صفحة جزء
فصل .

والأضحية سنة مؤكدة ولا تجب إلا بالنذر ، وذبحها هي والعقيقة أفضل من الصدقة بثمنها والسنة أن يأكل ثلثها ، ويهدي ثلثها ، ويتصدق بثلثها ، فإن أكل أكثر جاز ، وإن أكلها كلها ضمن أقل ما يجزئ الصدقة منها . ومن أراد أن يضحي ودخل العشر ، فلا يأخذ من شعره وبشرته شيئا . وهل ذلك حرام ؛ على وجهين .


فصل ( والأضحية سنة مؤكدة ) في قول أكثر العلماء ؛ لأنه - عليه السلام - فعلها ، وحث عليها ، وعن ابن عباس مرفوعا : ثلاث كتبن علي وهن لكم تطوع : الوتر ، والنحر ، وركعتا الفجر . رواه الدارقطني . ولقوله - عليه السلام - من أراد أن يضحي .

فعلقه على الإرادة ، . والواجب لا يعلق عليها . وفيه شيء لقوله : من أراد الجمعة فليغتسل . ولم يدل على عدم الوجوب ، ولأنها ذبيحة لم يجب تفريق لحمها ؛ فلم تكن واجبة كالعقيقة . وعنه : واجبة . اختارها أبو بكر [ ص: 298 ] لقوله - عليه السلام - من كان له سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا ، وعنه : يجب على الحاضر . وعنه في المقيم : يضحي ، وعنه : وليه إذا كان موسرا . فأخذ منها أبو الخطاب الوجوب ، وليس كذلك ؛ لأن هذا على سبيل التوسعة لا الإيجاب .

أصل : المضحي مسلم تام ملكه ، ولو مكاتبا بإذن سيده ، وفيه وجه بمنعه ؛ لأنه تبرع وهو ممنوع منه ، ومن نصفه حر ، إن ملكها بجزئه الحر ، فله أن يضحي مطلقا إلا النبي - صلى الله عليه وسلم - فكانت عليه واجبة .

( ولا تجب إلا بالنذر ) كالهدي ، وله الأكل منها ، جزم به جماعة . وظاهر كلام أحمد منعه منه كالهدي المنذور ، والفرق واضح ( وذبحها هي والعقيقة أفضل من الصدقة بثمنها ) لأنه - عليه السلام - والخلفاء بعده واظبوا عليها ، وعدلوا عن الصدقة بثمنها ، وهم لا يواظبون إلا على الأفضل ، وهي عن ميت أفضل ، ويعمل بها كأضحية الحي .

( والسنة أن يأكل ثلثها ، ويهدي ثلثها ، ويتصدق بثلثها ) ، نص عليه ، لقول ابن عمر : الهدايا والضحايا ثلث لك وثلث لأهلك وثلث للمساكين ، وهو قول ابن مسعود ، ولم يعرف لهما مخالف في الصحابة لقوله تعالى : فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر [ الحج : 36 ] فالقانع : السائل ، والمعتر : الذي يعتر بك أي : يتعرض لك لتطعمه ولا يسأل ، وقال إبراهيم وقتادة : القانع : الجالس في بيته المتعفف يقنع بما يعطى ، ولا يسأل ، والمعتر : السائل . وفاقا لأبي حنيفة . فيقسم أثلاثا ، وأوجبه أبو بكر . والمشروع أن يأكل الثلث ، ولو قيل بوجوبها وأن يهدي الثلث ، ولو لكافر إن كانت تطوعا ، وأن يتصدق بثلثها ما لم يكن ليتيم ومكاتب . ( فإن أكل [ ص: 299 ] أكثر جاز ) حتى لو لم يبق منها إلا أوقية ؛ لأن الأمر بالأكل والإطعام مطلق ، فيخرج عن العهدة بصدقة الأقل ( وإن أكلها كلها ، ضمن أقل ما يجزئ من الصدقة منها ) للأمر بالإطعام منها . فعلى هذا يضمنه بمثله لحما ، وهو الأوقية ، وقيل : العادة ، وقيل : الثلث ، وحكاه أبو الخطاب منصوص أحمد ، ويتوجه : لا يكفي التصدق بالجلد والقرن .

فرع : يعتبر تمليك الفقير ، فلا يكفي إطعامه ، ويجوز ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث في قول الأكثر . وتحريمه منسوخ ، نص عليه ، وفي " الفروع " ويتوجه احتمال : لا في مجاعة ؛ لأنه سبب تحريم الادخار .

( ومن أراد أن يضحي ) أو يضحى عنه ( ودخل العشر ، فلا يأخذ من شعره وبشرته ) وظفره ( شيئا ) لما روت أم سلمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من أراد أن يضحي فدخل العشر ، فلا يأخذ من شعره وبشرته شيئا حتى يضحي ، وفي لفظ ولا من أظفاره رواهما مسلم . ( وهل ذلك حرام ؛ على وجهين ) أحدهما : يحرم ، وهو ظاهر ما نقله الأثرم ، وقدمه في " الفروع " وجزم به في " الوجيز " وقاله سعيد بن المسيب ، وإسحاق ؛ لأن ظاهر النهي التحريم ، وللتشبه بالمحرم . وفيه نظر ؛ لأنه لا يعتزل النساء ، ولا يترك الطيب واللباس ، والأولى فيه أن يبقى كامل الأجزاء ليعتق من النار .

والثاني : يكره ، وهو قول القاضي وغيره ، وقدمه في " المحرر " لقول [ ص: 300 ] عائشة : كنت أفتل . . . . الخبر ، وكما لو لم يرد أن يضحي ، والأول أولى ، إذ لا حكم للقياس معه ، وحديثنا خاص ، فيقدم ، ولعلها إما أرادت ما يتكرر كاللباس ، وهو قول يتقدم عن الفعل ؛ لاحتمال أن يكون خاصا به . فعلى المذهب إن فعل استغفر الله - تعالى - ولا فدية عليه مطلقا ، ويستحب الحلق بعد الذبح . وظاهره ولو كان له ذبائح . قال أحمد : على ما فعل ابن عمر تعظيما لذلك اليوم ، ولأنه كان ممنوعا قبله ، فاستحب له ذلك كالمحرم ، وعنه : لا ، اختاره الشيخ تقي الدين .

التالي السابق


الخدمات العلمية