليه ؛ لأنها أمانة في [ ص: 290 ] يده بالسرقة ، كالوديعة ، وإن فرط ، ضمن القيمة ، يوم التلف في مثله كما يأتي ( وإن ذبحها ذابح في وقتها بغير إذن ، أجزأت ) لأن الذبح لا يفتقر إلى نية فإذا فعله الآخر أجزأ كغسل النجاسة . وسواء نوى عن الناذر أو أطلق ، وإن نواها عن نفسه مع علمه أنها أضحية الغير ، لم يجزئه ، وإلا أجزأت إن لم يفرق الذابح لحمها ( ولا ضمان على ذابحها ) لأنها وقعت موقعها ، كما لو أذن صاحبها ، ولإذنه عرفا أو إذن الشرع ، وإلا فروايتان في الإجزاء وعدمه . فإن لم تجزئ ضمن الذابح ما بين كونها حية إلى مذبوحة . ذكره في " عيون المسائل " بخلاف من ثبت في ذمته ، فذبح عنه من غنمه ، لا تجزئ ، وعلى عدم الإجزاء يعود ملكا . وقيل : يعتبر على رواية الإجزاء أن يلي ربها تفرقتها ، وإلا ضمن الأجنبي قيمة لحم .

( وإن أتلفها أجنبي فعليه قيمتها ) لأنها من المتقومات ، وتعتبر القيمة يوم التلف ( وإن أتلفها صاحبها ضمنها بأكثر الأمرين من قيمتها أو مثلها ) هذا قول أبي الخطاب ، وأكثر أصحاب القاضي ؛ لأنه حق تعلق به حق الله في ذبحها ، فوجب عليه أكثر القيمتين من الإيجاب إلى التلف ، فلو كانت قيمتها يوم التلف خمسة ، فغلت الغنم ، فلم يحصل مثلها إلا بأكثر من ذلك ، لزمه مثلها ، ولو كانت قيمتها عشرة ورخصت بحيث يحصل بدونه ، لزمته العشرة ، والوجه إسقاط همزة " أو " فإن صح ثبوتها كانت بمعنى الواو ، وفي " التبصرة " يلزمه أكثر القيمتين من الإيجاب إلى النحر ، وقيل : من التلف إلى وجوب النحر . جزم به الحلواني . والمذهب أنه يلزمه القيمة يوم التلف تصرف في مثله كالأجنبي ، وكسائر المضمونات ، فعلى [ ص: 291 ] ما ذكره المؤلف ( فإن ضمنها بمثلها وأخرج فضل القيمة ، جاز ، ويشتري به شاة ) إن أمكن ( أو سبع بدنة ) لأن الذبح مقصود في الأضحية ، فإذا أمكنه الإتيان به لزمه ( فإن لم يبلغ اشترى به لحما وتصدق به ) هذا وجه ؛ لأن الذبح وتفرقة اللحم مقصودان ، فإذا تعذر أحدهما ، تعين الآخر ( أو يتصدق بالفضل ) قدمه في " الفروع " وهو أرجح ؛ لأنه إذا لم يحصل له التقرب بالإراقة كان اللحم ، وعنه : سواء . وظاهر كلام المؤلف : أنه مخير بين الأمرين ؛ لأن كلا منهما محصل للمقصود ( فإن تلفت بغير تفريطه لم يضمنها ) صاحبها لما تقدم من كونها أمانة في يده كالوديعة .

فرع : اثنان ضحى كل منهما عن نفسه بأضحية الآخر غلطا ، أجزأتهما ، ولا ضمان استحسانا ، والقياس ضدهما ، ذكره القاضي وغيره .

( وإن عطب الهدي في الطريق ) قال جماعة : أو خاف عطبه لزمه ( نحره في موضعه ، و ) يستحب ( صبغ نعله التي في عنقه في دمه وضرب بها صفحته ) أي : صفحة سنامها ( ليعرفه الفقراء فيأخذوه ، ولا يأكل منه هو ولا أحد من رفقته ) لما روى ابن عباس : أن أبا قبيصة حدثه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يبعث معه بالبدن ثم يقول : إن عطب منها شيء فخشيت عليه موتا ، فانحرها ، ثم اغمس نعلها في دمها ، ثم اضرب به صفحته ، ولا تطعمها أنت ولا أحد من أهل رفقتك . رواه مسلم ، وإنما منع السائق ورفقته من أكلها لئلا يقصر في حفظها ، فيعطبها ليتناول هو ورفقته منها . زاد في " الروضة " ولا يدل عليه . وظاهره ولو مع نفره ، وأباحه له جماعة ، وهو ظاهر ، وأباحه مالك لرفقته ولسائر الناس ، لحديث ناجية بن كعب صاحب بدن رسول [ ص: 292 ] الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر مثل حديث ابن عباس ، وفيه : " ثم خل بينه ، وبين الناس " فدل على تسوية الرفقة بالأجانب ، قال ابن عبد البر : هذا أصح من حديث ابن عباس ، وعليه العمل عند الفقهاء ، وفيه نظر ؛ لأن حديث ابن عباس في صحيح مسلم ، وهو متضمن لمعنى يجب تقديمه على عموم ما يخالفه ، والتسوية غير معتبرة ؛ لأن الإنسان يشفق على رفقته ، ويحب التوسعة عليهم حتى يوسع عليهم من مؤنته . والشافعي وأحمد قد خالفا في ذلك . وعلى الأول لو أكل منها أو أطعم غنيا أو رفقته ، ضمنه بمثله لحما ، بخلاف ما لو أمره بالأكل منها ، أو أطعم منها فقيرا .

فرع : هدي التطوع دون محله إن دامت نيته فيه قبل ذبحه فكذلك ، وإن فسخها قبل ذبحه صنع به ما شاء كبقية ماله ( وإن ) أوجب أضحية سليمة ، ثم ( تعيبت ) عنده ( ذبحها وأجزأته ) . نص عليه فيمن جر بقرة إلى المنحر بقرنها فانقلع كتعيينه معيبا فبرأ ، لما روى أبو سعيد قال : ابتعنا كبشا نضحي به فأصابه الذئب من أليته فسألنا النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمرنا أن نضحي به . رواه ابن ماجه ، ولأنه عيب حدث بها فلم يمنع الإجزاء ؛ كالعيب الحادث بمعالجة الذبح ، فلو تعيبت بفعله ، لزمه بدلها ( إلا أن تكون واجبة في ذمته قبل التعيين ، كالفدية ) من الدماء الواجبة في النسك بترك واجب أو فعل محظور ( والمنذور في الذمة ) فشمل قسمين : ما وجب بغيره ، وما وجب بالنذر ( فإن عليه بدلها ) لأن عليه دما سليما ، ولم يوجد ذلك ، فلم يجزئه ، وكما لو كان لرجل عليه دين ، فاشترى منه مكيلا فتلف قبل قبضه ، انفسخ البيع ، وعاد الدين إلى ذمته ، ويلزمه أفضل مما [ ص: 293 ] في الذمة إن كان تلفه بتفريطه ، فلو ولدت فهل يتبعها الولد كما تبعها ابتداء فيبطل التعيين فيه أو لا ، لأن البطلان في الأم لمعنى اختص بها ؛ فيه وجهان .

( وهل له استرجاع هذا العاطب ، والمعيب على روايتين ) كذا في " المحرر " أصحهما : ليس له استرجاع ذلك إلى ملكه ؛ لأنه تعلق به حق الفقراء بتعيينه فلزمه ذبحه ، كما لو عينه بنذره ابتداء .

والثانية : له استرجاعه إلى ملكه ، فيصنع به ما شاء ، وهو ظاهر الخرقي ، وجزم به في " الوجيز " لأنه إنما عينه عما في ذمته ، فإذا لم يقع عنه ، عاد إلى صاحبه ، كمن أخرج زكاة ، فبان أنها غير واجبة ( وكذلك إن ضلت فذبح بدلها ، ثم وجدها ) أي : فيها الخلاف السابق للمساواة ، والمذهب ذبحه مع ذبح الواجب ، روي عن عمر وابنه وابن عباس ؛ لأن عائشة أهدت هديين وأضلتهما فبعث إليها ابن الزبير هديين فنحرتهما ، ثم عاد الضالان ، فنحرتهما ، وقالت : هذه سنة الهدي . رواه الدارقطني .

تنبيه : إذا ذبحه عما في ذمته ، فسرق ، سقط الواجب . نقله ابن منصور ؛ لأن التفرقة لا تلزمه بدليل تخليته بينه وبين الفقراء ، وإذا عطبت شاة فذبحها عما في ذمته ، لم تجزئه وإن رضي مالكها ، سواء عوضه عنها أو لم يعوضه .

مسألة : لا يبرأ في الهدي إلا بذبحه أو نحره ، فإن لم يفعل وكل ، فإن ذبحه إنسان بغير إذنه ، ففيه خلاف سبق ؛ فلو دفعه إلى الفقراء سليما ، فذبحوه ، جاز ، لحصول المقصود ، فإن لم ينحروه ، استرده منهم ونحره ، فإن تعذر ضمنه ؛ لأنه [ ص: 294 ] فوته بتفريطه . فإن ذبحه ولم يدفعه للفقراء ، جاز لهم الأخذ منه إما بالإذن نطقا كقوله : من اقتطع . أو بدلالة الحال ، كالتخلية بينهم وبينه .

التالي السابق


الخدمات العلمية