صفحة جزء
وإن نذر هديا مطلقا ، فأقل ما يجزؤه شاة أو سبع بدنة ، وإن نذر بدنة أجزأته بقرة ، فإن عين بنذره ، أجزأه ما عينه صغيرا كان أو كبيرا ، من الحيوان وغيره ، وعليه إيصاله إلى فقراء الحرم إلا أن يعينه بموضع سواه . ويستحب أن يأكل من هديه ، ولا يأكل من واجب إلا من دم المتعة والقران .


( وإن نذر هديا مطلقا ) كقوله : لله - تعالى - علي هدي ( فأقل ما يجزؤه شاة أو سبع بدنة ) لأن المطلق في النذر يجب حمله على المعهود الشرعي ، والهدي الواجب في الشرع من النعم ما ذكره لقوله تعالى : فما استيسر من الهدي ( وإن نذر بدنة أجزأته بقرة ) لإجزاء كل منهما عن سبعة ، ولموافقتها لها اشتقاقا وفعلا . ( فإن عين بنذره ) بأن قال : هذا لله علي ( أجزأه ما عينه صغيرا كان أو كبيرا ) سليما كان أو مريضا ؛ لأن لفظه لم يتناول غيره ، فيبرأ بصرفه إلى مستحقه ( من الحيوان ) سواء كان من بهيمة الأنعام أو من غيرها . فلو نذر جذعة ، وأخرج ثنية فقد أحسن ( وغيره ) سواء كان منقولا ، أو غيره ، لقوله - عليه السلام - : من راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة ( وعليه إيصاله إلى فقراء الحرم ) لأنه سماه هديا فيحمل على المشروع ، لقوله تعالى : ثم محلها إلى البيت العتيق [ الحج : 33 ] ، ولا فرق بين المعين والمطلق ، وهو ظاهر في المنقول ، نقل المروذي فيمن جعل دراهم هديا ، فللحرم . وفي " التعليق " و " المفردات " وهو ظاهر " الرعاية " له : يبعث عن المنقول . وقال ابن عقيل : أو يقومه ويبعث القيمة . وأما غير المنقول كالعقار ونحوه ، باعه وبعث [ ص: 296 ] بثمنه إليهم لتعذر إهدائه بعينه ، فانصرف إلى بدله ، يؤيده ما روي عن ابن عمر أن رجلا سأله عن امرأة نذرت أن تهدي دارا ، فقال : تبيعها ، وتصدق بثمنها على فقراء الحرم ( إلا أن يعينه بموضع سواه ) إذا لم يكن معصية ، لما روى أبو داود أن رجلا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : إني نذرت أن أذبح بالأبواء . قال : بها صنم ؛ قال : لا ، قال : أوف بنذرك ، ولأنه قصد نفع أهله فكان عليه إيصاله إليهم كأهل مكة ، فعلى هذا يتعين به ذبحا ، ويفرقه لفقرائه .

( ويستحب أن يأكل من هديه ) التطوع لقوله - تعالى - فكلوا منها [ الحج : 28 ] ولأنه - عليه السلام - أكل من بدنه . وفي " المغني " و " الشرح " لا فرق في الهدي بين ما أوجبه بالتعيين من غير أن يكون واجبا في ذمته ، وبين ما ذبحه تطوعا ، لاشتراك الكل في أصل التطوع ، فإن أكلها كلها ضمن المشروع للصدقة ، كالأضحية ، وذكر ابن عقيل أن في الأكل والتفرقة ، كالأضحية ، وإن لم يأكل منها ، فحسن ، وأوجب بعض العلماء الأكل منه لظاهر الأمر .

( ولا يأكل من واجب ) لأنه وجب بفعل محظور ، أشبه جزاء الصيد ، لكن اختار أبو بكر ، والقاضي ، والمؤلف : الأكل من أضحية النذر كالأضحية على رواية وجوبها في الأصح ( إلا من دم المتعة والقران ) . نص عليه ، واختاره الأكثر ، لما صح أن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - تمتعن معه في حجة الوداع ، وأدخلت عائشة الحج على العمرة حين حاضت ، فصارت قارنة ، ثم ذبح عنهن البقر ، فأكلن من لحمها . وقد ثبت أنه - عليه السلام - أمر من كل بدنة ببضعة ، فجعلت في قدر فأكل هو وعلي من لحمها ، وشربا من مرقها . رواه مسلم . ولأنهما دم نسك أشبها التطوع . وظاهر الخرقي لا يأكل من قران ، واعتذر عنه الزركشي بأنه استغنى بذكر التمتع عنه ، [ ص: 297 ] وليس بظاهر ، وقال الآجري : ولا من دم متعة ، وقدمه في " الروضة " وعنه : يأكل إلا من نذر أو جزاء صيد ؛ لأنه جعله لله ، وجزاء الصيد بدل متلف ، وزاد ابن أبي موسى : وكفارة .

فرع : ما ملك أكله فله هديه ، وإلا ضمنه بمثله كبيعه وإتلافه ، ويضمنه أجنبي بقيمته ، وإن منع الفقراء منه حتى أنتن ، ففي " الفصول " : عليه قيمته كإتلافه ، وفي " الفروع " : يتوجه : يضمن نقصه .

فائدة : ذكر الشيخ تقي الدين أن كل ما ذبح بمكة سمي هديا ، وما ذبح بمنى . وقد سيق من الحل إلى الحرم هدي وأضحية ، وما اشتراه بعرفات ، وساقه إلى منى فهو هدي باتفاق العلماء ، وكذا ما اشتراه من الحرم ، وذهب به إلى التنعيم ، وإن اشتراه بمنى ، وذبحه بها . نص ابن عمر : ليس بهدي ، وعن عائشة : وما ذبح يوم النحر بالحل أضحية لا هدي .

التالي السابق


الخدمات العلمية