صفحة جزء
[ ص: 354 ] باب قسمة الغنائم الغنيمة : كل مال أخذ من المشركين قهرا بالقتال ، وإن أخذ منهم مال مسلم ، فأدركه صاحبه قبل قسمه ، فهو أحق به وإن أدركه مقسوما ، فهو أحق به بثمنه ، وعنه : لا حق له فيه ، وإن أخذه منهم بعض الرعية بثمن ، فصاحبه أحق به بثمنه ، وإن أخذ بغير عوض فهو أحق به بغير شيء . ويملك الكفار أموال المسلمين بالقهر ، ذكره القاضي وقال أبو الخطاب : ظاهر كلام أحمد أنهم لا يملكونها .


باب قسمة الغنائم .

الغنائم : جمع غنيمة ، ويرادفها المغنم ، يقال : غنم فلان الغنيمة يغنمها ، واشتقاقها من الغنم ، وأصلها الربح والفضل .

والأصل فيها قوله ، تعالى : واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه [ الأنفال : 41 ] وقوله : فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا [ الأنفال : 69 ] وقد اشتهر ، وصح أنه - عليه السلام - قسم الغنائم . ولم تكن تحل لمن مضى ، وكانت في أول الإسلام خاصة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله يسألونك عن الأنفال الآية ، ثم صارت أربعة أخماسها للغانمين ، وخمسها لغيرهم .

( الغنيمة كل مال أخذ من المشركين قهرا بالقتال ) .

قوله : ( كل مال ) يدخل فيه ما يتمول كالصليب ، ويكسر ، ويقتل الخنزير . قاله أحمد ، ونقل أبو داود : يصب الخمر ، ولا يكسر الإناء .

وأما الكلب ، فلا يدخل في الغنيمة ، ويخص الإمام به من شاء . قوله ( من المشركين ) أي : المحاربين ، وقوله : ( قهرا بالقتال ) هذا فصل يخرج به الفيء .

( وإن أخذ منهم مال مسلم ) بأن أخذ الكفار مال مسلم ، ثم أخذ المسلمون ذلك منهم قهرا ( فأدركه صاحبه ) وهو المسلم ( قبل قسمه ، فهو أحق به ) بغير شيء في قول عامة العلماء ، لما روى ابن عمر : أن غلاما له أبق إلى العدو ، فظهر عليه المسلمون فرده النبي - صلى الله عليه وسلم - إليه ، وذهب فرس له ، فأخذه المسلمون [ ص: 355 ] فرده عليه خالد بن الوليد بعد النبي ، صلى الله عليه وسلم . رواه البخاري ، وقال الزهري ، وعمرو بن دينار : لا يرد إليه ، وهو للجيش ؛ لأن الكفار ملكوه باستيلائهم فصار غنيمة كسائر أموالهم . وجوابه ما تقدم . وكذا حكم ما إذا أخذ مال معاهد ، وقلنا : يملكون أموالنا . فإن كان أم ولد ، لزم السيد أخذها ، لكن بعد القسمة بالثمن ، ويخير في الباقي ( وإن أدركه ) صاحبه ( مقسوما فهو أحق به بثمنه ) جزم به في " الوجيز " وغيره ، لما روى ابن عباس أن رجلا وجد بعيرا له ، وكان المشركون أصابوه فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : إن أصبته قبل القسمة فهو لك وإن أصبته بعد ما قسم أخذته بالقيمة . وإنما امتنع أخذه له بغير شيء لئلا يفضي إلى حرمان أخذه من الغنيمة ، ولو لم يأخذه لأدى إلى ضياع حقه . فالرجوع في عين ماله بثمنه جمع بين الحقين ( وعنه : لا حق له فيه ) نص عليه في رواية أبي داود ، وضعف الأول ، وقال : هو عن مجاهد لما روى ابن عمر مرفوعا : إن أدركه بعد ما قسم فليس له فيه شيء . وكتب عمر إلى السائب : أيما رجل أصاب رقيقه أو متاعه بعينه ، فهو أحق به ، وإن أصابه في أيدي التجار بعدما قسم فلا سبيل إليه . وعن سلمان بن ربيعة نحوه . رواهما سعيد . وكما لو وجده في أيدي المستولي عليه ، وقد جاءنا بأمان أو أسلم ، ولم يقل أحد : إنه لصاحبه بعد القسمة بغير شيء لمخالفة الإجماع فإن أهل العصر إذا أجمعوا على قولين في حكم لم يجز إحداث ثالث . قاله في " الشرح " وفيه شيء ، فإنهم صرحوا بأن صاحبه إذا وجده فهو أحق به ، ولو بعد القسمة إذا قلنا : إنهم لا يملكونها ( وإن أخذه منهم بعض الرعية بثمن ، فصاحبه أحق به بثمنه ) كما لو أخذه واحد من المغنم بحقه . والثمن هاهنا كالقيمة هناك ( وإن أخذ بغير عوض ) كهبة أو سرقة ونحوها [ ص: 356 ] ( فهو أحق به بغير شيء ) لما روى عمران بن حصين أن قوما أغاروا على سرح النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخذوا ناقته وجارية من الأنصار فأقامت عندهم أياما ، ثم خرجت فركبت الناقة ، ونذرت إن نجاها الله عليها لتنحرنها ، فلما قدمت المدينة أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - ناقته فأخبرت النبي - صلى الله عليه وسلم - بنذرها فقال : سبحان الله بئسما جزيتها لا وفاء لنذر في معصية الله - تعالى - ولا فيما لا يملك العبد . رواه مسلم ، ولأنه لم يحصل في يده بعوض ، أشبه ما لو أدركه من الغنيمة قبل القسمة . وقال القاضي : ما حصل في يده بهبة أو شراء ، فهو كما لو وجده صاحبه بعد القسمة على الخلاف ، وجزم به في " الكافي " ، فلو تصرف فيه أحد منهم صح تصرفه .

( ويملك الكفار أموال المسلمين بالقهر ، ذكره القاضي ) جزم به في " الوجيز " وقدمه في " الفروع " لأن الاستيلاء سبب يملك به المسلم مال الكافر ، فكذا عكسه ، كالبيع . ولا يملكه بعضهم من بعض ، وسواء اعتقدوا تحريمه أو لا . ذكره في " الانتصار " ومحله في غير حبس ووقف . قاله في " المحرر " و " الفروع " : لعدم تصور الملك فيهما ، فلم يملكا بالاستيلاء كالحر ، وفي أم الولد روايتان : الأصح عند ابن عقيل أنها كوقف . وعنه : يملكونه إن حازوه بدارهم ، نص عليه ، فيما بلغ به قبرس رد إلى أصحابه ليس غنيمة ، ولا يؤكل منه لأنهم لم يحوزوه إلى بلادهم ، ولا إلى أرض هم أغلب عليها . والأول أولى ؛ لأن ما كان سببا للملك ، أثبته حيث وجده كالبيع ونحوه ( وقال أبو الخطاب : ظاهر كلام أحمد أنهم لا يملكونها ) حيث قال : إذا أدركه صاحبه قبل القسمة فهو [ ص: 357 ] أحق به ، واختاره الآجري وأبو محمد الجوزي ، ونصره ابن شهاب وغيره لقوله - تعالى - ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا [ النساء : 141 ] ولأنهم لا يملكون رقيقا برضانا بالبيع ، فهذا أولى ، وكأخذ مستأمن له بدارنا بعقد فاسد أو غصب ، واستدل له بحديث القصواء ، قال ابن المنجا : ولا دلالة فيه ؛ لأن غايته أنه - عليه السلام - أخذ ناقته ، والمسلم له أخذ ذلك ، سواء قبل تملك الكفار أموال المسلمين ، أو لا . ولأنه وجدها غير مقسومة ، ولا مشتراة ، فعلى هذا لصاحبه أخذه بغير شيء ، وإن كان مقسوما ، وفي العدو إذا أسلم . ولو أحرزه بدارهم ، وإن جهل ربه وقف كاللقطة ، وفي " التبصرة " أنه أحق بما لم يملكوه بعد القسمة بثمنه لئلا ينتقض حكم القاسم .

تذنيب : لا يملك الكفار ذميا كالحر المسلم ، ويلزم فداؤه ، ويرجع المشتري في المنصوص بثمنه بنية الرجوع . وفي " المحرر " : ما لم ينو التبرع ، فإن اختلفا في قدر ثمنه ، فوجهان ، واختار الآجري : لا يرجع إلا أن يكون عادة الأسرى وأهل الثغر ذلك . فيشتريهم ليخلصهم ، ويأخذ ما وزن لا زيادة ، فإنه يرجع .

فوائد . منها : إذا استولوا على مال مسلم ، ثم عاد بعد حول أو أحوال ، فعلى الأول : لا زكاة لما مضى قولا واحدا ، وعلى الثاني : فيه روايتان بناء على المال المغصوب ونحوه .

ومنها : إذا كان لمسلم أختان أمتان ، وأبقت إحداهما إلى دار الحرب ، واستولوا عليها فله وطء الثانية على الأول ؛ لأن ملكه قد زال . وقياس قول أبي الخطاب : لا يجوز حتى تحرم الآبقة بعتق أو نحوه .

[ ص: 358 ] ومنها : إذا أعتق المسلم عبده الذي استولى عليه الكفار لم يصح على الأولى بخلاف الثانية .

ومنها : إذا سبى الكفار أمة مزوجة لمسلم ، فإن قلنا : يملكونها ، فالقياس أنه ينفسخ النكاح ، لأنهم يملكون رقبتها ومنافعها ؛ فيدخل فيه منفعة بضعها ؛ فينفسخ نكاح الكافرة المسبية . ومنع أبو الخطاب من انفساخ النكاح بالسبي مطلقا . فأما الحرة فلا ينفسخ نكاحها بالسبي ، لعدم ملكهم لها به ، فلا يملكون بضعها .

ومنها : أنهم يملكون ما أبق أو شرد إليهم . وعلى الثاني : لصاحبه أخذه مجانا .

التالي السابق


الخدمات العلمية