صفحة جزء
الثالث : أن يشترط البائع نفعا معلوما في المبيع كسكنى الدار شهرا ، أو حملان البعير إلى موضع معلوم ، أو يشترط المشتري نفع البائع في المبيع كحمل الحطب وتكسيره وخياطة الثوب وتفصيله ، وذكر الخرقي في جز الرطبة إن شرطه على البائع ، لم يصح فيخرج هاهنا مثله ، وإن جمع بين شرطين ، لم يصح .


( الثالث : أن يشترط البائع نفعا معلوما في المبيع ) على الأصح ويستثنى [ ص: 54 ] منه الوطء ، فإنه لا يصح اشتراطه بلا خلاف ويأتي وطء المكاتبة ( كسكنى الدار شهرا ، أو حملان البعير إلى موضع معلوم ) لما روى جابر أنه كان يسير على جمل قد أعيا فضربه النبي - صلى الله عليه وسلم - فسار سيرا لم يسر مثله ، فقال بعنيه فبعته واستثنيت حملانه إلى أهلي متفق عليه يؤيده أنه عليه السلام نهى عن الثنيا إلا أن تعلم ، وهذه معلومة وأكثر ما فيه بتأخر التسليم فيه مدة معلومة فصح ، كما لو باعه أمة مزوجة ، أو دارا مؤجرة ونحوهما ، وقيل : يلزم تسليمه ، ثم يرده لبائعه ليستوفي المنفعة ، ذكره الشيخ تقي الدين واحتج في " التعليق " و " الانتصار " ، وغيرهما بشراء عثمان من صهيب أرضا ، وشرط وقفها عليه وعلى عقبه ، وكحبسه على ثمنه .

والثانية : لا يصح ؛ لأنه عليه السلام نهى عن بيع وشرط ولأنه شرط ينافي مقتضى العقد ، وهو التسليم ؛ فلم يصح ، كما لو شرط أن لا يسلمه ، وجوابه بأن أحمد أنكر الخبر ، وقال : لا نعرفه مرويا في مسند ، فعلى الأولى لا ينتفع بها المشتري على الأشهر ، وللبائع إجارة ما استثناه وإعارته كعين مؤجرة ، ثم إن تلفت العين بفعل المشتري ، أو تفريطه ، كما اختاره في " المغني " و " الشرح " ضمنها بأجرة مثله ، وقال القاضي : عليه مطلقا وأخذه من كلام أحمد إذا تلفت العين رجع البائع على المبتاع بأجرة المثل ، ولو باعها المشتري ، صح كالمؤجرة ويثبت الخيار للمشتري إذا لم يكن عالما ( أو يشترط المشتري نفع البائع في المبيع كحمل الحطب وتكسيره وخياطة الثوب وتفصيله ) بشرط أن يكون معلوما ؛ لأن محمد بن مسلمة اشترى من نبطي جرزة حطب ، وشرط عليه حملها وغايته أنه [ ص: 55 ] جمع بيعا وإجارة ، وهو صحيح ، والمراد أحدهما : لا هما صرح به في " الوجيز " فتكون الواو بمعنى أو .

فرع : إذا تراضيا بعوض النفع جاز في الأشهر ، وهو كأجير مشترك فإن مات أو تلف أو استحق ، فللمشتري عوض ذلك نص عليه .

( وذكر الخرقي في جز الرطبة إن شرطه على البائع لم يصح ) البيع وأورده ابن أبي موسى مذهبا ؛ لأنه اشترط العمل في المبيع قبل ملكه ، أشبه ما لو استأجره ليخيط له ثوب زيد إذا ملكه ( فيخرج هاهنا مثله ) كذا خرجه أبو الخطاب وجماعة ؛ لأن الشرط هنا مثله فيعطى حكمه ، وكذا قاله المجد تبعا لصاحب " التلخيص " ، وذكراه رواية ، وقال القاضي : لم أجد بما قال الخرقي رواية في المذهب وتردد في " المغني " في التخريج فقال : يحتمل أن يقاس عليه ما أشبهه من اشتراط نفع البائع في المبيع ، ويحتمل أن يختص البطلان بما ذكره لإفضائه إلى التنازع ؛ لأن البائع يريد قطعها من أعلاها ليبقى له منها بقية ، والمشتري يريد استقصاءها ليزيد له ما يأخذه ، وهو أولى لقوله : والبيع لا يبطله شرط واحد وليوافق المذهب .

( وإن جمع بين شرطين لم يصح ) على الأصح لما روى عبد الله بن عمرو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا يحل سلف وبيع ، ولا شرطان في بيع رواه أبو داود ، والترمذي ، وصححه ، وظاهره كما قال القاضي في " المجرد " سواء كانا صحيحين أو فاسدين زاعما أنه ظاهر كلام أحمد ومعتمدا على إطلاق الخبر ، وبعد في " الشرح " كلامه ، والأشهر عن أحمد أنه فسرهما بشرطين صحيحين ليسا من مصلحة [ ص: 56 ] العقد بأن يشتري حزمة حطب ويشرط على البائع حملها وتكسيرها لا ما كان من مصلحته كالرهن والضمين ، فإن اشتراط مثل ذلك لا يؤثر ، ولا ما كان من مقتضاه ، ولا الشرطين الفاسدين ، إذ الواحد كاف في بطلانه ، وهذا اختيار الشيخين وصاحب " التلخيص " و " الشرح " تبعا للقاضي في شرحه ، وفي " المغني " و " الشرح " و " الفروع " إن ما كان من مقتضى العقد فلا يؤثر فيه بلا خلاف ، وعنه : أنه فسرهما بشرطين فاسدين ، وقاله بعض الأصحاب وضعفه صاحب " التلخيص " ، فإن الواحد مؤثر ، فلا حاجة إلى التعدد ، وجوابه بأنه مختلف فيه بخلاف الشرطين .

التالي السابق


الخدمات العلمية