صفحة جزء
[ ص: 3 ] كتاب البيع ؛ وهو مبادلة المال بالمال لغرض التملك وله صورتان ؛ إحداهما : الإيجاب والقبول ، فيقول البائع : بعتك ، أو ملكتك ونحوهما . . . ويقول المشتري : ابتعت ، أو قبلت ، وما في معناهما ، فإن تقدم القبول الإيجاب جاز في إحدى الروايتين ، وإن تراخى القبول عن الإيجاب صح ما داما في المجلس ولم يتشاغلا بما يقطعه وإلا فلا . . . . . والثانية : المعاطاة مثل أن يقول : أعطني بهذا الدينار خبزا فيعطيه ما يرضيه ، أو يقول البائع : خذ هذا بدرهم فيأخذه ، وقال القاضي : لا يصح هذا إلا في الشيء اليسير .


كتاب البيع والأصل فيه قبل الإجماع قوله تعالى : وأحل الله البيع [ البقرة : 275 ] وأشهدوا إذا تبايعتم [ البقرة : 282 ] ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم [ البقرة : 198 ] أي : في مواسم الحج قاله ابن عباس ، ومن السنة ما رواه رفاعة أنه خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المصلى ، فرأى الناس يتبايعون ، فقال : يا معشر التجار فرفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه ، فقال : إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارا إلا من بر وصدق قال الترمذي حديث حسن صحيح .

والمعنى يقتضيه ؛ لأن حاجة الإنسان تتعلق بما في يد صاحبه ، ولا يبذله بغير عوض غالبا ، ففي تجويز البيع طريق إلى وصول كل واحد منهما إلى غرضه ، ودفع حاجته .

وهو مصدر : باع يبيع ، بمعنى ملك ، وبمعنى اشترى ، وكذا شرى يكون للمعنيين ، وقال الزجاج ، وغيره : باع وأباع بمعنى ، واشتقاقه من الباع في قول الأكثر ، منهم صاحب " المغني " و " الشرح " لأن كل واحد يمد باعه للأخذ والإعطاء ، ورد بأنه مصدر ، وهي غير مشتقة على الصحيح .

[ ص: 4 ] فإن أجيب بالتزام مذهب الكوفي بأنه مشتق من الفعل ، رد بأنه الفعل الذي منه المصدر لا فعل مصدر آخر ، وبأن الباع عينه واو بخلاف البيع ، فإن عينه ياء ، وشرط الاشتقاق موافقة الأصل والفرع ، ويجاب عنه بأن هذا من الاشتقاق الأكبر الذي يلحظ فيه المعنى فقط مع أن بعض المحققين لم يشترطه لقوله تعالى : قال إني لعملكم من القالين [ الشعراء : 168 ] من الاشتقاق الأكبر ؛ لأن ( قال ) من القول ، والقالين من " القلى " فالحروف لم تتفق والمعنى لم يتحد ، ومن جهة المعنى بالبيع في الذمة ؛ لانتفاء مد الباع فيه .

( وهو ) في اللغة : أخذ شيء وإعطاء شيء ، قاله ابن هبيرة ، وهو في الشرع ( مبادلة المال بالمال لغرض التملك ) فدخل فيه المعاطاة والقرض ؛ لأنه وإن قصد فيه التملك ، لكن المقصود الأعظم فيه الإرفاق ، ويخرج منه الإجارة ، وليس بمانع لدخول الربا ، وقال القاضي وابن الزاغوني : هو عبارة عن الإيجاب والقبول إذا تضمن عينين للتملك ، وأبدل السامري عينين بمالين ليحترز عما ليس بمال ، وليس بجامع لخروج بيع المعاطاة منه ، ولا مانع لدخول الربا فيه .

والأولى فيه : تمليك عين مالية أو منفعة مباحة على التأبيد بعوض مالي غير ربا ولا قرض ، ثم لبيع العين أقسام ، ولصحته ثلاثة أركان : العاقد ، وصيغة العقد ، والمعقود عليه .

( وله صورتان ) أي : ينعقد بكل منهما ( إحداهما : الإيجاب ) وهو الصادر من قبل البائع ( والقبول ) بفتح القاف ، وحكى في اللباب الضم ، وهو الصادر من قبل المشتري ( فيقول البائع بعتك أو ملكتك ونحوهما ) كوليتك ، أو [ ص: 5 ] أشركتك ، أو أعطيتك ( ويقول المشتري ابتعت ، أو قبلت ، وما في معناهما ) كأخذته أو اشتريته أو تملكته ؛ لأن الإيجاب والقبول صريحان فيه ، فانعقد بهما كسائر الصرائح ، وعنه يتعين بعت واشتريت فقط لصراحتهما كالنكاح ، وفهم منه أن القبول يعقب الإيجاب ( فإن تقدم القبول الإيجاب جاز في إحدى الروايتين ) جزم به في " الوجيز " ؛ لأن المعنى حاصل به فجاز كما لو تأخر ، وهذا إذا وجد ما يدل على البيع ، فلو قال : قبلت ابتداء ، ثم قال : بعتك لم ينعقد .

والثانية : لا يصح ، اختاره الأكثر ؛ لأن رتبته التأخر وكنكاح ، نص عليه وذكره في ( المحرر ) رواية واحدة ، وذكر ابن عقيل فيه رواية ، وعلى الأولى فيه تفصيل ذكره في " المغني " و " الشرح " و " الفروع " ، إذا تقدم بلفظ الماضي كابتعت منك ، فيصح على الأصح أو الطلب كبعني بكذا ، فيقول بعتك ، فالأشهر الصحة ، وعنه لا ينعقد كما لو تقدم بلفظ الاستفهام وفاقا ؛ لأنه ليس بقبول ولا استدعاء ، وهذه الصورة ليست بداخلة في كلام المؤلف ؛ لأنه لا يسمى قبولا .

( وإن تراخى القبول عن الإيجاب ، صح ما داما في المجلس ولم يتشاغلا بما يقطعه ) عرفا ؛ لأن حالة المجلس كحالة العقد ؛ بدليل أنه يكتفى بالقبض فيه لما يشترط قبضه ( وإلا فلا ) يصح فيما إذا تراخى عن الإيجاب حتى انقضى المجلس ؛ لأن العقد إنما يتم بالقبول ، فلم يتم مع تباعده عنه كالاستثناء ، وكذا إذا تشاغلا بما يقطعه ، لأنهما صارا معرضين عن البيع أشبه ما لو صرح بالرد [ ص: 6 ] ( والثانية المعاطاة ) نص عليه ، وجزم به أكثر الأصحاب لعموم الأدلة ، ولأن البيع موجود قبل الشرع ، وإنما علق الشرع عليه أحكاما ، ولم يعين له لفظا ، فوجب رده إلى العرف كالقبض والحرز ، ولم يزل المسلمون في أسواقهم وبياعاتهم على ذلك ، ولم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أحد من أصحابه استعمال إيجاب وقبول في بيعهم ، ولو استعمل لنقل نقلا شائعا ولبينه النبي - صلى الله عليه وسلم - لعموم البلوى به ، ولم يخف حكمه ( مثل أن يقول : أعطني بهذا الدينار خبزا فيعطيه ما يرضيه ، أو يقول البائع : خذ هذا بدرهم فيأخذه ) لأن الإيجاب والقبول إنما يرادان للدلالة على التراضي ، فإذا وجد ما يدل عليه من المساومة والمعاطاة قام مقامهما ، وأجزأ عنهما لعدم التعبد فيه .

والثانية : لا يصح ؛ لأن الرضى أمر خفي ، فأنيط بالصيغة وكالنكاح ، ولكن يستثنى منه البيع الضمين ، كما إذا قال : أعتق عبدك على كذا ( وقال القاضي : لا يصح هذا إلا في الشيء اليسير ) أي : في المحقرات خاصة ، وهو رواية ، واختارها ابن الجوزي ، لأن اعتبار ذلك في اليسير يشق ، فيسقط دفعا للمشقة وأصل ذلك قوله تعالى : إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم [ النساء : 29 ] هل المعتبر حقيقة الرضى ، فلا بد من صريح القول ، أو ما يدل عليه ، فيكتفى بما يدل على ذلك ؛ فيه قولان للعلماء قال في " الفروع " : ومثله وضع ثمنه عادة وأخذه ، وظاهره ولو لم يكن المالك حاضرا .

أصل : حكم الهبة والهدية والصدقة كذلك فتجهيز بنته بجهاز إلى زوج تمليك في الأصح .

التالي السابق


الخدمات العلمية