صفحة جزء
فصل ولا يجوز الغزو إلا بإذن الأمير إلا أن يفجأهم عدو يخافون كلبه فإن دخل قوم لا منعة لهم دار الحرب بغير إذنه ، فغنموا ، فغنيمتهم فيء ، وعنه : هي لهم بعد الخمس ، وعنه : هي لهم لا خمس فيها ، ومن أخذ من دار الحرب طعاما أو علفا ، فله أكله وعلف دابته بغير إذن وليس له بيعه ؛ فإن باعه رد ثمنه في المغنم وإن فضل معه منه شيء ، فأدخله البلد ، رده في الغنيمة ، إلا أن يكون يسيرا فله أكله في إحدى الروايتين . ومن أخذ سلاحا فله أن يقاتل به حتى تنقضي الحرب ثم يرده ، وليس له ركوب الفرس في إحدى الروايتين .


( ولا يجوز الغزو إلا بإذن الأمير ) لأنه أعرف بالحرب ، وأمره موكول إليه ، ولأنه إذا لم تجز المبارزة إلا بإذنه ، فالغزو أولى ( إلا أن يفجأهم ) أي : يطلع عليهم بغتة ( عدو يخافون كلبه ) بفتح الكاف واللام أي : شره وأذاه ؛ لأن الحاجة [ ص: 350 ] تدعو إليه لما في التأخير من الضرر ، وحينئذ لا يجوز التخلف إلا من يحتاج إلى تخلفه لحفظ المكان والأهل والمال ، ومن لا قوة له على الخروج ومن يمنعه الإمام ( فإن دخل قوم لا منعة لهم ) هو بفتح الأحرف الثلاثة ، وقد تسكن النون ، والمراد بها القوة والدفع . ( دار الحرب بغير إذنه ) أي : إذن المعتبر إذنه ، وهو إمام الحق ، غير المتغلب ( فغنموا ، فغنيمتهم فيء ) على المذهب لأنهم عصاة بفعلهم ، وافتئاتهم على الإمام لطلب الغنيمة ، فناسب حرمانهم كقتل المورث ( وعنه : هي لهم بعد الخمس ) وهي قول أكثر العلماء ، واختارها القاضي وأصحابه ، وفي " المغني " و " الشرح " هي الأولى ، لعموم قوله تعالى : كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله [ البقرة : 249 ] ( وعنه : هي لهم لا خمس فيها ) لأنه اكتساب مباح من غير جهاد ، أشبه الاحتطاب ، أو يقال : أخذوه لا بقوة أشبه ما لو سرقوه .

فرع : حكم الواحد ولو عبدا إذا دخل الحرب وغنم ، الخلاف ، وكذا ما سرق منها أو اختلس . ذكره في " البلغة " ومعناه في " الروضة " .

( ومن أخذ من دار الحرب طعاما أو علفا ) لا غيرها من ثياب وحنوط ( فله أكله وعلف دابته ) أو دوابه ( بغير إذن ) في قول جماعة العلماء لما روى ابن عمر قال : كنا نصيب في مغازينا العسل والعنب ، فنأكله ولا نرفعه . رواه البخاري ، وعنه : أن جيشا غنموا في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طعاما وعسلا فلم يؤخذ منهم الخمس . رواه أبو داود ، ولأن الحاجة تدعو إليه ، إذ الحمل فيه مشقة ، فأبيح توسعة على الناس ، وله إطعام سبي اشتراه ، بخلاف فهد وكلب [ ص: 351 ] صيد ؛ لأن هذا يراد للتفرج ، ولا حاجة إليه في الغزو . ومحل ذلك كما ذكره الشيخان ما لم يجزه الإمام ويوكل به من يحفظه ، فلا يجوز إلا لضرورة ، نص عليه ؛ لأنها صارت غنيمة للمسلمين ، وتم ملكهم عليها ، واختاره القاضي في " المجرد " ما داموا في أرض الحرب ؛ لأن الغنيمة لا يتم الملك عليها إلا بإحرازها في دار الإسلام .

تنبيهات : الأول : حكم السكر والمعاجين ونحوها كالطعام ، وفي العقاقير وجهان .

الثاني : يدخل في كلامه الدهن ؛ لأنه طعام كالبر ، وله لحاجة دهن بدنه ، ودابته ، وشرب شراب ، ونقل أبو داود : دهنه بزيت للتزين لا يعجبني .

الثالث : ليس له غسل ثوبه بالصابون ؛ لأنه ليس بطعام ، فإن فعل رد قيمته في المغنم .

( وليس له بيعه ) لأنه لم ينقل لعدم الحاجة إليه ، بخلاف المأكل ( فإن باعه رد ثمنه في المغنم ) قاله أكثر الأصحاب ، لما روى سعيد : أن صاحب جيش الشام كتب إليه عمر : من باع منهم شيئا بذهب أو فضة ففيه خمس الله ، وسهام المسلمين . وظاهره أن البيع صحيح ؛ لأن المنع منه إنما كان لأجل حق الغانمين ، وفي رد الثمن تحصيل لذلك ، ولأن له فيه حقا فصح بيعه كما لو تحجر مواتا . وفرق القاضي والمؤلف في " الكافي " إن باعه لغير غاز ، فهو باطل كبيعه الغنيمة بغير إذن ، فيرد المبيع إن كان باقيا أو قيمته أو ثمنه إن كان تالفا ؛ وإن باعه لغاز ؛ فلا يخلو إما أن يبيعه بما يباح له الانتفاع به ، أو بغيره ، فإن كان الأول ، [ ص: 352 ] فليس بيعا في الحقيقة إنما دفع إليه مباحا ، وأخذ بمثله ، ويبقى أحق به لثبوت يده عليه ، ولا يمن عليه ، ويتعين رده إليه . وظاهر المتن أنه لا يلزمه سوى رد الثمن فقط ، وعنه : يلزمه أيضا قيمة أكله . ( وإن فضل معه منه شيء فأدخله البلد ) ولم يقيده به الأكثر . ( رده في الغنيمة ) أي : إذا كان كثيرا ؛ لأنه إنما أبيح له ما يحتاج إليه فما بقي تبينا أنه أخذ أكثر مما يحتاجه ، فيبقى على أصل التحريم . ( إلا أن يكون يسيرا ، فله أكله في إحدى الروايتين ) . نص عليه في رواية أبي طالب في الطبخة ، والطبختين من اللحم ، والعليفة والعليفتين ، من الشعير لا بأس به ؛ لأن اليسير مما تجري فيه المسامحة . قال الأوزاعي : أدركت الناس يقدمون بالقديد فيهديه بعضهم لبعض ، ولا ينكره أحد .

والثانية : يجب رده . نص عليها في رواية ابن إبراهيم ، واختارها الخلال ، وصاحبه ، والقاضي ، وأبو الخطاب في " خلافهما " وقدمها في " المحرر " و " الفروع " لقوله - عليه السلام - أدوا الخيط والمخيط . ولأنه من الغنيمة ، ولم يقسم فلم يبح في دار الإسلام كالكبير .

( ومن أخذ سلاحا لهم ، فله أن يقاتل به حتى تنقضي الحرب ) لقول ابن مسعود : انتهيت إلى أبي جهل فوقع سيفه من يده فأخذته فضربته به حتى برد . رواه الأثرم ، ولأن الحاجة إليه أعظم من الطعام ، وضرر استعماله أقل من ضرر أكل الطعام لعدم زوال عينه بالاستعمال ( ثم يرده ) بعد الحرب لزوال الحاجة . ( وليس له ركوب الفرس ) في الجهاد . ( في إحدى الروايتين ) جزم بها في " الوجيز " ورجحها ابن المنجا لما روى رويفع بن ثابت الأنصاري مرفوعا [ ص: 353 ] قال : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فلا يركب دابة من فيء المسلمين حتى إذا أعجفها ردها ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فلا يلبس ثوبا من فيء المسلمين حتى إذا أخلقه رده . رواه سعيد . ولأنها تتعرض للعطب غالبا ، وقيمته كبيرة بخلاف السلاح .

والثانية : يجوز . قدمها في " المحرر " كالسلاح ، ونقل المروذي لا بأس أن يركب الدابة من الفيء ، ولا يعجفها ، وفي " الفروع " وفي قتاله بفرس وثوب روايتان ، ونقل إبراهيم بن الحارث : لا يركبه إلا لضرورة أو خوف على نفسه

التالي السابق


الخدمات العلمية