صفحة جزء
ولا يجوز بيع الملامسة ، وهو أن يقول : بعتك ثوبي هذا على أنك متى لمسته فهو عليك بكذا ، أو يقول : أي ثوب لمسته فهو لك بكذا ، ولا بيع المنابذة ، وهو أن يقول : أي ثوب نبذته إلي فهو علي بكذا ، ولا بيع الحصاة ، وهو أن يقول : ارم هذه الحصاة فعلى أي ثوب وقعت فهو لك بكذا ، أو يقول : بعتك من هذه الأرض قدر ما تبلغ هذه الحصاة إذا رميتها بكذا ، ولا يجوز أن يبيع عبدا من عبيد ، ولا شاة من قطيع ، ولا شجرة من بستان ، ولا هؤلاء العبيد إلا واحدا غير معين ، ولا هذا القطيع إلا شاة ، إن استثنى معينا من ذلك جاز ، إن باعه قفيزا من هذه الصبرة ، صح . . . . وإن باعه الصبرة إلا قفيزا ، أو ثمرة الشجرة إلا صاعا لم يصح ، وعنه : يصح ، وإن باعه أرضا إلا جريبا ، أو جريبا من أرض يعلمان جربانه ، صح وكان مشاعا فيها ، وإلا لم يصح وإن باعه حيوانا مأكولا إلا رأسه وجلده وأطرافه ، صح .


( ولا يجوز ) أي : لا يصح ( بيع الملامسة ) لما روى أبو هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الملامسة والمنابذة متفق عليه ( وهو أن يقول : بعتك ثوبي هذا على أنك متى لمسته فهو عليك بكذا ، أو يقول : أي ثوب لمسته فهو لك بكذا ) كذا فسره المؤلف ، وهو ظاهر كلام أحمد ، ولأن المبيع مجهول لا يعلم ، ولا بيع المنابذة للخبر ، وهو أن يقول : أي ثوب نبذته أي : طرحته إلي فهو علي بكذا لما في الصحيح عن أبي سعيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الملامسة والمنابذة في البيع والملامسة : لمس الرجل ثوب الآخر بيده ، ولا يقلبه ، والمنابذة : أن ينبذ كل رجل منهما ثوبه إلى الآخر ، ويكون ذلك بيعهما من غير نظر ولا تقليب ، فتفسير أبي سعيد للمنابذة نظرا إلى اللفظ ، ولذلك جعل النبذ من الطرفين ، وفي رواية أخرى المنابذة طرح الرجل ثوبه بالبيع إلى الرجل قبل أن يقلبه أو ينظر إليه ، والملامسة لمس الثوب لا ينظر إليه ، ولأنه مجهول لا يعلم ، وفي بعضها يجتمع مفسدان : الجهالة ، والتعليق على شرط فلو قال : بعتك ما قلته ، أو ما أنبذه إليك لم يصح لأنه غير معين ولا موصوف ( ولا بيع الحصاة ) لما روى أبو هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الحصاة وهل هو في الأرض ، أو الثياب ؛ وقد ذكرهما المؤلف ( وهو أن [ ص: 30 ] يقول : ارم هذه الحصاة فعلى أي ثوب وقعت فهو لك بكذا ، أو يقول : بعتك من هذه الأرض قدر ما تبلغ هذه الحصاة إذا رميتها بكذا ) وكلاهما باطل لما فيه من الغرر والجهالة .

فرع : لا يجوز بيع المعدن وحجارته ، والسلف فيه ، نص عليه ( ولا يجوز أن يبيع عبدا غير معين ، لأنه غرر ، فيدخل في عموم النهي وللجهالة ، ولا عبدا ( من عبيد ) لما ذكرنا ، ولأنه يختلف فيفضي إلى التنازع وسواء قلوا ، أو كثروا وظاهر كلام الشريف ، وأبي الخطاب يصح إن تساوت القيمة ، وفي مفردات أبي الوفاء يصح عبد من ثلاثة بشرط الخيار ( ولا شاة من قطيع ، ولا شجرة من بستان ) للجهالة ( ولا هؤلاء العبيد إلا واحدا غير معين ، ولا هذا القطيع إلا شاة ) نص عليه ، وهو قول أكثر العلماء ؛ لأن ذلك غرر ويفضي إلى التنازع وكما لو قال : بعتك شاة من القطيع تختارها وضابطه أن كل ما لا يصح بيعه مفردا لا يصح استثناؤه ، ويستثنى منه بيع السواقط للأثر ( وإن استثنى معينا من ذلك ) كقوله : إلا هذا العبد ، أو إلا فلانا وهما يعرفانه ( جاز ) لأنه عليه السلام نهى عن الثنيا إلا أن تعلم قال الترمذي : حديث صحيح ، ولأن المبيع معلوم بالمشاهدة لكون المستثنى معلوما فينتفي المفسد ( وإن باعه قفيزا من هذه الصبرة ، صح ) وكذا في " الفروع " وزاد إن علما زيادتها عليه وهو مراد ؛ لأنه مبيع مقدر معلوم من جملة ، فصح بيعها أشبه ما لو باع منها جزءا مشاعا ، وشرط في " المحرر " و " الوجيز " إن كانت متساوية الأجزاء يحترز به من صبرة بقال القرية ، فإنه لا يصح لكونها مختلفة ، وقيل : بلى [ ص: 31 ] فلو تلفت الصبرة إلا قفيزا فهو المبيع ، ولو فرق القفزان فباعه أحدهما مبهما ؛ فاحتمالان .

فائدة : قال الأزهري : الصبرة الكومة المجموعة من الطعام سميت صبرة لإفراغ بعضها على بعض ومنه قيل للسحاب فوق السحاب صبير ويقال : صبرت المتاع إذا جمعته وضممت بعضه على بعض .

( وإن باعه الصبرة إلا قفيزا ، أو ثمرة الشجرة إلا صاعا ) أو ثمرة البستان إلا صاعا ( لم يصح ) في ظاهر المذهب ؛ لأن المبيع مجهول ؛ لأن ما كان معلوما بالمشاهدة يخرج عن كونه معلوما بالاستثناء ، ودليله الخبر ( وعنه : يصح ) لأنه عليه السلام نهى عن الثنيا إلا أن تعلم وهذه معلومة ، وذكره أبو الوفاء المذهب في رطل من اللحم ، وجزم به أبو محمد الجوزي في آصع من بستان كاستثناء جزء مشاع ، ولو فوق ثلثها وكمبيع صبرة بألف إلا بقدر ربعه لا ما يساويه لجهالته .

فرع : إذا استثنى من الحائط شجرة معينة ، صح في الأصح ؛ لأنه معلوم ( وإن باعه أرضا إلا جريبا ، أو ) باعه ( جريبا من أرض يعلمان جربانها ، صح ) فيهما ؛ لأن الأرض إذا كانت عشرة أجربة ففي صورة الاستثناء كأنه قال : بعتك تسعة أعشار هذه الأرض ، وهو معلوم بالمشاهدة ، وفي الثانية كأنه قال : بعتك عشرها ( وكان مشاعا فيها ) لإشاعة الجزء المباع ( وإلا ) إذا لم يعلما جربان الأرض ( لم يصح ) في الأصح ؛ لأن أجزاء الأرض تختلف ، فإذا لم تتعين لم [ ص: 32 ] يصح لجهالته ، وذكره بعضهم اتفاق الأئمة ؛ لأنه لا معينا ، ولا مشاعا ، وفي بيع خشبة من سقف وفص من خاتم ، الخلاف .

فرع : حكم الثوب كالأرض فيما ذكرنا ، وقال القاضي : إن نقصه القطع فلا ، لأنه غير قادر على التسليم إلا بضرر ، كما لو باعه نصفا معينا من الحيوان ، وجوابه أنه قادر على تسليمه مع الرضى بخلاف ما سبق .

مسألة : إذا قال : بعتك من الأرض من هنا إلى هنا جاز ؛ لأنه معلوم فلو قال : بعتك عشرة أذرع منها ، وعين الابتداء ، ولم يعين الانتهاء لم يصح ، نص عليه ، ومثله بعتك نصف هذه الدار التي تليني قاله المجد ، وإن قال : بعتك نصيبي أو سهمي من هذه الدار وهما يعلمانه صح ، وإلا فلا .

( وإن باعه حيوانا مأكولا إلا رأسه وجلده وأطرافه ، صح ) في المنصوص لأنه عليه السلام لما خرج من مكة إلى المدينة ومعه أبو بكر وعامر بن فهيرة فمروا براعي غنم فاشتريا منه شاة ، وشرطا له سلبها رواه أبو الخطاب ، ولأن المستثنى والمستثنى منه معلومان ، فصح ، كما لو باع حائطا واستثنى منه نخلة معينة ، وكونه لا يجوز إفراده بالبيع لا يمنع صحة استثنائه كالثمرة قبل تأبيرها ، فإن امتنع المشتري من ذبحها لم يجبر ويلزمه قيمته على التقريب ، نص عليه ، ومحله إذا لم يشترط الذبح ، فإن اشترطه لزمه ودفع المستثنى ؛ لأنه إنما دخل على ذلك ، والتسليم عليه مستحق وللمشتري الفسخ بعيب يختص بهذا المستثنى ، ذكره في " الفنون " قال في " الفروع " ، ويتوجه لا ، وإنه إن لم يذبحه للمشتري الفسخ ، وإلا فقيمته ، كما روي عن علي ، ولعله مرادهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية