صفحة جزء
وما أخذ من دار الحرب من ركاز أو مباح له قيمة فهو غنيمة . وتملك الغنيمة بالاستيلاء عليها في دار الحرب ويجوز قسمها فيها ، وهي لمن شهد الوقعة من أهل القتال ، قاتل أو لم يقاتل من تجار العسكر وأجرائهم الذين يستعدون للقتال . فأما المريض العاجز عن القتال ، والمخذل والمرجف ، والفرس الضعيف العجيف فلا حق له وإذا لحق مدد ، أو هرب أسير ، فأدركوا الحرب قبل تقضيها ، أسهم لهم ، وإن جاءوا بعد إحراز الغنيمة ، فلا شيء لهم .


( وما أخذ من دار الحرب من ركاز أو مباح له قيمة فهو غنيمة ) لأنه مال حصل الاستيلاء عليه قهرا ، فكان غنيمة كسائر أموالهم . ومحله ما إذا قدر على الركاز بجماعة المسلمين ؛ لأنه حصل بقوتهم بخلاف ما إذا قدر عليه بنفسه ، فهو له بعد الخمس . صرح به في " المغني " و " الشرح " .

وقوله : مباح له قيمة في أرض الحرب ، كالصيود والخشب ، فإن احتاج إلى أكله والانتفاع به ، فله ذلك كطعامهم ، ولا يرده . فإن كان المباح لا قيمة له في أرضهم كالمسن والأقلام ، فله أخذه ، وهو أحق به ، وإن صار له قيمة بعد ذلك .

فرع : إذا وجد لقطة في دارهم ، فإن كانت للمسلمين فهو كما لو وجدها في دار الإسلام ، وإن كانت للمشركين فهي غنيمة ، وإن احتمل الأمرين ، عرفها حولا في بلد المسلمين ، ثم جعلها في الغنيمة . نص عليه .

( وتملك الغنيمة بالاستيلاء عليها في دار الحرب ) لأنها مال مباح فملكت [ ص: 359 ] بالاستيلاء عليها كسائر المباحات . يؤيده أنه لا ينفذ عتقهم في رقيقهم الذين حصلوا في الغنيمة ، ولا يصح تصرفهم فيه ، ولأنه لو أسلم عبد الحربي ولحق بجيش المسلمين صار حرا ، وفي " الانتصار " و " عيون المسائل " باستيلاء تام لا في فور الهزيمة للبس الأمر ، هل هو حيلة أو ضعف ، وفي " البلغة " كذلك ، وأنه ظاهر كلامه ، والمنصوص عن أحمد ، وعليه أكثر الأصحاب أن مجرد الاستيلاء وإزالة أيدي الكفار عنها كاف . وقال القاضي في " خلافه " : لا يملك بدون اختيار التمليك . وتردد في الملك قبل القسمة هل هو باق للكفار ، أو أنه انقطع ؛ وله فوائد .

منها : جريانه في حول الزكاة ، فإن كانت الغنيمة أجناسا ، لم ينعقد عليها حول بدون الغنيمة ، وإن كانت جنسا واحدا ، فوجهان .

ومنها : لو أعتق أحد الغانمين رقيقا من المغنم بعد ثبوت رقه ، أو كان فيهم من يعتق عليه بالملك ، عتق إن كان بقدر حقه ، وإن كان دونه ، فكمن أعتق شقصا في عبد .

ومنها : لو أسقط الغانم حقه منها قبل القسمة ، فبعضهم بناه على الخلاف ، فإن قلنا : تملكوها . لم يسقط ، وإلا سقط ، وجزم جماعة منهم صاحب " الترغيب " و " المحرر " أنه يسقط مطلقا لضعف الملك ، زاد في " الفروع " : ولو مفلسا ، وفي سفيه وجهان ، ويرد على من بقي ، وإن أسقط الكل حقهم صارت فيئا .

ومنها : لو شهد أحد الغانمين بشيء من المغنم قبل القسمة ، فإن قلنا : ملكوه ، [ ص: 360 ] لم تقبل ، وإلا قبلت . ذكره القاضي ، وقال الشيخ تقي الدين : في قبولها نظر . وإن قلنا : لم يملكوا ؛ لأنها شهادة تجر نفعا ( ويجوز قسمها فيها ) في المنصوص ، وهو قول أكثر العلماء ، لما روى أبو إسحاق قال : قلت للأوزاعي : هل قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا من الغنائم في المدينة ؛ قال : لا أعلمه ، وقسم - عليه السلام - غنائم بني المصطلق على مياههم ، وغنائم حنين بأوطاس ، ولأنهم تملكوها بالاستيلاء ، فجاز قسمها فيها ؛ لأن الاستيلاء التام هو إحرازها بدار الإسلام .

فرع : إذا وكل الأمير في شراء شيء منها لنفسه ، فإن جهل وكيله ، صح ، وإلا حرم . نص عليه ، واحتج أن عمر رد ما اشتراه ابن عمر في قصة جلولاء للمحاباة ( وهي لمن شهد الوقعة ) لما روى الشافعي : حدثنا الثقة ، عن يحيى بن سعيد القطان ، عن شعبة ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب أن عمر قال : الغنيمة لمن شهد الوقعة . قال : الخطيب قال علي بن الحسين العكلي : الرجل الذي لم يسمه الشافعي أحمد بن حنبل . ورواه سعيد بن منصور أيضا ( من أهل القتال ) حتى من منع منه لريبة أو منعه الأب ومن بعثه الأمير لمصلحة كرسول ، وجاسوس ، ومن خلفه الأمير في بلاد العدو ، ولو لمرض ، وغزا ، ولم يمر بهم فرجعوا ، نص عليه . ( قاتل أو لم يقاتل من تجار العسكر ) ويدخل فيه الخياط ، والخباز ، والبيطار ، ونحوهم ( وأجراؤهم الذين يستعدون للقتال ) ومعهم السلاح ، ولأنه ردء للمقاتل باستعداده ، أشبه المقاتل . وظاهره أنهم إذا لم يكونوا مستعدين للقتال أنه لا يسهم لهم ، إذ لا نفع في حضورهم كالمخذل ، وعلم منه أنه يسهم لأمير الخدمة على الأصح ، وقيده القاضي وغيره إذا قصد الجهاد . [ ص: 361 ] وحمل المجد إسهام النبي - صلى الله عليه وسلم - لسلمة ، وكان أجيرا لطلحة . - رواه مسلم - على أجير قصد مع الخدمة الجهاد . وفي " الموجز " هل يسهم لتجار عسكر وأهل سوقه ومستأجر مع جندي كركابي ، وسائس أم يرضخ ؛ فيه روايتان .

( فأما المريض العاجز عن القتال ) أي : لا حق له فيها ؛ لأنه ليس من أهل الجهاد كالعبد . وظاهره أن المرض إذا لم يمنع من القتال ، كالحمى والصداع أنه لا يسقط سهمه ؛ لأنه من أهل الجهاد ، ويعين برأيه وتكثيره ودعائه . ( والمخذل والمرجف ) ولو قاتلا ؛ لأن ضررهما أكثر من نفعهما . ( والفرس الضعيف العجيف فلا حق له ) لأنه لا نفع فيه . وظاهره ولو شهد عليه الوقعة ، ولأن الإمام يملك منعه ، فلم يسهم له كالمخذل ، وفيه وجه يسهم له كالمريض ، والفرق واضح ، وحكم الكافر والعبد إذا لم يؤذن لهما . ومنهي عن حضوره كذلك ، والأصح : أو بلا إذنه ، ولا يرضخ لهم لأنهم عصاة ، وكذا من هرب من اثنين . ذكره في " الروضة " بخلاف غريم . ( وإذا لحق مدد ) هو ما أمددت به قوما في الحرب أو ( هرب أسير ) أو أسلم كافر ، أو بلغ صبي ، أو عتق عبد ( فأدركوا الحرب قبل تقضيها أسهم لهم ) لقول عمر ، ولأنهم شاركوا الغانمين في السبب فشاركوهم في الاستحقاق ، كما لو كان ذلك قبل الحرب ، وكذا إذا صار رجل فارسا ، وعكسه . وظاهره أنه يسهم لهم وإن لم يقاتلوا ( وإن جاءوا بعد إحراز الغنيمة فلا شيء لهم ) قال الخرقي : لأن به يحصل تمام الاستيلاء ، وقال القاضي : يملك الغنيمة بانقضاء الحرب ، وإن لم يحرز ، وجزم به في " المحرر " وقدمه في " الفروع " لما روى أبو هريرة أن أبان بن سعيد بن العاص وأصحابه قدموا على [ ص: 362 ] النبي - صلى الله عليه وسلم - بخيبر بعد أن فتحها فقال أبان : اقسم لنا يا رسول الله . فقال : اجلس يا أبان ، ولم يقسم له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . رواه أبو داود ، ولأنهم لم يشهدوا الوقعة ، كما لو أدركوا قبل القسمة ، فلو لحقهم عدو ، وقاتل المدد معهم حتى سلموا الغنيمة ، فلا شيء لهم ؛ لأنهم إنما قاتلوا عن أصحابها ؛ لأن الغنيمة في أيديهم ، وحوزها . نقله الميموني .

التالي السابق


الخدمات العلمية