صفحة جزء
[ ص: 367 ] ثم يقسم باقي الغنيمة للراجل سهم ، وللفارس ثلاثة أسهم : سهم له وسهمان لفرسه إلا أن يكون فرسه هجينا ، أو برذونا ، فيكون له سهم ، وعنه : له سهمان كالعربي ولا يسهم لأكثر من فرسين ، ولا يسهم لغير الخيل ، وقال الخرقي : من غزا على بعير لا يقدر على غيره قسم له ولبعيره سهمان ومن دخل دار الحرب راجلا ، ثم ملك فرسا أو استعاره ، أو استأجره وشهد به الوقعة ، فله سهم فارس . وإن دخل فارسا ، فنفق فرسه ، أو شرد حتى تقضى الحرب ، فله سهم راجل ، ومن غصب فرسا فقاتل عليه ، فسهم الفرس لمالكه وإذا قال الإمام : من أخذ شيئا فهو له ، أو فضل بعض الغانمين على بعض ، لم يجز في إحدى الروايتين ، ويجوز في الأخرى .

غزا على فرس ، فلا شيء له ، ولا لفرسه .


( ثم يقسم باقي الغنيمة ) لأنه يقال : لما جعل لنفسه الخمس فهم منه أن أربعة الأخماس للغانمين ؛ لأنه أضافها إليهم كقوله تعالى : وورثه أبواه فلأمه الثلث فهم منه أن الباقي للأب ، وينبغي أن تقدم أربعة الأخماس على قسم الخمس ، لأنهم حاضروه ، ولأن رجوع الغانمين إلى أوطانهم يقف على الغنيمة ، وأهل الخمس في أوطانهم . ( للراجل سهم ) بغير خلاف ، ولأنه لا يحتاج إلى ما يحتاج إليه الفارس من الكلفة ( وللفارس ثلاثة أسهم : سهم له ، وسهمان لفرسه ) في قول جماعة من العلماء لما روى ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أسهم يوم خيبر للفارس ثلاثة أسهم : سهمان لفرسه ، وسهم له . متفق عليه . وقال خالد الحذاء لا يختلف فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أسهم للفرس سهمين ، ولصاحبه سهما ، وللراجل سهما ( إلا أن تكون فرسه هجينا ) وهو ما أبوه عربي وأمه غير عربية ، وعكسه المقرف ( أو برذونا ) ويسمى العتيق . قاله في " الفروع " وهو ما أبواه نبطيان عكس العربي ( فيكون له سهم ) قال الخلال : تواترت الرواية عن أبي عبد الله بذلك ، واختاره الأكثر ، لما روى مكحول أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطى الفرس نفل سهمين ، وأعطى للهجين سهما . رواه سعيد ، وأبو داود في " المراسيل " وروي موصولا عن مكحول عن زياد بن جارية عن حبيب بن سلمة مرفوعا . قال عبد الحق : والمرسل أصح ، ولأن نفع العراب وأثره في الحرب أفضل ، فيكون سهمه أرجح كتفاضل من يرضخ له . ( وعنه : له سهمان كالعربي ) اختاره الخلال ؛ لأنه - عليه السلام - أسهم للفرس سهمين ، ولصاحبه سهما ، وهو عام في كل فرس ، ولأنه حيوان ذو سهم ، فاستوى فيه العربي وغيره كالآدمي ، وعنه : إن أدركت إدراك العراب أسهم لها كالعربي ، [ ص: 368 ] وإلا فلا ، اختاره الآجري ، وعنه : لا يسهم لها ، حكاها القاضي ، وقاله مالك بن عبد الله الخثعمي ؛ لأنه لا عمل لها على العراب ، أشبهت البغال ، والأول أصح ؛ لأنها - وإن دخلت في مسمى الخيل - فهي تتفاضل في أنفسها ، فكذا في سهمانها ، وقوله : أسهم للفرس سهمين . قضية عين لا عموم لها ، مع أنه يحتمل أنه كان ليس فيها برذون ، وهو الظاهر لقلتها عند العرب .

( ولا يسهم لأكثر من فرسين ) نص عليه ، لما روى الأوزاعي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسهم للخيل ، وكان لا يسهم للرجل فوق فرسين ، وإن كان معه عشرة أفراس . ولأن به حاجة إلى الثاني ، بخلاف الثالث ، فإنه مستغن عنه . وفي " التبصرة " يسهم لثلاثة ( ولا يسهم لغير الخيل ) من البغال والفيل ونحوها ، لأن غير الخيل لا يلحق بها في التأثير في الحرب ، ولا تصلح للكر والفر ، فلم يلحق بها في السهم ( وقال الخرقي : من غزا على بعير لا يقدر على غيره ، قسم له ولبعيره سهمان ) نقله الميموني ، واختاره ابن البنا . وظاهره أنه لا يسهم للبعير مع إمكان الغزو على فرس . ولكن نص في رواية منها أنه يسهم للبعير مطلقا ، واختاره القاضي ، وأكثر أصحابه لقوله - تعالى - فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب . ولأنه حيوان سابق عليه بعوض ، فجاز أن يسهم له ، كالخيل . فعلى هذا : يسهم له سهم واحد ، وهو قول الجمهور ؛ لأنه لا يساوي الخيل قطعا فاقتضى أن ينقص عنها . وظاهر كلام بعضهم أنه يسهم له كفرس . وبه قطع في " الأحكام السلطانية " . وشرطه أن يكون مما يمكن القتال عليه ، فإن كان ثقيلا لا يصلح إلا للحمل ، لم يستحق شيئا ، وفي " الأحكام السلطانية " للفيل سهم الهجين على [ ص: 369 ] اختلاف الرواية في قدره . وغلطه الزركشي . والصحيح الأول ، وحكاه ابن المنذر إجماعا ؛ لأنه لم ينقل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أسهم لغير الخيل ، مع أنه كان في غزوة بدر سبعون بعيرا ، ولم تخل غزوة منها ، ولو أسهم لها لنقل .

فرع : إذا غزا على فرس لهما هذا عقبة ، وهذا عقبة ، والسهم لهما ، فلا بأس ، نص عليه ، ولو غزا على فرس حبيس ، استحق سهمه ( ومن دخل دار الحرب راجلا ، ثم ملك فرسا ، أو استعاره ، أو استأجره ، وشهد به الوقعة ، فله سهم فارس ) لأن العبرة باستحقاق سهم الفرس أن يشهد الوقعة ، لا حالة دخول دار الحرب ، ولأن الفرس حيوان يسهم له ، فاعتبر وجوده حالة القتال كالآدمي ، ولقول عمر . وظاهره أنه لا يشترط ملك الفرس ؛ بل يكفي في ذلك ملك منفعتها ؛ لأن السهم لنفع الفرس لا لذاتها بدليل أنه لا يسهم للضعيف والزمن ونحوه . وسهم الفرس في الإجارة للمستأجر بغير خلاف نعلمه ؛ لأنه مستحق لنفعه استحقاقا لازما أشبه المالك ، وكذا هو للمستعير ، وعنه : هو لمالكه ؛ لأنه من نمائه أشبه ولده فإن كان المستأجر والمستعير ممن لا يسهم له ، إما لكونه لا شيء له كالمخذل أو ممن يرضخ له كالصبي فحكمه حكم فرسه ذكره في " المغني " و " الشرح " .

( وإن دخل فارسا فنفق فرسه ) أي : مات ، ولا يقال ذلك لغيرها . ( أو شرد حتى تقضى الحرب ، فله سهم راجل ) كما ذكرنا ( ومن غصب فرسا فقاتل عليه فسهم الفرس لمالكه ) نص عليه ؛ لأن استحقاق سهم الفرس مرتب على نفعه ، وهو لمالكه ، فإن كان الغاصب ممن لا سهم له ، إما مطلقا كالمرجف أو يرضخ له [ ص: 370 ] كالعبد احتمل أن يكون حكم الفرس حكمه ؛ لأن الفرس يتبع الفارس في حكمه فيتبعه إذا كان مغصوبا ، واحتمل أن يكون سهم الفرس لمالكه ؛ لأن الجناية من راكبه فيختص المنع به . ذكره في " الشرح " .

( وإذا قال الإمام : من أخذ شيئا فهو له ، أو فضل بعض الغانمين على بعض ؛ لم يجز في إحدى الروايتين ) . جزم به في " الوجيز " وصححه ابن المنجا في الأولى ؛ لأنه - عليه السلام - والخلفاء من بعده كانوا يقسمون الغنائم ، ولأن ذلك يفضي إلى اشتغالهم بالنهب عن القتال وظفر العدو بهم ، ولأن الغزاة اشتركوا في الغنيمة على سبيل التسوية ، فيجب كسائر الشركاء ؛ وحينئذ لا يستحقه من أخذه . ( ويجوز في الأخرى ) أما أولا ، فلقوله - عليه السلام - في بدر : من أخذ شيئا فهو له ورد بأن قضية بدر لما اختلفوا فيها نسخت بقوله - تعالى - يسألونك عن الأنفال الآية ، وأما ثانيا - وهي الأصح - : إذا كان التفضيل لمعنى فيه ، فلأنه يجوز للإمام أن ينفل ويعطي السلب ، فجاز له التفضيل قياسا عليهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية