صفحة جزء
[ ص: 307 ] كتاب الجهاد وهو فرض كفاية ولا يجب إلا على ذكر حر مكلف مستطيع ، وهو الصحيح الواجد لزاده وما يحمله إذا كان بعيدا .


كتاب الجهاد وهو مصدر جاهد جهادا ، ومجاهدة .

ومجاهد اسم فاعل من أجهد : إذا بالغ في قتال عدوه حسب الطاقة والوسع . وشرعا : عبارة عن قتال الكفار خاصة .

والأصل فيه قبل الإجماع قوله تعالى : كتب عليكم القتال [ البقرة : 216 ] انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله [ التوبة : 41 ] .

والسنة قوله - صلى الله عليه وسلم - من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو ، مات على شعبة من النفاق . رواه مسلم وغيره من الأحاديث الصحيحة ( وهو فرض كفاية ) في قول جمهور العلماء لقوله تعالى : لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر الآية [ النساء : 95 ] فدل على أن القاعد بلا ضرر غير آثم مع جهاد غيره ، ولقوله تعالى : وما كان المؤمنون لينفروا كافة [ التوبة : 122 ] ومعناه أنه إذا قام به من يكفي ، سقط عن الكل ، فيجعل فعل البعض كافيا في السقوط ، وإن لم يقم به من يكفي ، أثم الكل كفرض الأعيان ، فيشتركان في كونه مخاطبا ، ويفترقان فيما ذكرنا .

وقال سعيد بن المسيب : فرض عين ، لعموم الآيات ، والقاعدون كانوا حراسا للمدينة ، وهو نوع جهاد ، وجوابه ما قلناه ، مع أنه كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبعث إلى النواحي ، ويقيم هو وأصحابه ، وعليه تحمل الأوامر المطلقة .

والفرض في ذلك موقوف على غلبة الظن ، فإذا غلب على الظن أن الغير يقوم به ، كجند لهم ديوان ، وفيهم كفاية ، أو قوم أعدوا أنفسهم لذلك وفيهم منعة ؛ سقط عن الباقين .

[ ص: 308 ] فرع : إذا قام بفرض الكفاية طائفة بعد أخرى فهل توصف الثانية بالفرضية ؛ فيه وجهان . وكلام ابن عقيل يقتضي أن فرضيته محل وفاق ، وكلام أحمد محتمل ( ولا يجب إلا على ذكر ) لما روته عائشة - رضي الله عنها - قالت : قلت : يا رسول الله هل على النساء جهاد ؛ قال : جهاد لا قتال فيه الحج ، والعمرة . رواه البخاري ، ولأن المرأة ليست من أهل القتال لضعفها وخوفها ، ولذلك لا يسهم لها . والخنثى المشكل كهي ؛ لأنه لا يعلم حاله فلا يجب مع الشك في شرطه ( حر ) لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يبايع الحر على الإسلام والجهاد ، والعبد على الإسلام دون الجهاد ، ولأنه عبادة تتعلق بقطع مسافة ، فلم تجب على العبد ، وفرض الكفاية لا يلزم رقيقا . وظاهره ولو مبعضا ومكاتبا ، رعاية لحق السيد ، وسواء أذن له سيده أم لا .

( مكلف ) لأن الصبي ، والمجنون لا يتأتى منهما ، والكافر غير مأمون على الجهاد ( مستطيع ) بنفسه ، لأن غير المستطيع عاجز ، والعجز ينفي الوجوب .

ثم فسره بقوله ( وهو الصحيح في بدنه ) من المرض ، والعمى ، والعرج لقوله تعالى : ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج [ الفتح : 17 ] ، ولأن هذه الأعذار تمنعه من الجهاد ، ففي العمى ظاهر ، وأما العرج فالمانع منه الفاحش الذي يمنع المشي الجيد ، والركوب فإن كان يسيرا لا يمنعه المشي فصرح في " الشرح " بأنه لا يمنع الوجوب ، وذكره في " المذهب " قولا ، وفي " البلغة " : يلزم أعرج يسيرا . وكذا حكم المرض ، لكن إن كان خفيفا كوجع الضرس ، والصداع ، فلا ، كالعور ، وعنه : يلزم عاجزا ببدنه في ماله ، اختاره الآجري والشيخ تقي الدين كحج معضوب وأولى ( الواجد لزاده ) أي : [ ص: 309 ] القادر على النفقة ، لقوله تعالى : ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله [ التوبة : 91 ] ولأنه لا يمكن إلا بآلة ، فاعتبرت القدرة عليها ، وسواء وجد ذلك ، أو ببذل من الإمام ، قاله المجد ( وما يحمله إذا كان بعيدا ) أي : يعتبر مع البعد - وهو مسافة القصر - مركوب لقوله تعالى : الذين إذا ما أتوك لتحملهم الآية [ التوبة : 92 ] . فدل على أنه لا يعتبر ذلك مع قرب المسافة ، وإنما المشترط أن يجد الزاد ، ونفقة عياله في مدة غيبته ، وسلاح يقاتل به فاضلا عن قضاء دينه ، وأجرة مسكنه ، على ما مر في الحج .

التالي السابق


الخدمات العلمية