صفحة جزء
وإذا أراد القسمة ، بدأ بالأسلاب ، فدفعها إلى أهلها ، ثم أخرج أجرة الذين جمعوا الغنيمة ، وحملوها وحفظوها ، ثم يخمس الباقي ، فيقسم خمسه على خمسة أسهم : سهم لله - تعالى - ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - يصرف مصرف الفيء . وسهم لذوي القربى ، وهم بنو هاشم وبنو المطلب حيث كانوا للذكر مثل حظ الأنثيين ، غنيهم وفقيرهم فيه سواء ، وسهم لليتامى الفقراء ، وسهم للمساكين وسهم لأبناء السبيل من المسلمين ثم يعطي النفل بعد ذلك ، ويرضخ لمن لا سهم له وهم العبيد والنساء والصبيان . وفي الكافر روايتان : إحداهما : يرضخ له ، والأخرى : يسهم له ولا يبلغ بالرضخ للراجل سهم راجل ، ولا للفارس سهم فارس ، فإن تغير حالهم قبل تقضي الحرب أسهم لهم ، وإذا غزا العبد على فرس لسيده ، قسم للفرس ، ورضخ للعبد .


( وإذا أراد القسمة ، بدأ بالأسلاب ، فدفعها إلى أهلها ) لأن القاتل يستحقها غير مخموسة ، فإن كان فيها مال لمسلم أو ذمي ، دفع إليه ؛ لأن صاحبه متعين . ( ثم أخرج ) من الباقي ( أجرة الذين جمعوا الغنيمة وحملوها وحفظوها ) . قاله جماعة ؛ لأنه من مصلحة الغنيمة ، وإعطاء جعل من دله على مصلحة كطريق ونحوه ( ثم يخمس الباقي ) . هذه طريقة الأكثر ؛ لأنه استحق بحضور الوقعة ، أشبه سهام الغانمين . وقيل : يقدم الرضخ عليه ( فيقسم خمسه على خمسة أسهم ) ، نص عليه ، لقوله - تعالى - واعلموا أنما غنمتم من شيء الآية [ الأنفال : 41 ] ومقتضاها أن يقسم على ستة أسهم ، وجوابه : أن سهم الله - تعالى - ورسوله كالشيء الواحد لقوله - تعالى - والله ورسوله أحق أن يرضوه [ التوبة : 62 ] وأن الجهة جهة مصلحة ( سهم لله تعالى ) وذكر اسمه للتبرك ؛ لأن الدنيا والآخرة له ( ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - يصرف مصرف الفيء ) لقوله - عليه السلام - ليس لي من الفيء إلا الخمس ، وهو مردود عليكم . رواه سعيد . ولا يكون مردودا علينا إلا إذا صرف في مصالحنا . وفي " الانتصار " : هو لمن يلي الخلافة بعده ، وقاله طائفة من العلماء لما روى أبو الطفيل قال : جاءت فاطمة إلى أبي بكر تطلب ميراثها من النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : فقال أبو بكر : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : إن الله إذا أطعم نبيا طعمة فهي للذي يقوم من بعده ، وإني رأيت أن أرده على المسلمين [ ص: 363 ] . رواه أبو داود ، وعنه : في أهل الديوان ؛ لأنه - عليه السلام - استحقه لحصول النصرة ، فيكون لمن يقوم مقامه فيها ، وعنه : في الخيل والسلاح ، روي عن أبي بكر وعمر ، وعنه : سقط بموته عليه السلام . ويرد على الأنصباء الباقية من الخمس ، لأنهم شركاؤه ، وقيل : يرد على الغانمين كالتركة إذا أخرج منها وصية ثم بطلت ، فإنها ترد إلى التركة . والصحيح أنه باق في مصالح المسلمين . وكان - عليه السلام - يصنع بهذا السهم ما شاء ، ذكره في " المغني " .

فائدة : كان له - عليه السلام - من المغنم الصفي ، وهو شيء يختاره منها قبل القسمة كجارية وعبد وثوب ، وسيف ، ونحوه ، وانقطع ذلك بموته بغير خلاف نعلمه ، إلا أبا ثور ، فإنه زعم أنه باق للأئمة بعده ، ويجعله مجعل سهمه - عليه السلام . ( وسهم لذوي القربى ) للآية ، ولأنه - عليه السلام - جعل سهمهم في بني هاشم ، وبني المطلب " . رواه أبو داود بإسناد صحيح . وهو ثابت بعد موته - عليه السلام - لم ينقطع ؛ لأنه لم يأت ناسخ ولا مغير ( وهم بنو هاشم وبنو المطلب ) ابنا عبد مناف ، لما روى جبير بن مطعم قال : قسم النبي - صلى الله عليه وسلم - سهم ذوي القربى بين بني هاشم وبني المطلب ، وقال : إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد . وفي رواية لم يفارقوا في جاهلية ولا إسلام . رواه أحمد والبخاري بمعناه . فرعى لهم نصرتهم وموافقتهم لبني هاشم . ولا يستحق من كانت أمه منهم ، وأبوه من غيرهم ؛ لأنه - عليه السلام - لم يدفع إلى أقارب أمه من بني زهرة ، ولا إلى بني عماته كالزبير . ويفرق عليهم ( حيث كانوا ) لأنه مستحق بالقرابة ، فوجب كونه لهم [ ص: 364 ] حيث كانوا حسب الإمكان كالتركة للذكر مثل حظ الأنثيين هذا رواية عن أحمد ، وهي اختيار الخرقي ، وجزم بها في " الوجيز " ؛ لأنه مال استحق بقرابة الأب ، ففضل فيه الذكر على الأنثى كالميراث . وعنه : يساوي بينهما . قاله طائفة من العلماء ، لأنهم أعطوا باسم القرابة فاستووا فيه ، كما لو وقف على قرابة فلان ، وأطلق في " المحرر " و " الفروع " الخلاف ، ويسوي بين الصغير والكبير بلا خلاف . ( غنيهم وفقيرهم فيه سواء ) لأنه - عليه السلام - لم يخص فقراء قرابته ، بل أعطى الغني ، كالعباس وغيره ، مع أن شرط الفقر ينافي ظاهر الآية ، ولأنه يؤخذ بالقرابة ، فاستويا فيه كالميراث . وقال أبو إسحاق بن شاقلا : يختص بفقرائهم كبقية السهام . قال في " الشرح " : ولعل النبي - صلى الله عليه وسلم - منع عثمان وجبيرا لما سألاه سهمهما بيسارهما وانتفاء فقرهما ، فإن لم يأخذوه صرف في الكراع والسلاح ، لفعل أبي بكر وعمر . وظاهره لا شيء لمواليهم ، وصرح به في " المحرر " و " الفروع " لأنهم ليسوا منهم . ( وسهم لليتامى ) وهم من لا أب له ، ولم يبلغ الحلم ، لقوله : لا يتم بعد احتلام . ( الفقراء ) هذا هو الأشهر ؛ لأن اسم اليتم في العرف للرحمة ، ومن أعطي لذلك ، اعتبرت فيه الحاجة ، بخلاف القرابة ، مع أن المؤلف قال : لا أعلم هذا نصا عن أحد . وقيل : والغني أيضا لعموم الآية . ( وسهم للمساكين ) وهم أهل الحاجة ويدخل فيهم الفقراء لأنهما صنف واحد في غير الزكاة . ( وسهم لأبناء السبيل من المسلمين ) قيد في الكل ؛ لأن الخمس عطية من الله فلم يكن لكافر فيها حق كالزكاة ، ويعطى هؤلاء بما تقدم في الزكاة . وفي " الواضح " يعطى كل واحد خمسين درهما أو خمسة [ ص: 365 ] دنانير . وظاهره أنه يعم بسهام من ذكر جميع البلاد ، فيبعث الإمام عماله في الأقاليم . وصحح في " المغني " أنه لا يجب التعميم ؛ لأنه متعذر .

فعلى هذا يفرقه كل سلطان فيما أمكن من بلاده ، وفي " الانتصار " : يكفي واحد من الأصناف الثلاثة ، وذوي القربى إن لم يمكنه ، واختار الشيخ تقي الدين إعطاء الإمام من شاء منهم للمصلحة كزكاة . وأن الخمس والفيء واحد يصرف في المصالح ( ثم يعطى النفل ) وهو الزيادة على السهم للمصلحة ؛ لأنه حق ينفرد به بعض الغانمين ، فقدم على القسمة كالأسلاب ( بعد ذلك ) أي : بعد الخمس ، لما روى معن بن زائدة مرفوعا لا نفل إلا بعد الخمس . رواه أبو داود ، ولأنه مال استحق بالتحريض على القتال ، فكان من أربعة أخماس الغنيمة . ( ويرضخ لمن لا سهم له ) لأنه استحق بحضور الوقعة ، فكان بعد الخمس كسهام الغانمين ، وفيه وجه أنه من أصل الغنيمة ؛ لأنه استحق للمعاونة في تحصيل الغنيمة ، أشبه أجرة الحمل ، وقيل : من سهم المصالح ( وهم العبيد ) لما روى عمير مولى آبي اللحم قال : شهدت خيبر مع سادتي ، فكلموا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ، فأخبر أني مملوك ، فأمر لي بشيء من المتاع . رواه أحمد ، واحتج به ، ولأنهم ليسوا من أهل وجوب القتال كالصبي .

فرع : المدبر والمكاتب كالقن ومن بعضه حر ، فبحسابه ( والنساء ) لما روى ابن عباس قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يغزو بالنساء فيداوين الجرحى ، ولم يضرب لهن بسهم . رواه مسلم ، وما روي أنه أسهم للمرأة ، فيحتمل أن الراوي سمى الرضخ سهما ، ويحتمل أنه أسهم لها في شيء خاص لا مطلقا ، والخنثى كامرأة ، ويحتمل [ ص: 366 ] أن يقسم له نصف سهم ، ونصف رضخ ، كالميراث . قاله في " المغني " و " الشرح " ( والصبيان ) لما روى سعيد بن المسيب قال : كان الصبيان يحذون من الغنيمة إذا حضروا الغزو ، والمراد : إذا كان مميزا ، جزم به في " المحرر " وقدمه في " الفروع " ولأنه ليس من أهل القتال كالعبد ، وقيل : مراهقا . ( وفي الكافر روايتان : إحداهما : يرضخ له ) قدمها في " المحرر " وجزم بها في " الوجيز " ؛ لأنه ليس من أهل الجهاد ، فرضخ له كالعبد . ( والأخرى : يسهم له ) كمسلم اختارها الخلال والخرقي والقاضي ، وقدمها في " الفروع " ونصرها في " المغني " و " الشرح " ( ولا يبلغ بالرضخ للراجل سهم راجل ، ولا للفارس سهم فارس ) لأن السهم أكمل من الرضخ فلم يبلغ به إليه كما لا يبلغ بالتعزير الحد ، ولا بالحكومة دية العضو ، ويقسم الإمام الرضخ على ما يراه من المصلحة من تفضيل ، وتسوية ، ولا تجب التسوية فيه كأهل السهمان ؛ لأن السهم منصوص عليه ، غير موكول إلى الاجتهاد فلم يختلف كالحدود بخلاف الرضخ . ( فإن تغير حالهم قبل تقضي الحرب ) بأن بلغ الصبي ، أو عتق العبد ، أو أسلم الكافر . ( أسهم لهم ) لقول عمر ، ولأنهم شهدوا الوقعة ، وهم من أهل القتال فأسهم لهم كغيرهم ( وإن غزا العبد على فرس لسيده ، قسم للفرس ) سهمان كفرس الحر ؛ لأنه فرس حضر الوقعة ، وقوتل عليه ، فأسهم له ، كما لو كان السيد راكبه . وهذا إن لم يكن مع سيده فرسان . ( ورضخ للعبد ) نص عليه ، وهما لمالكهما ، ويعايا بها ، فيقال : يستحق السهم والرضخ ، وإن لم يحضر القتال فظاهره أن الصبي إذا غزا على فرس ، أو المرأة ، أو الكافر . وقلنا : لا سهم له ، لم يسهم للفرس ، بل يرضخ له ولفرسه ما لا يبلغ سهم الفارس ، بخلاف المخذل والمرجف إذا .

التالي السابق


الخدمات العلمية