صفحة جزء
فصل

السابع : أن يكون الثمن معلوما ، فإن باعه السلعة برقمها ، أو بألف ذهبا وفضة ، أو بما ينقطع به السعر ، أو بما باع به فلان ، أو بدينار مطلق ، وفي البلد نقود ، لم يصح . . . فإن كان فيه نقد واحد انصرف إليه ، وإن قال : بعتك بعشرة صحاحا ، أو إحدى عشرة مكسرة ، أو بعشرة نقدا ، أو عشرين نسيئة ، لم يصح ويحتمل أن يصح ، إن باعه الصبرة كل . . . . قفيز بدرهم ، والقطيع كل شاة بدرهم ، والثوب كل ذراع بدرهم ؛ صح ، إن باعه من الصبرة كل قفيز بدرهم ؛ لم يصح . . . . . وإن باعه بمائة درهم إلا دينارا ؛ لم يصح ، ذكره القاضي ويجيء على قول الخرقي أنه يصح .


فصل

( السابع : أن يكون الثمن معلوما ) لأنه أحد العوضين فاشترط العلم به كالمبيع وكرأس مال السلم ، ولأن المبيع يحتمل رده بعيب ونحوه ، فلو لم يكن الثمن معلوما لتعذر الرجوع به ( فإن باعه السلعة برقمها ) هو بمعنى المرقوم ؛ أي : المكتوب عليها وهما يجهلانه أو أحدهما ؛ لم يصح للجهالة ( أو بألف درهم ذهبا وفضة ) لأن مقدار كل واحد من الألف مجهول أشبه ما لو قال : بمائة بعضها ذهب ، وبناه القاضي وغيره على إسلام ثمن في جنسين ، وصحح ابن عقيل إقراره بذلك مناصفة ، قال في " الفروع " : ويتوجه هنا مثله ، ويجاب عنه بأنه لو أقر بمائة ذهبا وفضة كان القول قوله في قدر كل منهما ( أو بما ينقطع به السعر ) أي : بما يقف عليه من غير زيادة ( أو بما باع به فلان ) هو كناية عن اسم المحدث عنه ، وهذا هو الأصح فيهن ، وقيل : يصح ، وصححه الشيخ تقي الدين بثمن المثل كنكاح ( أو بدينار مطلق ، وفي البلد نقود لم يصح ) لأن الثمن غير معلوم حال العقد ، والعلم به شرط ، وهذا إذا لم يكن فيه نقد غالب ، فإن كان انصرف [ ص: 35 ] إليه ، وصح على الأصح ، وعنه : يصح مطلقا وله الوسط ، وعنه : الأدنى ( فإن كان فيه نقد واحد انصرف إليه ) لأنه تعين بانفراده وعدم مشاركة غيره كالإقرار والوصية .

فرع : يصح بوزن صنجة لا يعلمان وزنها وبصبرة ثمنا في الأصح ، ومثله ما يسع هذا الكيل ونصه : يصح بموضع فيه كيل معروف وبنفقة عبده شهرا ، ذكره القاضي فلو فسخ العقد رجع بقيمة المبيع عند تعذر معرفة الثمن ( وإن قال : بعتك بعشرة صحاحا ، أو إحدى عشرة مكسرة ، أو بعشرة نقدا ، أو عشرين نسيئة لم يصح ) في المنصوص لما روى أبو هريرة قال : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيعتين في بيعة رواه أحمد ، والنسائي ، والترمذي ، وصححه ، وما فسره المؤلف هو قول أكثر العلماء ، وقد جاء مفسرا في حديث ابن مسعود ، ولأن الثمن غير معلوم ، فلم يصح ، كما لو قال : بعتك أحد هذين ومحله ما لم يفترقا على أحدهما ، ذكره في " الوجيز " و " الفروع " ( ويحتمل أن يصح ) هذا تخريج لأبي الخطاب من رواية : إن خطت هذا الثوب اليوم فلك درهم ، وإن خطته غدا فلك نصف درهم ، فيلحق به البيع فيكون وجها في الصحة وتردد المؤلف فيه وفرق بأن العقد ، ثم يمكن صحته لكونه جعالة يحتمل فيها الجهالة ، وأن العمل الذي يستحق به الأجرة لا بد وأن يقع على إحدى الصفتين فتعين الأجرة المسماة عوضا له إلى التنازع ، قال الزركشي : وفيهما نظر ؛ لأن العلم بالعوض في الجعالة شرط ، كما في الإجارة والبيع ، والقبول أيضا في البيع إلا على إحدى الصفتين فيعين ما سمي لها ، وفيه شيء ، إذ العلم به في الجعالة ليس شرطا مطلقا بدليل ما لو قال : من دلني على قلعة كذا فله منها جارية ( وإن باعه الصبرة كل [ ص: 36 ] قفيز بدرهم ، والقطيع كل شاة بدرهم ، والثوب كل ذراع بدرهم ، صح ) في الأصح ؛ لأن المبيع معلوم بالمشاهدة ، والثمن معلوم لإشارته إلى ما يعرف مبلغه بجهة لا تتعلق بالمتعاقدين ، وهو الكيل والعدد والذراع ، وظاهره وإن لم يعلما قدر الصبرة والقطيع والثوب ، كما لو باع ما رأس ماله اثنان وسبعون مرابحة لكل ثلاثة عشر درهم ، فإنه لا يعلم في الحال ، وإنما يعرف بالحساب ، والثاني : لا يصح للجهالة في الحال ( وإن باعه من الصبرة كل قفيز بدرهم ) وكذا معطوفيه ( لم يصح ) في الأصح ؛ لأن " من " للتبعيض " وكل " للعدد فيكون مجهولا بخلاف ما سبق ؛ لأن المبيع الكل لا البعض فانتفت الجهالة ، والثاني : يصح قال ابن عقيل : هو الأشبه ، كما إذا أجره كل شهر بدرهم ، وفي " عيون المسائل " إذا باعه من الصبرة كل قفيز بدرهم ، صح لتساوي أجزائها ، بخلاف من الدار كل ذراع بدرهم لاختلاف أجزائها ، ثم ذكر أنه إذا باعه من هذه الصبرة كل قفيز بدرهم لم يصح ؛ لأنه لم يبعه كلها ، ولا قدرا معلوما بخلاف أجرتك داري كل شهر بدرهم يصح في الشهر الأول فقط للعلم به وبقسطه من الأجرة .

مسألة : إذا قال : بعتك هذه الصبرة بعشرة دراهم على أن أزيدك قفيزا أو أنقصكه لم يصح فإن قال : على أن أزيدك قفيزا من هذه الصبرة ووصفه بصفة يعلم بها ، صح كأنه قال : بعتك هذه الصبرة وقفيزا من الأخرى بعشرة ، فإن علما جملة الصبرة ؛ صح فإن قال : بعتك هذه الصبرة على أن أنقصك منها قفيزا صح ، وقال أبو بكر : يصح في المسائل كلها على قياس قول أحمد ، ويجوز بيع الصبرة جزافا مع جهل المتبايعين بقدرها ، نص عليه ، ولا يشترط معرفة رؤية باطنها بخلاف الثوب ، وقال أبو بكر : يصح بيعها إذا تساوى [ ص: 37 ] موضعها ، فإن اختلفت لم يجز إلا أن يكون يسيرا يتغابن بمثله ، والأكثرون لا يشترطون ذلك بل إن ظهر تحتها ربوة ، أو فيها حجر مما لا يتغابن بمثله في مثلها ، ولم يعلم به المشتري فله الخيار ، كما لو وجد باطنها رديئا ؛ نص عليه ، ولابن عقيل : احتمال يرجع بمثل ما فات إذا أمكن ، فإن بان باطنها خيرا من ظاهرها ، فلا خيار للمشتري بخلاف البائع إذا لم يعلم ، وإذا علم البائع قدرها لم يجز بيعها جزافا على الأصح .

فرع : يصح بيع دهن ونحوه في ظرف معه موازنة كل رطل بكذا مع علمها بمبلغه ، وإلا فوجهان ، وصححه المجد إن علما زنة الظرف ، وإن باعه كل رطل بكذا على أن يزن الظرف فيحسب بوزنه على المشتري وليس مبيعا ، فيصح إن علما مبلغه ، وإلا فلا لجهالة الثمن ، وإن باعه جزافا بظرفه ، أو دونه صح ، أو باعه في ظرفه كل رطل بكذا على أن يطرح منه وزن الظرف ، صح بغير خلاف نعلمه .

فرع : اشترى سمنا أو زيتا في ظرف فوجد فيه ربا ، صح في الباقي بقسطه من الثمن وله الخيار ، ولم يلزمه بدل الرب ، وألزمه شريح بقدره سمنا ، وإن باعه بمائة درهم إلا دينارا لم يصح ، ذكره القاضي ) ومثله بدينار إلا درهما نقله أبو طالب ، لأن قيمة المستثنى مجهولة ، ويلزم من الجهل بها الجهل بالثمن ، والعلم به شرط ( ويجيء على قول الخرقي ) من الإقرار إذا استثنى عينا من ورق ، أو بالعكس ( أنه يصح ) في البيع كسائر الاستثناءات الصحيحة ، فعلى هذا تحذف قيمة المستثنى ، وصححه ابن عقيل بالمستثنى منه كله فلو قال : بعتك بمائة درهم إلا قفيز حنطة لم يصح وجها واحدا ؛ لأنه استثناء الجنس ، واستشكل [ ص: 38 ] ابن المنجا تخريج صحة البيع من الإقرار قال : لأن الأصحاب اختلفوا في العلة فقيل : باتحاد النقدين وكونهما قيم الأشياء وأروش الجنايات ، وقيل : لأن قيمة الذهب يعلمها كثير من الناس ، فإذا استثني أحدهما من الآخر لم يؤد الجهالة غالبا ، وعلى كليهما لا يجيء صحة البيع ؛ لأن المفسد له الجهل في حال العقد ، ألا ترى أنه إذا باعه السلعة برقمها أنه لا يصح للجهالة حال العقد ، وإن علم بعده بالثمن بخلاف الإقرار فإنه يصح بالمجهول وفيه شيء .

فرع : إذا أسرا ثمنا بلا عقد ، ثم عقداه بآخر فالأول هو الثمن ، ولو عقداه سرا بثمن وعلانية بأكثر فكنكاح ، ذكره جماعة .

التالي السابق


الخدمات العلمية