صفحة جزء
[ ص: 325 ] ويخير الأمير في الأسرى بين القتل والاسترقاق والمن والفداء بمسلم أو مال . وعنه : لا يجوز بمال إلا غير الكتابي ، ففي استرقاقه روايتان . ولا يجوز إلا الأصلح للمسلمين فإن أسلموا ، رقوا في الحال . ومن سبي من أطفالهم منفردا أو مع أحد أبويه ، فهو مسلم وإن سبي مع أبويه فهو على دينهما ، ولا ينفسخ النكاح باسترقاق الزوجين . وإن سبيت المرأة وحدها انفسخ نكاحها ، وحلت لسابيها . وهل يجوز بيع من استرق منهم للمشركين ؛ على روايتين ولا يفرق في البيع بين ذوي رحم محرم إلا بعد البلوغ في إحدى الروايتين وإذا حضر الإمام حصنا ، لزمه مصابرته إذا رأى المصلحة فيه ، فإن أسلموا ، أو من أسلم منهم أحرز دمه وماله وأولاده الصغار . وإن سألوه الموادعة بمال أو غيره ، جاز إن كانت المصلحة فيه وإن نزلوا على حكم حاكم ، جاز إذا كان حرا مسلما بالغا عاقلا من أهل الاجتهاد . ولا يحكم إلا بما فيه الأحظ للمسلمين من القتل والسبي والفداء فإن حكم بالمن ، لزم قبوله في أحد الوجهين ، وإن حكم بقتل أو سبي ، فأسلموا ، عصموا دماءهم . وفي استرقاقهم وجهان .


( ويخير الأمير في الأسرى بين القتل ) لعموم قوله تعالى : فاقتلوا المشركين ، ولأنه - صلى الله عليه وسلم - قتل رجال قريظة ، وهم بين الستمائة والسبعمائة ، وقتل يوم بدر عقبة بن أبي معيط ، والنضر بن الحارث ، وفيه تقول أخته :


ما كان ضرك لو مننت ، وربما من الفتى وهو المغيظ المحنق

.

فقال - صلى الله عليه وسلم - : لو سمعته ما قتلته . والاسترقاق لقول أبي هريرة : لا أزال أحب بني تميم بعد ثلاث سمعتهن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : هم أشد أمتي على الدجال ، وجاءت صدقاتهم فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : هذه صدقات قومنا قال : وكانت سبية عند عائشة فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : اعتقيها فإنها من ولد إسماعيل . متفق عليه . ولأنه يجوز إقرارهم على كفرهم بالجزية فبالرق أولى ؛ لأنه أبلغ في صغارهم .

فرع : لا يبطل الاسترقاق حقا لمسلم . قاله ابن عقيل . وفي " الانتصار " لا يسقط حق قود له وعليه . وفي سقوط دين في ذمته لضعفها برقه كذمة مريض احتمالان . وفي " البلغة " : يتبع به بعد عتقه إلا أن يغنم بعد إرقاقه فيقضي منه دينه فيكون رقه كموته ؛ وعليه يخرج حلوله برقه ، وإن غنما معا فهما للغانم ، ودينه في ذمته . ( والمن ) لقوله تعالى : فإما منا بعد وإما فداء [ محمد : 4 ] ولما روى أنس أن ثمانين رجلا من أهل مكة هبطوا على النبي - صلى الله عليه وسلم - من جبال التنعيم عند صلاة الفجر ليقتلوهم فأخذهم النبي صلى الله عليه وسلم فأعتقهم فأنزل الله تعالى : وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم الآية [ الفتح : 24 ] . رواه مسلم . وعن جبير بن مطعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في أسارى بدر : لو كان المطعم [ ص: 326 ] بن عدي حيا ، ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له . رواه البخاري . وقد صح أنه - صلى الله عليه وسلم - من على أبي عروة الشاعر ، وعلى أبي العاص بن الربيع ، وعلى ثمامة بن أثال .

والثانية : لا يجوز المن بغير عوض ؛ لأنه لا مصلحة فيه ( والفداء ) للآية ، ولما روى عمران بن حصين ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فدى رجلين من أصحابه برجل من المشركين من بني عقيل . رواه أحمد والترمذي وصححه ، وهو جائز ( بمسلم ) بلا نزاع لحديث عمران وغيره ( أو بمال ) في ظاهر المذهب ؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - فادى أهل بدر بالمال بلا ريب .

( وعنه : لا يجوز ) بالمال . وحكاه أبو الخطاب في " الهداية " وجها ؛ لأن الله - تعالى - نبه على ذلك ، وأنزل ما كان لنبي أن يكون له أسرى إلى قوله عذاب عظيم [ الأنفال : 68 ] ولأنه لا يجوز بيعهم السلاح ، لما فيه من تقويتهم على المسلمين ، فبيع أنفسهم أولى ، وهذا التخيير إنما هو في المقاتلة الأحرار . ذكره الأصحاب ، فإن كانوا أرقاء فيخير الإمام بين قتلهم ، وتركهم غنيمة كالبهائم . وأما النساء ، والذرية فيصيرون أرقاء بنفس السبي لنهيه - صلى الله عليه وسلم - عن قتلهم ، وكان يسترقهم إذا سباهم . ومن يحرم قتله كالزمن والشيخ الفاني والأعمى ، ففي " المغني " و " الشرح " أنه لا يجوز سبيهم لتحريم قتلهم ، وعدم النفع في اقتنائهم ، لكن صرح في " المغني " : يجوز استرقاق الشيخ والزمن ، ونقله ابن المنجا عن بعض الأصحاب فقال : كل من لا يقتل كأعمى وغيره ، يرق بنفس السبي ، وتوسط المجد فجعل من فيه نفع من هؤلاء حكمه حكم النساء والصبيان . قال [ ص: 327 ] الزركشي : وهو أعدل الأقوال ، إذ الزمن يمكن أن يكون ناطورا ، والأعمى ينفخ في كير الحداد ، إلا أن يراد به النفع المطلق .

تنبيه : إذا أسلم الكافر قبل أسره لخوف أو غيره فلا تخيير ؛ لأنه لا يد له عليه . وظاهر كلامهم أنه كمسلم أصلي في قود ودية ، لكن لا قود مع شبهة التأويل ، وفي الدية الخلاف كباغ . والتخيير السابق ثابت في أهل الكتاب ، ومن يقر بالجزية فأما غيره ، فقال فيه : ( إلا غير الكتابي ففي استرقاقه روايتان كذا في " المحرر " و " الفروع " .

‌ إحداهما : يجوز ، وإليها ميل المؤلف وهي ظاهر " الوجيز " كغيرهم .

والثانية : لا ، اختارها الشريف ، وابن عقيل ، وصححها في " البلغة " .

قال الخرقي : لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف ، وفي " الواضح " يدل هذا على مفادات ومن ؛ لأنه كافر لا يقر بالجزية فلم يسترق كالمرتد ، والمؤلف تبع أبا الخطاب في حكاية الخلاف في غير أهل الكتاب ، والمجد جعل مناط الحكم فيمن لا يقر بالجزية . فعلى قوله نصارى بني تغلب يجري فيهم الخلاف ، لعدم أخذها منهم . وظاهر ما سبق أن الكافر إذا كان مولى مسلم لا يجوز استرقاقه ؛ لأن في استرقاقه تفويت ولاء المسلم المعصوم بخلاف ولده الحربي لبقاء نسبه . والمذهب الأول كما لو كان عليه ولاء لذمي لا يجوز قتله فجاز استرقاقه كغيره .

( ولا يجوز أن يختار إلا الأصلح للمسلمين ) لأن هذا تخيير مصلحة واجتهاد لا تشه ؛ فمتى رأى مصلحة في خصلة لزمه فعلها . وفي " الروضة " يندب ، ولأنه يتصرف لهم على سبيل النظر لهم ، فلم يجز ترك ما فيه الأصلح كولي اليتيم . [ ص: 328 ] ولأن المصلحة تختلف باختلاف الأسرى ؛ فالقوي قتله أصلح ، ولا يمثل به ، وعنه : بلى إن فعلوه ، والضعيف الذي له مال فداؤه أصلح ، ومن له رأي حسن يرجى إسلامه ، فالمن عليه أصلح ، ومن ينتفع بخدمته ، فاسترقاقه أصلح ، وإن تردد نظره ، فقتله أولى . واختار الشيخ تقي الدين للإمام عمل المصلحة في مال وغيره ، لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - بأهل مكة .

فرع : من استرق أو فودي بمال ، كان للغانمين بغير خلاف نعلمه . ( فإن أسلموا ، رقوا في الحال ) نص عليه ، وحرم قتله لقوله - صلى الله عليه وسلم - لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث وهذا مسلم ؛ ولأنه أسير يحرم قتله ، فصار رقيقا ، كالمرأة ، وقيل : يحرم قتله . ويتخير فيه بين الخصال الثلاث . جزم به في " الكافي " وصححه في " الشرح " ؛ لأنه إذا جاز ذلك حال كفرهم ففي حال إسلامهم أولى ، وعلى الأول يزول حكم التخيير ، ولا يجوز رده إلى الكفار .

وزاد في " المغني " و " الشرح " : إلا أن تمنعه عشيرة ، ونحوها .

( ومن سبي من أطفالهم ) ولو مميزا ( منفردا أو مع أحد أبويه فهو مسلم ) لأن التبعية انقطعت فيصير تابعا لسابيه في دينه ، وعنه : كافر كما لو سبي مع أبويه أو مع أحد المسلمين على الأصح ، لما روى أبو هريرة مرفوعا : ما من مولود يولد إلى على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه . متفق عليه . فجعل التبعية لأبويه فإذا لم يكن كذلك انقطعت التبعية ، ووجب بقاؤه على حكم الفطرة . وعنه : يتبع أبويه ، قاله أبو الخطاب ؛ لأنه يتبعه في النسب ، فكذا في الدين . وعنه : يتبع المسبي معه منهما . اختاره الآجري .

[ ص: 329 ] ( وإن سبي مع أبويه ، فهو على دينهما ) على الأصح ؛ لأن التبعية باقية . وعنه : لا ؛ لأنه خرج من دارهما إلى دار الإسلام فتبع سابيه المسلم .

فرع : يتبع الطفل سابيا ذميا كمسلم ، وقيل : إن سبي مفردا فمسلم . ونقل عبد الله ، والفضل : يتبع مالكا مسلما كسبي . اختاره الشيخ تقي الدين . ( ولا ينفسخ النكاح باسترقاق الزوجين ) وبسبيهما معا ؛ لأن الاسترقاق معنى لا يمنع ابتداء النكاح ، فلم يقطع استدامته كالعتق . وعنه : ينفسخ لقوله تعالى : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم [ النساء : 24 ] والمراد بالمحصنات : المزوجات إلا ما ملكت أيمانكم بالسبي ، وهذا إذا تعدد سابيها . قاله المؤلف . وظاهره لا فرق بين أن يسبيها رجل أو رجلان ، وهو ظاهر كلام الأصحاب . ( وإن سبيت المرأة وحدها انفسخ نكاحها ) بغير خلاف علمناه ، قاله في " الشرح " وعنه : لا ينفسخ ، قدمها في " التبصرة " كزوجة ذمي ، وعلى الأول ( وحلت لسابيها ) للآية ، ولما روى أبو سعيد الخدري قال : أصبنا سبايا يوم أوطاس ، ولهن أزواج في قومهن فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فنزلت والمحصنات من النساء الآية [ النساء : 24 ] . رواه الترمذي ، وحسنه . وظاهره أن الزوج إذا سبي منفردا أنه لا ينفسخ نكاحه ؛ لأنه لا نص عليه فيه ، ولا يقتضيه القياس . وقال أبو الخطاب : إذا سبي أحد الزوجين ، انفسخ النكاح ، ولم يفرق .

( وهل يجوز بيع من استرق منهم للمشركين ؛ على روايتين ) .

أظهرهما : لا يصح . قال أحمد : ليس لأهل الذمة أن يشتروا مما سبى [ ص: 330 ] المسلمون ؛ لأنه يروى أن عمر كتب ينهى أمراء الأمصار عن ذلك ، ولأن فيه تفويتا للإسلام ، فلا يجوز ردهم إلى الكفر ، كما لو أسلموا .

والثانية : يجوز ؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - باع سبي بني قريظة لأهل الحرب ، ولأنه لا يمنع من إثبات يده عليه ، فلا يمنع من ابتدائه كالمسلم .

وعنه : يجوز في البالغ دون الصغار ، وعنه : يجوز في غير النساء ، وكذا الخلاف بمفاداته بمال . ( ولا يفرق في البيع ) ولا في القسمة ( بين ذوي رحم محرم ) قبل البلوغ أما في الوالدة وولدها ، فلحديث أبي أيوب - رضي الله عنه - : من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبابه يوم القيامة . رواه الترمذي . وقال : حسن غريب . وظاهره : ولو رضيت الأم ، نص عليه ؛ لأنها قد ترضى بما فيه ضررها ، ثم يتغير قلبها فتندم ، وحكم الأب مع ولده كالأم والجد والجدة كهما لقيامها في استحقاق الميراث ، والنفقة ، والحضانة ، فقاما مقامهما في تحريم التفريق ، وكذا يحرم بين الإخوة لحديث علي . رواه الترمذي ، وحسنه ، وعموم كلامه يقتضي تحريم التفريق بين كل ذي رحم محرم ، كالعمة ، وابن أخيها . جزم به في " الوجيز " . وقاله الأكثر . قال في " الشرح " : والأولى جواز التفريق ؛ لأن الأصل حل البيع والتفريق ، ولا يصح إلحاقهم بمن سبق ( إلا بعد البلوغ في إحدى الروايتين ) هي ظاهر " الوجيز " وغيره ، لما روى عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يفرق بين الوالدة وولدها . قيل : إلى متى ؛ قال : حتى يبلغ الغلام ، وتحيض الجارية ، ولأن الأحرار يتفرقون بالتزويج بعد البلوغ فالعبيد أولى .

[ ص: 331 ] والثانية : المنع ، لعموم ما ذكرنا ، وهو ظاهر الخرقي في الولد ؛ لأن الوالدة تتضرر بمفارقة ولدها ، ولهذا حرم عليه الجهاد إلا بإذنهما ، وعلى المنع فيستثنى التفريق بالعتق ، وافتداء الأسرى وسيأتي في البيع إذا ملك أختين .

( وإذا حصر الإمام حصنا ، لزم مصابرته ) مهما أمكن ( إذا رأى المصلحة فيها ) لأن عليه فعل ما فيه مصلحة للمسلمين . وظاهره أنه إذا رأى المصلحة في الانصراف جاز . صرح به في " المغني " وغيره لانصرافه - صلى الله عليه وسلم - عن حصن الطائف قبل فتحه ، وبه يزول اللزوم . وبالإسلام ، وببذل المال على الموادعة ، سواء أعطوه جملة ، أو جعلوه خراجا يؤخذ منهم كل عام ، وبالفتح ، وبالنزول على الحكم الشرعي ، وبالهدنة بشرطها . ( فإن أسلموا ) أي : أهل الحصن ( أو من أسلم منهم ) فكمسلم قبل القدرة عليه ( أحرز دمه وماله ) لقوله - صلى الله عليه وسلم - أمرت أن أقاتل الناس . . . . الخبر ، والمراد بالمال حيث كان ، ومنفعة إجارة ؛ لأنها مال ( وأولاده الصغار ) لأنهم تبع لهم في الإسلام ، ولو كانوا في دار الحرب ، وحمل امرأته مع كونه حرا مسلما ، والمجنون كصغير . وظاهره أنه لا يعصم أولاده الكبار ، لأنهم لا يتبعونه ، ولا زوجته كذلك . ( وإن سألوه الموادعة ) وهي المصالحة ، والمسالمة ( بمال أو غيره ، جاز إن كانت المصلحة فيه ) لأن الغرض إعلاء كلمة الإسلام وصغار الكفرة ؛ وهو حاصل بالموادعة ، فيجب كالمن عليهم ، وشرط بعض أصحابنا في عقدها بغير مال عجز المسلمين ، واستضرارهم بالمقام ليكون ذلك عذرا في الانصراف .

[ ص: 332 ] ( وإن نزلوا على حكم حاكم جاز ) لأنه - صلى الله عليه وسلم - لما حاصر بني قريظة ، نزلوا على حكم سعد بن معاذ ، فأجابهم إلى ذلك . متفق عليه . من حديث أبي سعيد . وقد علم أنهم إذا نزلوا لزمه أن ينزلهم ، وخير كأسرى . والكلام في مقامين في صفة الحاكم ، فقال : ( إذا كان حرا عاقلا من أهل الاجتهاد ) لأنه حاكم أشبه ولاية القضاء . وظاهره أنه لا يشترط فيه أن يكون بصيرا ، صرح به في " البلغة " و " الوجيز " بخلاف القضاء ليعرف المدعي من المدعى عليه ، والشاهد من المشهود عليه ، ولا مجتهدا في جميع الأحكام التي لا تعلق لها في الجهاد ، وصرح به في " المحرر " و " الفروع " وغيرهما ، وترك قيد الذكورية والعدالة لوضوحهما .

تنبيه : لو نزلوا على حكم رجلين فأكثر ، جاز ، والحكم ما اجتمعوا عليه ؛ فلو جعلوا الحكم على رجل يعينه الإمام ، صح ؛ فإن نزلوا على حكم رجل منهم ، أو جعلوا التعيين إليهم ، لم يجز ، لأنهم ربما اختاروا غير الأصلح . ذكره في " الشرح " وغيره .

الثاني : في صفة الحكم فقال : ( ولا يحكم إلا بما فيه الأحظ للمسلمين ) لأنه نائب الإمام فقام مقامه في اختيار الأحظ في الأسرى ؛ وحينئذ يلزمه ذلك ، وحكمه لازم . ( من القتل والسبي ) لأن سعدا حكم في بني قريظة بقتلهم ، وسبي ذراريهم فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : لقد حكمت بحكم الله من فوق سبع أرقعة .

( والفداء ) لما سبق في الإمام . وظاهره ولو حكم عليهم بإعطاء الجزية ، لم يلزم حكمه ؛ لأن عقد الذمة عقد معاوضة ، واشترط فيه التراضي . وكذلك لا يملك [ ص: 333 ] الإمام إجبار الأسير على إعطاء الجزية ( فإن حكم بالمن لزمه قبوله في أحد الوجهين ) قاله القاضي ، وقدمه في " المحرر " وجزم به في " الوجيز " ؛ لأنه نائب الإمام فكان له المن ، كهو . وظاهره ولو أباه الإمام .

والثاني : المنع ، قاله أبو الخطاب ؛ لأنه لا حظ فيه ، ومحله إذا لم يره الإمام . قاله في " الكافي " و " المحرر " و " الخلاصة " وقيل : في المقاتلة دون النساء ، والذرية لأنهما غنيمة ، فليس للحاكم تركها مجانا ، وفي " الكافي " و " البلغة " : لو حكم بأسر لم يجز للإمام أن يمن بإطلاقهم إلا برضا الغانمين ( وإن حكم بقتل أو سبي ، فأسلموا ) بعد الحكم ( عصموا دماءهم ) لأن قتل المسلم حرام . وظاهره أنهم لا يعصمون أموالهم ؛ لأنها صارت للمسلمين قبل إسلامهم ، وكذا سبيهم ، قاله في " المحرر " .

( وفي استرقاقهم وجهان ) كذا في " البلغة " وفي " الكافي " و " المحرر " وغيرهما روايتان إحداهما : لا يجوز . قدمه في " الشرح " لأنهم أسلموا قبل استرقاقهم ، والثانية : يجوز ، ذكره أبو الخطاب احتمالا ، لأنهم أسلموا بعد القدرة عليهم ووجوب قتلهم ، كالأسير إذا أسلم بعد اختيار الإمام قتله ، فعلى هذا يكون المال على ما حكم فيه ، فإن حكم بأنه للمسلمين ، كان غنيمة ، لأنهم أخذوه بالقهر .

تنبيه : ليس للإمام تغيير ما حكم به الحاكم مما ينفذ حكمه فيه ، فلا يقتل من حكم برقه ؛ لأنه أشد من الرق ، وفيه إتلاف الغنيمة بغير رضا الغانمين ، [ ص: 334 ] ولا رق من حكم بقتله ؛ لأنه قد يدخل الضر على المسلمين ببقائهم ، ولا رق ولا قتل من حكم بفدائه لأنهما أشد من الفداء ؛ لأنه نقض للحكم بعد لزومه ، وله المن إلا أنه أخف مما حكم به الحاكم فإذا رآه الإمام جاز ؛ لأنه أتم نظرا ، وكالابتداء ، وقبول الفداء ممن حكم بقتله أو رقه ؛ لأنه نقض للحكم برضا المحكوم عليه ، ولأنه حقه ، فإذا رضي بشركه ، جاز . ذكره المجد وغيره .

التالي السابق


الخدمات العلمية