صفحة جزء
فإن اشترى ما لم يره ، ولم يوصف له ، أو رآه ، ولم يعلم ما هو ، أو ذكر له من صفته ما لا يكفي في السلم ، لم يصح البيع ، وعنه : يصح ، وللمشتري خيار الرؤية وإن ذكر له من صفته ما يكفي في السلم أو رآه ، ثم عقدا بعد ذلك بزمن لا يتغير فيه ظاهرا ، صح في أصح الروايتين ، ثم إن وجده لم يتغير ، فلا خيار له وإن وجده متغيرا فله الفسخ ، والقول في ذلك قول المشترين مع يمينه ، ولا يجوز بيع الحمل في البطن . . . . . . واللبن في الضرع ، والمسك في الفأر ، والنوى في التمر ، ولا الصوف على الظهر ، وعنه : يجوز بشرط جزه في الحال .


( فإن اشترى ما لم يره ولم يوصف له ، أو رآه ولم يعلم ما هو ، أو ذكر له من صفته ما لا يكفي في السلم لم يصح البيع ) في قول الجمهور لعدم العلم بالمبيع ( وعنه : يصح ) اختاره الشيخ تقي الدين لعموم قوله تعالى : وأحل الله البيع [ البقرة : 275 ] ولأن عثمان وطلحة تبايعا داريهما بالكوفة والمدينة فتحاكما إلى جبير فجعل الخيار لطلحة ، وهذا اتفاق منهم على صحة العقد ، ولأنه عقد معاوضة يصح بغير رؤية ولا صفة كالنكاح ، وهذا إذا ذكر جنسه ، وإلا لم يصح رواية واحدة ، قاله القاضي وغيره ، وعليها ( للمشتري خيار الرؤية ) على الأصح ؛ لأنه روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من اشترى ما لم يره فهو بالخيار إذا رآه والخيار لا يكون إلا في بيع [ ص: 26 ] صحيح ، وهو على الفور للخبر ، وقيل : يتقيد بالمجلس كخياره وللمشتري فسخ العقد قبل الرؤية ، وقال ابن الجوزي : لا ، كما لو اختار إمضاء العقد ، والمذهب الأول ؛ لأن الخبر من رواية عمر بن إبراهيم الكردي ، وهو متروك الحديث ويحتمل أنه بالخيار بين العقد عليه وتركه ويمكن حمله على ما إذا اشتراه بالصفة ، ثم وجده متغيرا ، ولأنه باع ما لم يره ، ولم يوصف له ، فلم يصح كبيع النوى في التمر ، والآية مخصوصة بما ذكرناه .

فرع : لا يبطل العقد بموت أو جنون .

( وإن ذكر له من صفته ما يكفي في السلم ) صح البيع في ظاهر المذهب لما قلنا ، والثانية : لا يصح إلا بالرؤية ؛ لأن الصفة لا تحصل العلم من كل وجه ، فلم يصح البيع بها كالدين لا يصح السلم فيه ( أو رآه ، ثم عقدا بعد ذلك بزمن لا يتغير فيه ظاهرا ، صح في أصح الروايتين ) وهي قول الأكثر ؛ لأن المبيع معلوم عندهما أشبه ما لو شاهداه حال العقد ، إذ الرؤية السابقة كالمقارنة ، والثانية : لا يصح حتى يراها حالة العقد ، إذ الرؤية السابقة كالمقارنة ، والثانية : لا يصح حتى يراها حالة العقد روي عن الحكم ، وحماد ، لأن ما كان شرطا اعتبر وجوده حالة العقد كالشهادة في النكاح ، وجوابه أنها تراد لتحمل العقد ، والاستيثاق عليه بدليل ما لو وقفا في بيت من الدار ، أو طرف الأرض المبيعة ، صح بلا خلاف مع عدم مشاهدة الكل ، وظاهره أنه إذا كان الزمن يتغير فيه المبيع أنه لا يصح ، صرح به في " المغني " و " الشرح " لأنه غير معلوم فإن كان يحتملهما وليس الظاهر تغيره صح بيعه ؛ لأن الأصل السلام ( ثم إن وجده لم يتغير ، فلا خيار له ) ولزمه البيع ، وقاله ابن سيرين ، وإسحاق ، لأنه تسلم المعقود عليه بصفاته ، فلم يكن له [ ص: 27 ] خيار كالسلم ( وإن وجده متغيرا ، فله الفسخ ) لأنه بمنزلة العيب ، وهو على التراخي إلا بما يدل على الرضى من سوم ونحوه لا بركوبه الدابة في طريق الرد ، وعنه : على الفور ، وإن أسقط حقه من الرد ، فلا أرش في الأصح ( والقول في ذلك ) أي : في التغير ، والصفة ( قول المشتري مع يمينه ) لأن الأصل براءة الذمة من الثمن ، فلا يلزمه ما لم يثبت عليه ، وفي " الرعاية " وفيه نظر ، وقال المجد : قد ذكر القاضي وابن عقيل وأبو الخطاب بعموم كلامه إذا اختلفا في صفة المبيع هل يتحالفان ، أو قول البائع فيه روايتان .

تنبيه : البيع بالصفة نوعان : بيع عين معينة ، كبعتك عبدي التركي ، ويذكر صفاته فينفسخ العقد برده على البائع وتلفه قبل قبضه لكونه معينا ، وبيع موصوف غير معين كبعتك عبدا تركيا ويستقصي صفات السلم ، فيصح البيع في وجه اعتبارا بلفظه ، وفي آخر : لا ، وحكاه الشيخ تقي الدين عن أحمد كالسلم الحال ، وفي ثالث : يصح إن كان ملكه ، فعلى الأول حكمه حكم السلم يعتبر قبضه ، أو ثمنه في المجلس في وجه ، وقال القاضي : يجوز التفرق فيه قبل القبض ؛ لأنه بيع حال أشبه بيع المعين ، فظاهره لا يعتبر تعيين ثمنه وظاهر " المستوعب " وغيره يعتبر ، وهو أولى ليخرج عن بيع دين بدين ، وجوز الشيخ تقي الدين بيع الصفة والسلم حالا إن كان في ملكه .

( ولا يجوز بيع الحمل في البطن ) لما روى سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا أنه نهى عن بيع المضامين والملاقيح قال أبو عبيد : المضامين ما في أصلاب الفحول ، والملاقيح ما في البطون وهي الأجنة ، ولأنه مجهول لا تعلم [ ص: 28 ] صفته ولا حياته ، فلم يصح كالمعدوم ، وهو غير مقدور على تسليمه بخلاف الغائب ، فإن بيع مع أمه دخل تبعا كأس الحائط ، وعلم منه أن بيع حبل الحبلة غير صحيح من باب أولى ( واللبن في الضرع ) لما روى ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يباع لبن في ضرع رواه ابن ماجه ، والدارقطني ، ولأنه مجهول الصفة والمقدار أشبه الحمل ، ولأنه بيع عين لم تخلق ، فلم يصح كبيع ما تحمل هذه الناقة ، والعادة فيه تختلف ، وأما لبن الظئر فإنما جاز للحاجة ، وقال الشيخ تقي الدين : إن باعه لبنا موصوفا في الذمة واشترط كونه من هذه الشاة أو البقرة جاز ، كما لو قال : أسلمت إليك في من تمر هذا الحائط ( والمسك في الفأر ) وهو الوعاء الذي يكون فيه ، ولأنه مجهول ، فلم يصح بيعه مستورا كالدر في الصدف قال في " الفروع " ويتوجه تخريج : يجوز ؛ لأنه وعاء له يصونه ويحفظه ، واختاره في " الهدي " ، وعلى الأول إن فتح وشاهد ما فيه جاز بيعه ، وإلا لم يصح للجهالة ( والنوى في التمر ) لعدم العلم به ، ومثله البيض في الدجاج قال في " الشرح " لا نعلم فيهما اختلافا للجهالة وكالفجل قبل القلع ، نص عليه ( ولا الصوف على الظهر ) لحديث ابن عباس السابق نهى أن يباع صوف على ظهر ، أو سمن في لبن ولأنه متصل بالحيوان ، فلم يجز إفراده بالعقد كأعضائه ( وعنه : يجوز بشرط جزء في الحال ) لأنه مشاهد يمكن تسليمه أشبه الرطبة في الأرض ، وفارق الأعضاء ؛ لأنه لا يمكن تسليمها مع سلامة الحيوان فعليها لو اشتراه بشرط الجز ، ثم تركه حتى طال فحكم الرطبة على ما يأتي .

[ ص: 29 ] مسألة : لا يجوز بيع عسب الفحل للنهي عنه من حديث ابن عمر رواه البخاري ، وهو ضرابه وكذا إجارته ولابن عقيل احتمال بجوازها ، لأنها منفعة مقصودة ، والغالب حصول النزو فيكون مقدورا عليه ، ومنع أحمد أن يعطى شيئا على سبيل الهدية وحمله المؤلف على الورع ، وجوز دفع الأجرة دون أخذها ، وكذا الدفع على سبيل الهدية .

التالي السابق


الخدمات العلمية