صفحة جزء
ولا يجاهد من عليه دين لا وفاء له ، ولا من أحد أبويه مسلم إلا بإذن غريمه وأبيه ، إلا أن يتعين عليه الجهاد ، فإنه لا طاعة لهما في ترك فريضة .


( ولا يجاهد من عليه دين ) لآدمي لا وفاء له . وظاهره لا فرق بين الدين الحال والمؤجل ؛ لأن الجهاد يقصد منه الشهادة ، وبها تفوت النفس فيفوت الحق بفواتها ، وفي " الرعاية " وجه : لا يستأذن مع تأجيله ؛ لأنه لا يتوجه إليه الطلب إلا بعد حلوله . وظاهره أنه إذا كان له وفاء ، فله أن يجاهد بغير إذن ، نص عليه ؛ لأن عبد الله بن حرام والد جابر خرج إلى أحد ، وعليه ديون كثيرة فاستشهد ، وقضى عنه ابنه مع علمه صلى الله عليه وسلم من غير نكير ، وفي معناه إقامة الكفيل أو توثقه برهن ، لعدم ضياع حق الغريم بتقدير قتله ( ولا من أحد أبويه مسلم ) في قول أكثر العلماء ، لما روى عبد الله بن عمرو بن العاص قال : جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله أجاهد ؛ فقال : لك أبوان ؛ قال : نعم . قال : ففيهما فجاهد ، وروى البخاري معناه من حديث ابن عمر ، وروى أبو داود عن أبي سعيد أن رجلا هاجر مع النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لك أبوان ؛ قال : نعم . قال : ارجع فاستأذنهما فإن أذنا لك فجاهد ، وإلا فبرهما ، ولأن برهما فرض عين والجهاد فرض كفاية ، والأول مقدم . وظاهره لا تشترط حرية الآذن ، وهو وجه . وظاهر الخرقي ، والمذهب اشتراطه . ولا فرق بين الأب والأم . قال أحمد فيمن له أم : أتظن سرورها ؛ فإذا أذنت من غير أن يكون في قلبها ، وإلا فلا تغز ، وعلم منه أنهما إذا كانا كافرين ، أنه لا اعتبار لإذنهما كالمجنونين ، ولأن أبا بكر وغيره كانوا يجاهدون بدون إذن آبائهم ، ويخرج منه [ ص: 316 ] الجد والجدة ، قاله الأصحاب ، وليس فيه نص صريح إلا في العتبية . وفي " الفروع " : ويتوجه احتمال في الجد لأب ، فلو أذنا له فيه ، وشرطا عليه عدم القتال وحضره تعين عليه القتال ، وسقط حكم الشرط ( إلا بإذن غريمه ) كرضاه بإسقاط حقه ، ويتوجه لو استناب من يقضي دينه من مال حاضر . ( وأبيه ) خص الأب وحده فيحتمل أنه لم يذكر الأم اكتفاء بذكر الأب ، ويحتمل اختصاصه به ، وهو كلام الأكثر ( إلا أن يتعين عليه الجهاد ) فإنه يصير فرض عين وتركه معصية ، لكن يستحب للمدين أن لا يتعرض لمظان القتل من المبارزة والوقوف في أول المقاتلة ؛ لأن فيه تغريرا بفوات الحق ، قاله في " الشرح " ( فإنه لا طاعة لهما في ترك فريضة ) لأن الجهاد عبادة متعينة فلم يعتبر إذن أحد ، كفروض الأعيان .

وأما السفر لطلب العلم فقال أحمد : يجب عليه أن يطلب من العلم ما يقوم به دينه ، قيل له : فكل العلم يقوم به دينه ؛ قال : الفرض الذي يجب عليه في نفسه صلاته وصيامه ، ونحو ذلك ، وهذا خاصة يطلبه بلا إذن ، وفي " الرعاية " : من لزمه التعلم ، وقيل : أو كان فرض كفاية ، وقيل : أو نفلا ، ولا يحصل ببلده ، فله السفر لطلبه بلا إذن أبويه .

التالي السابق


الخدمات العلمية