صفحة جزء
وفي بيع الحاضر للبادي روايتان إحداهما : يصح ، والأخرى : لا يصح بشروط خمسة : أن يحضر البادي لبيع سلعته بسعر يومها جاهلا بسعرها ، ويقصده الحاضر ، ويكون بالناس حاجة إليها ، فإن اختل شرط من ذلك ، صح البيع ، وأما شراؤه له فيصح ، رواية واحدة .


( وفي بيع الحاضر ) وهو المقيم في المدن والقرى ( للبادي ) وهو المقيم في البادية ، والمراد هنا من يدخل البلد من غير أهلها ، سواء كان بدويا أو قرويا قاله في " المغني " و " الشرح " ( روايتان ) كذا في " المحرر " و " البلغة " لا ريب أنه بيع منهي عنه لقوله عليه السلام : لا يبع حاضر لباد دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض رواه مسلم ، وعن أنس قال : نهينا أن يبيع حاضر لباد ، وإن كان أخاه لأبيه وأمه متفق عليه ، والمعنى فيه أنه لو ترك القادم يبيع سلعته اشتراها الناس منه برخص ، فإذا تولى الحاضر [ ص: 46 ] بيعها فلا يبيعها إلا بغلاء فيحصل الضرر على أهل المدن ( إحداهما : يصح ) لأن النهي كان في أول الإسلام فوجب زواله ، أو لأن النهي لمعنى المنهي عنه ، فلم يبطل به ( والأخرى : لا يصح بخمسة شروط ) جزم به في " الوجيز " وعليه الأصحاب لعموم النهي ، ولأن ما ثبت في حق الصحابة ثبت في حقنا ما لم يقم دليل على اختصاصهم به وحينئذ فالخلاف مبني على زوال النهي ، أو بقائه ، ورده الزركشي بأنهما مستمران على القول بالبقاء ( أن يحضر البادي ) لأنه متى لم يقدم إلى موضع آخر لم يكن باديا ( لبيع سلعته ) لأنه إذا حضر لخزنها فقصده الحاضر وحضه على بيعها كان ذلك توسعة لا تضييقا ( بسعر يومها ) لأنه إذا قصد بيعها بسعر معلوم كان المنع من جهته لا من جهة الحاضر زاد بعضهم ؛ أي : يقصد بيعها بسعر يومها حالا لا نسيئة ( جاهلا بسعرها ) لأنه إذا عرفه لم يزده الحاضر على ما عنده ( ويقصده الحاضر ) لأنه إذا قصده البادي لم يكن للحاضر أثر في عدم التوسعة ( ويكون بالناس ) وفي ابن المنجا بالمسلمين ( حاجة إليها ) لم يذكر أحمد هذا الشرط ؛ لأنهم إذا لم يكونوا محتاجين لم يوجد المعنى الذي نهى الشرع لأجله ، وظاهره أنه لا يصح ، ولو رضوا به ، وصرح به في " الفروع " في ظاهر المذهب ، وأبطله الخرقي بثلاثة شروط أن يكون الحاضر قصد البادي وقد جلب السلعة للبيع فيعرفه السعر ، وزاد القاضي الشرطين الأخيرين وتبعه جل الأصحاب ، وحكى ابن أبي موسى رواية بالبطلان ، وإن عرف البادي السعر وعنه أو جهله الحاضر ، وعنه : إن قصده الحاضر ، أو وجه به إليه ليبيعه ، ونقل المروذي أخاف أن يكون منة ، جزم بها الخلال .

[ ص: 47 ] ( فإن اختل شرط من ذلك ) أي : من الخمسة ( صح البيع ) وزال النهي ؛ لأن الموقوف على شروط يزول بزوال أحدها .

فرع : إذا أشار حاضر على باد ، ولم يتول له بيعا لم يكره ، ويتوجه إن استشاره ، وهو جاهل بالسعر لزمه بيانه لوجوب النصح ، وإن لم يستشره ففي وجوب إعلامه إن اعتقد جهله به نظر ، بناء على أنه هل يتوقف وجوب النصح على استنصاحه ويتوجه وجوبه ، وكلام الأصحاب لا يخالفه ، ذكره في " الفروع " ( وأما شراؤه له ، فيصح ؛ رواية واحدة ) لأن النهي إنما ورد عن البيع لمعنى يختص به ، وهو الرفق بأهل الحضر موجود في الشراء للبادي ، إذ الخلق في نظر الشارع سواء ، ونقل ابن هانئ لا يشتري له كالبيع ، وكرهه طائفة من السلف منهم الليث .

مسائل : الأولى : يحرم التسعير على الناس بل يبيعون أموالهم على ما يختارون لحديث أنس ، ويكره الشراء به ، وإن هدد من خالفه حرم وبطل في الأصح ويحرم : بع كالناس في الأشهر ، وأوجب الشيخ تقي الدين إلزامهم المعاوضة بثمن المثل ، وأنه لا نزاع فيه .

الثانية : يحرم الاحتكار ، وهو شراء الطعام محتكرا له للتجارة مع حاجة [ ص: 48 ] الناس إليه ، فيضيق عليهم ، نص عليه في قوت آدمي وعنه : وما يأكله الناس وعنه : أو يضرهم ادخاره بشرائه في ضيق ، قال في " المغني " من بلده لا جالبا ، والأول نقله القاضي وغيره ، ويصح شراء محتكر ، وفي " الترغيب " احتمال ، ويجبر المحتكر على بيعه كما يبيع الناس ، فإن أبى وخيف التلف فرقه الإمام ويردون مثله ، وقيل قيمته ، وكذا سلاح لحاجة قاله الشيخ تقي الدين ، وقال : ومن ضمن مكانا ليبيع ويشتري وحده كره الشراء منه بلا حاجة ويحرم عليه أخذ زيادة بلا حق قال أحمد : استغن عن الناس ، لم أر مثله ، الغنى من العافية .

الثالثة : لا يكره ادخار قوت أهله ودوابه ، نص عليه ، ونقل جعفر سنة أو سنتين ، ولا ينوي التجارة فأرجو أن لا يضيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية