صفحة جزء
[ ص: 375 ] والغال من الغنيمة يحرق رحله كله إلا السلاح والمصحف والحيوان ؛ وما أخذ من الفدية أو أهداه الكفار لأمير الجيش أو بعض قواده ، فهو غنيمة .


( والغال من الغنيمة ) وهو من كتم ما غنمه ، أو بعضه ، فيجب أن ( يحرق رحله كله . قاله الحسن ) وجماعة لما روى عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر حرقوا متاع الغال . رواه أبو داود . ولحديث عمر بن الخطاب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بذلك . رواه سعيد والأثرم ، واختار جماعة أن ذلك من باب التعزير لا الحد الواجب ، فيجتهد الإمام بحسب المصلحة قال في " الفروع " : وهو أظهر . فعلى ما ذكره يختص التحريق بالمتاع الذي غل ، وهو معه ، فلو استحدث متاعا ، أو رجع إلى بلده وله فيه متاع ، لم يحرق ، وكما لو انتقل عنه ببيع ، أو هبة في الأشهر . وهذا إذا كان حيا حرا مكلفا ملتزما . جزم به صاحب " الوجيز " و " الآدمي " البغداديان ، ولو أنثى أو ذميا . وظاهره أنه لا ينفى ، نص عليه ، بل يضرب للخبر ، وفي السارق : لا يحرق متاعه ، وقيل : بلى ، جزم به في " التبصرة " . ( إلا السلاح ) لأنه يحتاج إليه في القتال ( والمصحف ) لحرمته . وشمل الجلد ، والكيس ، وما هو تابع له ، وقيل : يباع ويتصدق بثمنه ؛ لقول سالم : بعه وتصدق بثمنه . والأصح : وكتب العلم ؛ لأنه ليس القصد الإضرار به في دينه ، بل في بعض دنياه . ( والحيوان ) لنهيه - عليه السلام - أن يعذب بالنار إلا ربها ، وعدم دخوله في مسمى المتاع المأمور بإحراقه ، وكذا آلتها ، نص عليه ؛ لأنه يحتاج إليها ، وكذا نفقته ؛ لأنه لا يحرق عادة ، وكسهمه وثيابه التي عليه ، لئلا يترك عريانا ، وقيل : ساتر عورته . جزم به في " الوجيز " . وظاهره أنه لا يحرم سهمه ، لعدم ذكره في أكثر الروايات ، وعنه : بلى ، اختاره الآجري ، ولم يستثن إلا المصحف والدابة ، وأنه قول أحمد .

[ ص: 376 ] فرع : ما أبقت النار من حديد ونحوه ، فهو له ، فإذا تاب قبل القسمة ، رد ما أخذه في الغنيمة ، وبعدها يعطي الإمام خمسه ، ويتصدق بالباقي . وقال الشافعي : لا أعرف للصدقة وجها . قال الآجري : يأتي به الإمام فيقسمه في مصالح المسلمين ، ومن ستر على الغال وأخذ ما أهدي له منها ، أو باعه إمام ، أو حاباه ، فهو غال .

( وما أخذ من الفدية ) أي : من فدية الأسارى ، فهو غنيمة بغير خلاف نعلمه ؛ لأنه - عليه السلام - قسم فداء أسارى بدر بين الغانمين ، ولأنه مال حصل بقوة الجيش أشبه السلاح ( أو أهداه الكفار ) أو واحد منهم ( لأمير الجيش أو بعض قواده ) جمع قائد ؛ وهو نائبه ( فهو غنيمة ) أي : للجيش ، نص عليه ؛ لأنه فعل ذلك خوفا من الجيش ، فيكون غنيمة كما لو أخذه بغيرها . وشرطه أن يكون ذلك في دار الحرب ، وعنه : هو للمهدى له ، وقيل : فيء ؛ لأنه مال لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب ، فلو كانت بدارنا ، فهي لمن أهديت إليه ؛ لأنه - عليه السلام - قبل هدية المقوقس ، واختص بها ، وقيل : فيء ، واقتضى ذلك أن الهدية لأحد الرعية في دارهم يختص بها ، كما لو أهدي إليه إلى دار الإسلام ، وقال القاضي : هو غنيمة ، وفي " الشرح " احتمال إن كان بينهما مهاداة قبل ذلك ، فهي له ، وإلا فهي للمسلمين كهدية القاضي ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية