صفحة جزء
[ ص: 377 ] باب حكم الأرضين المغنومة وهي على ثلاثة أضرب : أحدها ما فتح عنوة وهي ما أجلي عنها أهلها بالسيف ، فيخير الإمام بين قسمها ووقفها على المسلمين ، ويضرب عليها خراجا مستمرا يؤخذ ممن هي في يده يكون أجره لها ، وعنه : تصير وقفا بنفس الاستيلاء ، وعنه : تقسم بين الغانمين . الثاني : ما جلا عنها أهلها خوفا ، فتصير وقفا بنفس الظهور عليها ، وعنه : حكمها حكم العنوة . الثالث : ما صولحوا عليه وهو ضربان ، أحدهما : أن يصالحهم على أن الأرض لنا ونقرها معهم بالخراج ، فهذه تصير وقفا أيضا . الثاني : أن نصالحهم على أنها لهم ، ولنا الخراج عليها ، فهذه ملك لهم خراجها كالجزية ، إن أسلموا سقط عنهم ، وإن انتقلت إلى مسلم ، فلا خراج عليه ويقرون فيها بغير جزية لأنهم في غير دار الإسلام بخلاف التي قبلها .


باب حكم الأرضين المغنومة .

( وهي على ثلاثة أضرب ، أحدها : ما فتح عنوة ) أي : قهرا ، وغلبة ، وهو من عنا يعنو : إذا ذل وخضع ، وشرعا ( هي ما أجلي عنها أهلها بالسيف ) وهو نوعان أحدهما : ما استأنف المسلمون فتحه عنوة ( فيخير الإمام بين قسمها ) على الغانمين كالمنقول ( ووقفها على المسلمين ) أي : على جميعهم ؛ لأن كلا ورد فيه خبر ، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قسم نصف خيبر ، ووقف نصفها لنوائبه . رواه أبو داود من حديث سهل بن أبي حثمة . ووقف عمر الشام ، ومصر ، والعراق ، وسائر ما فتحه ، وأقره الصحابة ، ومن بعدهم على ذلك ، وعن عمر قال : أما والذي نفسي بيده لولا أن أترك آخر الناس ببانا لا شيء لهم ما فتحت علي قرية إلا قسمتها كما قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيبر ، ولكني أتركها خزانة لهم يقتسمونها . رواه البخاري فيلزم الإمام فعل الأصلح كالتخيير في الأسارى فإن قسمها لم يحتج إلى لفظ ، ولم يضرب عليها خراجا ؛ لأنها ملك أربابها ، وتصير أرض عشر . وإن وقفها اعتبر بلفظه به . وفي " المغني " و " الشرح " : لا يحتاج إلى النطق به بل لو تركها للمسلمين صار كالقسمة ( و ) حينئذ ( يضرب عليها خراجا مستمرا يؤخذ ) في كل عام لقول عمر ( ممن هي في يده يكون أجره لها ) أي : ممن تقر معه من مسلم أو ذمي كالأجرة . ولا يسقط خراجها بإسلام أربابها ، ولا بانتقالها إلى مسلم ؛ لأنه بمنزلة أجرتها ، وفي " المجرد " : أو يملكها لأهلها أو غيرهم بخراج فدل كلامهم أنه لو [ ص: 378 ] ملكها بغير خراج كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في مكة لم يجز ، وقاله أبو عبيد ؛ لأنها مسجد لجماعة المسلمين ، وهي مناخ من سبق بخلاف بقية البلدان . ( وعنه : تصير وقفا بنفس الاستيلاء ) لما روى أبو عبيد في كتاب " الأموال " عن الماجشون قال بلال لعمر بن الخطاب في القرى التي افتتحوها عنوة : اقسمها بيننا ، وخذ خمسها ، فقال عمر : لا ، ولكني أحبسها فتجري عليهم ، وعلى المسلمين ، فقال بلال وأصحابه : اقسمها ، فقال عمر : اللهم اكفني بلالا وذويه . فما حال الحول وفيهم عين تطرف قال القاضي : ولم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أحد من الخلفاء أنه قسم أرضا أخذت عنوة إلا خيبر . ولأنه أنفع للمسلمين ، وتكون أرض عشر . ( وعنه : تقسم بين الغانمين ) لأنه - عليه السلام - فعله . وفعله أولى من فعل غيره . يؤيده عموم قوله تعالى : واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه الآية [ الأنفال : 41 ] . فأضاف الغنيمة إليهم من غير تعيين جنس المال ؛ فدل على التسوية بالمنقول .

تنبيه : ما فعله الإمام من وقف وقسمة ، فليس لأحد نقضه ، ذكره في " المغني " و " الشرح " ويأتي حكم البيع .

( الثاني : ما جلا عنها خوفا ) وفزعا منا ( فتصير وقفا بنفس الظهور عليها ) لأنها ليست غنيمة فتقسم ، فيكون حكمها حكم الفيء ، أي : للمسلمين كلهم ( وعنه : حكمها حكم العنوة ) لأنه مال ظهر عليه المسلمون بقوتهم ، فلا يكون وقفا بنفس الاستيلاء ، كالمنقول ، فعلى هذه الرواية تجري فيها الروايات السابقة ، قاله ابن المنجا ، لكن لا تصير وقفا إلا بوقف الإمام لها ، صرح به الجماعة ؛ لأن الوقف لا يثبت بنفسه . فعلى هذا حكمها قبل وقف الإمام كالمنقول ، يجوز بيعها ، والمعاوضة بها ، وعلى الأولى يمتنع .

[ ص: 379 ] ( الثالث : ما صولحوا عليه ، وهو ضربان أحدهما : أن يصالحهم على أن الأرض لنا ، ونقرها معهم بالخراج ، فهذه تصير وقفا أيضا ) لأنه - عليه السلام - فتح خيبر ، وصالح أهلها أن يعمروا أرضها ، ولهم نصف ثمرتها ، فكانت للمسلمين دونهم ، قاله في " الشرح " وهو شبيه بفعل عمر في أرض السواد فيكون حكم هذه كالتي قبلها ، وهل تصير وقفا بنفس الصلح ، أم بوقف الإمام مع الفوائد ؛ وهما دارا إسلام يجب [ على ساكنهما من أهل الذمة ] الجزية ونحوها .

( الثاني : أن نصالحهم على أنها لهم ، ولنا الخراج عليها ) فهو صلح صحيح لا مفسدة فيه ( فهذه ملك لهم ) أي : لأربابها ، وتصير دار عهد ( خراجها كالجزية ) التي تؤخذ على رءوسهم ما دامت بأيديهم ( إن أسلموا سقط عنهم ) لأن الخراج الذي ضرب عليها إنما كان لأجل كفرهم ، فيسقط بالإسلام كالجزية ، وتبقى الأرض ملكا لهم بغير خراج يتصرفون فيها كيف شاءوا ( وإن انتقلت إلى مسلم فلا خراج عليه ) لأنه قصد بوضعه الصغار ، فوجب سقوطه بالإسلام ، كالجزية ، فإن صارت لذمي ، فوجهان . أحدهما - وهو ظاهر كلامهم - : لا يسقط ؛ لأنه بالشراء رضي بدخوله فيما دخل عليه البائع بالحق فكأنه التزمه . والثاني : يسقط لعدم التزامه به . وعنه : لا يسقط خراجها بإسلام ولا غيره ؛ لأنه حق على رقبة الأرض ، فهو كالخراج الذي ضربه عمر ، وكذا في " الترغيب " وذكر فيما صالحناهم على أنه لنا ، ونقره معهم بخراج : لا يسقط خراجه بإسلام ، وعنه : بلى كجزية ( ويقرون فيها ) أي : في الأرض التي صولحوا على أنها لهم ( بغير [ ص: 380 ] جزية لأنهم في غير دار الإسلام ، بخلاف التي قبلها ) أي : لا يقرون في الأرض التي صولحوا على أنها لنا إلا بجزية ؛ لأن الدار دار إسلام ، فلا بد فيها من التزام الجزية .

التالي السابق


الخدمات العلمية