صفحة جزء
[ ص: 194 ] فصل في صفة الغسل

وهو ضربان : كامل يأتي فيه بعشرة أشياء : النية والتسمية ، وغسل يديه ثلاثا ، وغسل ما به من أذى ، والوضوء ، ويحثي بالماء على رأسه ثلاثا يروي بها أصول الشعر ، ويفيض الماء على سائر جسده ثلاثا ، ويبدأ بشقه الأيمن ، ويدلك بدنه بيده ، وينتقل من موضعه فيغسل قدميه ومجزئ . وهو أن يغسل ما به من أذى ، وينوي ، ويعم بدنه بالغسل ويتوضأ بالمد ، ويغتسل بالصاع . فإن أسبغ بدونهما أجزأه وإذا اغتسل ينوي الطهارتين ، أجزأ عنهما . وعنه : لا يجزئه حتى يتوضأ ، ويستحب للجنب إذا أراد النوم أو الأكل أو الوطء ثانيا أن يغسل فرجه ويتوضأ .


فصل في صفة الغسل .

لما تمم الكلام على الواجب والمستحب ، شرع في بيان صفته ، والعلم بالموصوف متقدم على العلم بالصفة ( وهو ضربان : كامل ) سمي كاملا لاشتماله على الواجبات والسنن ( يأتي فيه بعشرة أشياء ) وكذا في " المحرر " و " الوجيز " وجعلها في " الكافي " تسعة ، وفيه حديث عائشة ، وميمونة متفق عليهما .

( النية ) وهو أن ينوي رفع الحدث ، أو استباحة ما لا يشرع إلا به ، كقراءة القرآن ، ونحوها ( والتسمية ) قال أصحابنا : هي هنا كالوضوء قياسا لإحدى الطهارتين على الأخرى ، وفي " المغني " أن حكمها هنا أخف ، لأن حديث التسمية إنما تناول بصريحه الوضوء لا غير ، انتهى ، ويتوجه عكسه ، لأن غسل الجنابة وضوء وزيادة ، ولم يذكرها الخرقي هنا نظرا للحدثين ( وغسل يديه ثلاثا ) كما في الوضوء ، لكن هنا آكد باعتبار رفع الحدث عنهما بذلك ، ولفعله عليه السلام في حديث ميمونة : فغسل كفيه مرتين أو ثلاثا ، ويكون قبل إدخالهما الإناء ، ذكره في " الكافي " وغيره .

( وغسل ما به من أذى ) لحديث عائشة ، ثم يفرغ بيمينه على شماله فيغسل فرجه ، وظاهره لا فرق بين أن يكون على فرجه ، أو بقية بدنه ، نجسا كان ، كما صرح به في " المحرر " أو طاهرا مستقذرا كالمني كما ذكره بعضهم ، وهو المراد بقوله في " الوجيز " و " الفروع " وغسل ما لوثه .

[ ص: 195 ] ( والوضوء ) الكامل لقوله عليه السلام : ثم يتوضأ وضوءه للصلاة وعنه : يؤخر غسل رجليه لحديث ميمونة : ثم تنحى عن مقامه فغسل رجليه وعنه : هما سواء لمجيء السنة بهما ، والعمل على الأول ، لحديث عائشة ، لأنه إخبار عن غالب فعله ، وميمونة أخبرت عن غسل واحد .

( ويحثي ) يقال : حثوت ، أحثو حثوا ، كغزوت ، وحثيت أحثي حثيا كرميت ( بالماء على رأسه ثلاثا ) يعني : بالماء لقول ميمونة : ثم أفرغ على رأسه ثلاث حفنات ( يروي بها ) في كل مرة ( أصول الشعر ) لقول عائشة : ثم يأخذ الماء فيدخل أصابعه في أصول الشعر حتى إذا رأى أنه قد استبرأ حفن على رأسه ثلاث حفنات ، ولقوله عليه السلام : تحت كل شعرة جنابة ، فاغسلوا الشعر ، وأنقوا البشرة رواه أبو داود .

( ويفيض الماء على سائر جسده ثلاثا ) لقول عائشة رضي الله عنها : ثم أفاض على سائر جسده ، ولقول ميمونة رضي الله عنها : ثم غسل سائر جسده ، وما ذكره من التثليث فيه هو الصحيح ، وجزم به في " المحرر " و " الوجيز " وقيل : مرة ، ولم يرجح في " الفروع " شيئا ( ويبدأ بشقه الأيمن ) لأنه عليه السلام كان يعجبه التيامن في طهوره ( ويدلك بدنه بيده ) لأنه أنقى ، وبه يتيقن وصول الماء إلى مغابنه وجميع بدنه ، وبه يخرج من الخلاف .

( وينتقل من موضعه ) فيعيد ( غسل قدميه ) لقول ميمونة : ثم تنحى عن مقامه فغسل رجليه وقيل : لا يعيد غسلهما إلا لطين ، ونحوه كالوضوء ، وعنه : [ ص: 196 ] يخير لورودهما ، وظاهر إحدى روايات حديث عائشة : أنه جمع بينهما ، وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب ، قاله الزركشي .

فرع : يستحب أن يخلل أصول شعر رأسه ، ولحيته بماء قبل إفاضته عليه ، قاله في " المغني " و " الشرح " .

ويكفي ظن وصول الماء إلى ما يجب غسله أو مسحه ، قال بعضهم : ويحرك خاتمه ليتيقن وصول الماء .

( ومجزئ ) أي : كاف ( وهو أن يغسل ما به من أذى ) ظاهره يقتضي أن صحة الغسل متوقفة على الحكم بزوال النجاسة ، سواء كانت على فرجه أو غيره ، وهو ظاهر كلام " المستوعب " وقد تبعا أبا الخطاب ، لكن عبارته أبين ، فإنه قال : يغسل فرجه ، ثم ينوي ، وكذا قال ابن عبدوس ، ومنهم من حمل كلامهما على ما قال أبو الخطاب ، ويكون المراد به الاستنجاء بشرط تقدمه على الغسل ، كما هو في الوضوء ، لكن قال الزركشي : يشكل هذا على المؤلف ، فإنه اختار ثم إنه لا يجب تقديم الاستنجاء ، وعلى الخرقي : بأنه لا بد من تقدمه ، وظاهر المذهب : أنه لا يشترط ذلك في المجزئ ، فعلى هذا يرتفع الحدث مع بقاء النجاسة ، وصرح به ابن عقيل ، وهو المشهور ، ونص أحمد أن الحدث لا يرتفع إلا مع آخر غسلة طهرت المحل فيعضد الأول ، ثم هل يرتفع الحدث مع بقاء النجاسة أو لا يرتفع إلا مع الحكم بزوالها ؛ فيه قولان . ثم محلهما ما لم تكن النجاسة كثيفة تمنع وصول الماء ، فإن منعته فلا ( وينوي ) أي : يقصد رفع الحدث ، أو استباحة أمر لا يباح إلا بها كمس المصحف ( ويعم بدنه بالغسل ) لقوله تعالى وإن كنتم جنبا فاطهروا [ المائدة 6 ] ، ولما روى جابر : أن أناسا [ ص: 197 ] قدموا على النبي - صلى الله عليه وسلم - فسألوا عن غسل الجنابة ، وقالوا : إنا بأرض باردة ، فقال : إنما يكفي أحدكم أن يحفن على رأسه ثلاث حفنات رواه مسلم ، وظاهره : الاجتزاء بالتطهير ، والاغتسال من غير وضوء .

والمراد بتعميمه الظاهر جميعه ، وما في حكمه ، من غير ضرر كالفم والأنف ، وتركهما هنا اعتمادا على ما سبق ، وصرح به الخرقي ، وأن يغسل البشرة التي تحت الشعور كالرأس ، واللحية ، وإن كانت كثة ، وذكر الدينوري أن باطن اللحية الكثة في الجنابة كالوضوء .

ويجب غسل الشعر ظاهره ، وباطنه مع مسترسله في ظاهر قول أصحابنا .

والثانية : لا يجب غسل المسترسل ، ورجحه في " المغني " و " الشرح " فعلى الأول : إن ترك غسل شيء منه لم يتم غسله ، فلو غسله ثم تقطع لم يجب غسل موضع القطع ، ولم يتعرض المؤلف لنقض الشعر ، والمنصوص : أنه يجب نقضه في الحيض ، قال في " الشرح " : رواية واحدة لقول عائشة رضي الله عنها : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها - وكانت حائضا - انقضي شعرك ، واغتسلي .

رواه ابن ماجه بإسناد صحيح ، وعن أم سلمة رضي الله عنها نحوه رواه مسلم ، لأن مدة الحيض تطول فيتلبد ، فشرع النقض طريقا موصلا إلى وصول الماء إلى أصول الشعر ولا يتكرر ، بخلاف الجنابة ، وعنه : لا يجب كالجنابة ، وصححه في " المغني " و " الشرح " واختاره ابن عبدوس ، وابن عقيل في التذكرة ، وروى مسلم من رواية عبد الرزاق عن أم سلمة : أفأنقضه من [ ص: 198 ] الحيض والجنابة ؛ قال : لا ، وفيه وجه : يجب كالحيض ، وقيده ابن الزاغوني بما إذا طال وتلبد ، والنفساء كالحائض ، أما إذا كان على رأس إحداهن ما يمنع وصول الماء كالسدر ، ونحوه ، وجب نقضه ، والرجل كالمرأة ، ذكره في " المغني " ، وكذا يجب غسل حشفة الأقلف إذا أمكن تشميرها ، كما يجب تطهيرها من النجاسة بخلاف الرتق ، وكذا ما يظهر من فرجها عند قعودها لحاجتها ، لأنه يمكن تطهيره من غير ضرر ، كحشفة الأقلف ، ونص أحمد : أنه لا يجب غسله مطلقا ، لأنه من الباطن أشبه الحلقوم ، وكذلك يثبت الفطر بحصول الحشفة فيه ، لكن حمله القاضي على ما عمق منه ، ظاهره : أنه لا تسمية - وقد تقدمت - ولا ترتيب ، وهو كذلك اتفاقا ، قال أحمد : إذا انغمس الجنب مرة واحدة ، ثم تمضمض ، واستنشق أجزأه بخلاف المحدث ، ولا موالاة على الأصح للحاجة إلى تفريقه كثيرا ، ولكثرة المشقة بإعادته ، ولخبر اللمعة ، وحيث فاتت الموالاة فيه أو في وضوء ، وقلنا : يجوز ، فلا بد للإمام من نية مستأنفة بناء على أن من شرط النية الحكمية قرب الفعل منها ، كحالة الابتداء ، فدل على الخلاف . ولا دلك ، وقد أوجبه مالك حيث يناله ، لأنه لا يقال : اغتسل إلا لمن دلك نفسه ، ولأنها طهارة عن حدث ، فوجب فيها إمرار اليد كالتيمم ، مع أن أحمد قال في رواية أبي داود ، وسأله رجل عن إمرار اليد فقال : إذا اغتسل بماء بارد في الشتاء أمر يده ، لأن الماء ينزلق عن البدن في الشتاء ، والجواب عن التيمم بأنه أمرنا بالمسح ، ويتعذر في الغالب إمرار التراب بغير اليد ، فإن علم أن الماء لم يصل إلى محله ، فيجب ، كباطن الشعور الكثيفة .

[ ص: 199 ] تذنيب : يستحب السدر في غسل الحيض ، وظاهر نقل الميموني ، وكلام ابن عقيل : يجب ، وأن تأخذ مسكا فتجعله في قطنة أو شيء ، وتجعلها في فرجها بعد غسلها ، فإن لم تجد فطيبا ، فإن لم يكن فطينا ، ولم يذكره المؤلف ، ليقطع الرائحة ، وقال أحمد : غسل حائض ونفساء ، كميت . قال القاضي في " الجامع " معناه : يجب مرة ، ويستحب ثلاثا ، ويكون السدر والطيب كغسل الميت .

( ويتوضأ بالمد ) وهو رطل وثلث عراقي ، وبالدرهم : مائة وواحد وسبعون درهما ، وثلاثة أسباع درهم ( ويغتسل بالصاع ) وهو أربعة أمداد ، فيكون خمسة أرطال وثلثا بالعراقي ، نص عليه ، لما روى أنس : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتوضأ بالمد ، ويغتسل بالصاع متفق عليه ، وقال لكعب : أطعم ستة مساكين فرقا من طعام قال أبو عبيدة : لا اختلاف بين الناس أعلمه أن الفرق ثلاثة آصع ، والفرق : ستة عشر رطلا بالعراقي ، وأومأ أحمد في رواية ابن مشيش أنه ثمانية أرطال من الماء ، اختاره في " الخلاف " ، و " منتهى الغاية " لا مطلقا .

تنبيه : الرطل العراقي مائة درهم وثمانية وعشرون وأربعة أسباع درهم ، وهو تسعون مثقالا ، والمثقال درهم وثلاثة أسباع درهم ، هكذا كان قديما ، ثم إنهم زادوا فيه مثقالا فجعلوه أحدا وتسعين مثقالا ، وكمل مائة وثلاثين درهما ، وقصدوا بذلك زوال الكسر ، والعمل على الأول ، لأنه الذي كان وقت تقدير العلماء المد به ، وهو بالدمشقي : ثلاثة أواق ، وثلاثة أسباع أوقية ، والصاع : رطل وأوقية ، وخمسة أسباع أوقية ، وإن شئت : رطل وسبع رطل ( فإن أسبغ بدونهما أجزأه ) في المنصوص ، لحديث عائشة ، قالت : كنت أغتسل أنا والنبي [ ص: 200 ] - صلى الله عليه وسلم - من إناء واحد يسع ثلاثة أمداد أو قريبا من ذلك رواه مسلم ، وفي كراهته وجهان ، وذكر ابن تميم أن أحمد أومأ إلى عدم الإجزاء لما روى جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : يجزئ من الوضوء المد ، ومن الغسل الصاع رواه أحمد ، والأثرم ، فدل على أنه لا يحصل الإجزاء بدونه .

وجوابه أن الله تعالى أمر بالغسل ، وقد أتى به ، فوجب أن يجزئه بدليل حديث عائشة ، وبما روت أم عمارة بنت كعب : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ ، فأتي بماء في إناء قدر ثلثي المد رواه أبو داود ، والنسائي ، وحديثهم يدل بمفهومه ، وهذا بالمنطوق ، وهو مقدم عليه اتفاقا .

مسألة : إذا زاد على ذلك جاز ، لكن يكره الإسراف والزيادة الكثيرة فيه ، قاله في " المغني " و " الشرح " لما روى ابن عمر : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر على سعد ، وهو يتوضأ فقال : ما هذا السرف ؛ فقال : أفي الماء إسراف ؛ قال : نعم ، وإن كنت على نهر جار رواه ابن ماجه .

( وإذا اغتسل ينوي الطهارتين ) وقال الأزجي والشيخ تقي الدين ( أجزأ عنهما ) على المنصوص ، ولم يلزمه ترتيب ، ولا موالاة ، لأن الله تعالى أمر الجنب بالتطهير ، ولم يأمر معه بوضوء ، ولأنهما عبادتان ، فتداخلا في الفعل دون النية ، كما تدخل العمرة في الحج ، ولا يرد غسل الحائض الجنب ، لأن موجبهما واحد ( وعنه : لا يجزئه ) عن الأصغر ( حتى يتوضأ ) قبل الغسل ، [ ص: 201 ] أو بعده ، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ لما اغتسل ، وفعله يفسر الآية ، ولأنهما عبادتان مختلفتا القدر ، والصفة فلم تتداخلا ، كالحدود ، والكفارات ، وقال أبو بكر : يتداخلان إذا أتى بخصائص الصغرى ، وهي الترتيب ، والموالاة ، والمسح ، فلو غسل وجهه ، ثم يديه ، ثم مسح رأسه حين أفاض عليه الماء ، ثم غسل رجليه أجزأه ، والأول : أصح لقول الله تعالى ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا [ النساء 43 ] فجعل الاغتسال نهاية المنع من الصلاة ، فيجب إذا اغتسل أن تجوز له الصلاة ، لا يقال : النهي هنا عن قربان مواضع الصلاة ، وذلك يزول بالاغتسال ، لأنا نقول : هو نهي عن الصلاة ، وعن مسجدها ، ولا يجوز حمله على المسجد فقط ، لأن سبب نزول الآية صلاة من صلى بهم ، وخلط في القراءة ، وسبب النزول يجب أن يكون داخلا في الكلام ، وسئل جابر : أيتوضأ الجنب بعد الغسل ؛ قال : لا ، وعن ابن عمر نحوه ، رواهما سعيد . فإن نوى أحدهما ارتفع وحده ، وعلى الأول : لو نوى رفع الحدث أو استباحة الصلاة أو أمرا لا يباح إلا بوضوء ، واغتسل ، ارتفعا ، وظاهر كلام جماعة عكسه ، كالثانية ، قال ابن حامد : الجنابة المجردة عن حدث قبلها أو بعدها ، لا يجب سوى الغسل . ذكره ابن عبد البر إجماعا ، وذكر في " الشرح " : لو اغتسل إلا أعضاء الوضوء ، لم يجب الترتيب فيها ، لأن حكم الجنابة باق ، وقال ابن عقيل والآمدي فيمن غسل جميع بدنه إلا رجليه ، ثم أحدث ، يجب الترتيب في الأعضاء الثلاثة ، لانفرادها في الأصغر دون الرجلين لبقاء حدث الجنابة عليهما ، فيغسلهما عن الجنابة ، ثم يتوضأ في بقية أعضائه .

وإن نوت من انقطع حيضها بغسلها حل الوطء صح ، وقيل : لا ، لأنها إنما نوت ما يوجب الغسل ، وهو الوطء . ذكره أبو المعالي .

[ ص: 202 ] ( ويستحب للجنب ) ولو أنثى ، وحائض ، ونفساء بعد انقطاع الدم ( إذا أراد النوم أو الأكل ) أو الشرب أو ( الوطء ثانيا أن يغسل فرجه ) لإزالة ما عليه من الأذى ( ويتوضأ ) روي ذلك عن علي ، وابن عمر رضي الله عنهما . أما كونه يستحب بالنوم فلما روى ابن عمر قال : يا رسول الله أيرقد أحدنا وهو جنب ، قال : نعم إذا توضأ فليرقد وعن عائشة قالت : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن ينام وهو جنب ، غسل فرجه ، وتوضأ وضوءه للصلاة متفق عليهما ، وفي كلام أحمد ما يقتضي وجوبه ، قاله الشيخ تقي الدين ، والأصح خلافه لما روت عائشة قالت : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ينام وهو جنب ، ولا يمس ماء رواه الخمسة . قال يزيد بن هارون : هذا الحديث وهم ، وضعفه أحمد وغيره ، وصححه آخرون فيحمل على الجواز ، والأولان على الاستحباب للجمع ، ويكره تركه في الأصح .

وأما كونه يستحب للأكل والشرب ، فلما روت عائشة قالت : رخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للجنب إذا أراد أن يأكل أو يشرب أن يتوضأ وضوءه للصلاة رواه أحمد بإسناد صحيح ، وعنه : يغسل يديه ، ويتمضمض .

وأما كونه يستحب لمعاودة الوطء ، فوفاقا لما روى أبو سعيد قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا أتى أحدكم أهله ، ثم أراد أن يعاود ، فليتوضأ بينهما وضوءا رواه مسلم ، ورواه ابن خزيمة ، والحاكم ، وزاد فإنه أنشط للعود ولا يكره تركه في المنصوص فيهما ، وغسله عند كل مرة أفضل ، وعنه : أن ذلك خاص بالرجل ، لأن عائشة أخبرت عنه بالوضوء ، ولم تذكر أنها كانت تفعله [ ص: 203 ] ولا أمرها به مع اشتراكهما في الجنابة ، ومن أحدث بعده ، لم يعده في ظاهر كلامهم ، لتعليلهم بخفة الحدث أو بالنشاط ، وظاهر كلام شيخنا يتوضأ لمبيته على إحدى الطهارتين . قاله في " الفروع " .

مسائل : الأولى كره أحمد بناء الحمام ، وبيعه ، وإجارته ، وقال : من بنى حماما للنساء ليس بعدل ، وحرمه القاضي ، وحمله الشيخ تقي الدين على غير البلاد الباردة ، ويكره كسب الحمامي ، وفي " نهاية " الأزجي : لا .

الثانية : له دخوله بشرط أن يستر عورته ، ويغض بصره عن عوراتهم ، ولا يمس عورة أحد ، ولا يمكن أحدا من مس عورته ، وقال ابن البقاء : يكره ، وجزم به في " الغنية " ، واحتج بأن أحمد لم يدخله لخوف وقوعه في محرم ، وإن علمه حرم ، وفي " التلخيص " و " الرعاية " له دخوله مع ظن السلامة غالبا ، قال الشيخ تقي الدين : الأفضل تجنبها بكل حال مع الاستغناء عنها ، لأنها مما أحدث الناس من رقيق العيش .

الثالثة : للمرأة دخوله لعذر ، وإلا حرم ، نص عليه ) وكرهه بدونه جماعة ، وفي " عيون المسائل " لا يجوز لها دخوله إلا من علة يصلحها الحمام ، واعتبر القاضي ، والمؤلف مع العذر تعذر غسلها في بيتها لخوف ضرر ، ونحوه ، وظاهر كلام أحمد وجماعة خلافه ، وقيل : اعتياد دخولها عذر للمشقة ، وقيل : ولا تتجرد فتدخله في قميص خفيف ، أومأ إليه .

الرابعة : ثمن الماء على الزوج ، أو عليها ؛ أو ماء الجنابة عليه فقط ، أو عكسه ؛ فيه أوجه ، وماء الوضوء كالجنابة ، ذكره أبو المعالي ، قال في [ ص: 204 ] " الفروع " : ويتوجه : يلزم السيد شراء ذلك لرقيقه ، ولا يتيمم في الأصح .

الخامسة : تكره القراءة فيه في المنصوص ، ونقل صالح : لا يعجبني لنهي عمر عنه ، رواه ابن بطة ، وظاهره ولو خفض صوته ، وذكر ابن عبد البر قال : سئل مالك عن القراءة فيه ، فقال : القراءة بكل مكان حسن ، وليس الحمام بموضع قراءة ، فمن قرأ الآيات فلا بأس ، وكذا السلام في الأشهر ، ورخص فيه بعضهم كالذكر ، فإنه حسن لما روى النخعي أن أبا هريرة دخل الحمام فقال : لا إله إلا الله ، وعن سفيان قال : كانوا يستحبون لمن دخله أن يقول يا بر يا رحيم ، من علينا ، وقنا عذاب السموم . وسطحه ، ونحوه كبقيته قال في " الفروع " : ويتوجه فيه كصلاة .

السادسة : إذا اغتسل بحضرة أحد من بني آدم ، وجب عليه ستر عورته ، وإن لم يحضره أحد فينبغي أن يستتر بسقف أو حائط أو نحوهما ، وأن لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض ، قال الشيخ تقي الدين : وهو آكد ، فإن تجرد في الفضاء واغتسل ، جاز مع الكراهة ، وقيل : لا يكره كما لو استتر بحائط ، وذكر القاضي في كراهة كشف العورة للاغتسال في الخلوة روايتين .

السابعة : يكره الاغتسال في مستحم أو ماء عريانا ، وعنه : لا ، اختاره جماعة وفاقا ، وقال أحمد : لا يعجبني ، إن للماء سكانا ، قاله الحسن . رواه أبو حفص العكبري ، واحتج أبو المعالي للتحريم خلوة بهذا الخبر ، والله أعلم

التالي السابق


الخدمات العلمية