صفحة جزء
[ ص: 63 ] باب الخيار في البيع وهو على سبعة أقسام ؛ أحدها : خيار المجلس ويثبت في البيع ، والصلح بمعناه ، والإجارة ويثبت في الصرف والسلم ، وعنه : لا يثبت فيهما ، ولا يثبت في سائر العقود إلا في المساقاة والحوالة والسبق في أحد الوجهين ، ولكل واحد من المتبايعين الخيار ما لم يتفرقا في أبدانهما إلا أن يتبايعا على أن لا خيار بينهما ، أو يسقطا الخيار بعده فيسقط في إحدى الروايتين ، وإن أسقطه أحدهما بقي خيار صاحبه .


باب الخيار في البيع

الخيار : اسم مصدر من اختار يختار اختيارا ، وهو طلب خير الأمرين من إمضائه أو الفسخ .

( وهو على سبعة أقسام ) وسيأتي ( أحدها : خيار المجلس ) وهو - بكسر اللام - موضع الجلوس ، والمراد به مكان التبايع ( ويثبت في البيع ) في قول أكثر العلماء لما روى ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا وكانا جميعا ، أو يخير أحدهما الآخر ، فإن خير أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك ، فقد وجب البيع متفق عليه ، وعن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا رواه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي وحسنه ، وقد أنكر كثير من العلماء على مالك مخالفته للحديث مع روايته له عن نافع عن ابن عمر ، قال الشافعي : لا أدري هل مالك اتهم نفسه ، أو نافعا وأعظم أن أقول عبد الله بن عمر انتهى . واعتراض المالكي بعمل أهل المدينة مدفوع بمخالفة سعيد بن المسيب ، والزهري ، وابن أبي ذئب ، فإن قيل : هو خبر آحاد فيما تعم به البلوى ، فالجواب بأنه مستفيض فإنه روي من حديث حكيم بن حزام ، وأبي هريرة ، وأبي برزة الأسلمي وجابر ، فإن قيل : قد روي عن عمر أنه قال : البيع صفقة أو خيار ، ولأنه عقد معاوضة فيلزم بمجرده كالنكاح ، وبأن المراد بالتفرق في الخبر التفرق بالأقوال لقوله تعالى : وما تفرق الذين أوتوا الكتاب [ البينة : 4 ] ولقوله عليه السلام : ستفترق أمتي

[ ص: 64 ] الخبر ، فالجواب بأن معنى ما روي عن عمر أن البيع ينقسم إلى بيع شرط فيه الخيار ، وبيع لم يشرط فيه وسماه صفقة لقصر مدة الخيار مع أن الجوزجاني روى عنه الأول ، ولو سلم فقد خالفه جمع من الصحابة مع أنه لا تأثير له مع وجود النص ، والقياس مدفوع ، فإن النكاح لا يقع إلا بعد ترو ونظر ، ولما فيه من إذهاب حرمة المرأة وردها وإلحاقها بالسلع المبيعة ، وليس بين المتبايعين تفرق بقول ولا اعتقاد ، ولأنه تبطل فائدة الحديث ، ولأنه جعل لهما الخيار بعد تبايعهما ، وفسره ابن عمر بأنه كان يمشي خطوات ليلزم البيع ، وهو شامل لجميع أنواعه ، والهبة بعوض ؛ إذ المغلب فيها حكم البيع على الأشهر ، والقسمة إن قيل هي بيع ويستثنى منه الكتابة ، وما تولاه واحد كالأب على الأصح ، ولا في شراء من يعتق عليه في الأشهر ، كما لو باشر عتقه ، وفي طريقة بعض أصحابنا رواية لا يثبت خيار مجلس في بيع وعقد معاوضة ( والصلح بمعناه ) أي : بمعنى البيع ، كما إذا أقر له بدين أو عين ، ثم صالحه عنه بعوض ؛ لأنه بيع فيدخل في العموم ( والإجارة ) لأنها عقد معاوضة فيثبت فيها كالبيع ، وقيل : لا تلي مدتها العقد ( ويثبت في الصرف والسلم ) على الأصح ؛ لأنه يشترط لصحته القبض ، وهو بيع في الحقيقة ( وعنه : لا يثبت فيهما ) كخيار الشرط ، ولأنه يفتقر إلى القبض في الحال ، وذلك يقتضي عدم العلقة بينهما ، وهو ينافيه ( ولا يثبت في سائر ) أي : باقي ( العقود ) سواء كان لازما من الطرفين كالنكاح والخلع ؛ لأنه يقصد منه الفرقة كالطلاق ، وكذا القرض والوقف والضمان والهبة الخالية عن عوض ؛ لأن فاعل ذلك دخل فيه على أن الحظ لغيره ، أو من أحد الطرفين كالرهن ؛ لأنه لو جاز فيه لبقي الحق بلا رهن فيضر بالمرتهن ، أو جائزا من الطرفين كالوكالة [ ص: 65 ] والشركة والجعالة ، وأما المتردد بين الجواز واللزوم فقال ( إلا في المساقاة والحوالة والسبق في أحد الوجهين ) إذ المساقاة والسبق إجارة في وجه ، والحوالة بيع ، والمذهب أنه لا يثبت في ذلك ؛ لأن المساقاة عقد جائز ، والحوالة إما إسقاط ، أو عقد مستقل ، والسبق جعالة ، وكذا الخلاف في المزارعة والأخذ بالشفعة ( ولكل واحد من المتبايعين الخيار ما لم يتفرقا بأبدانهما ) عرفا ، ولو طال المجلس بنوم ، أو تساوقا بالمشي ، أو في سفينة ، ولهذا لو أقبضه في الصرف ، وقال أمشي معك حتى أعطيك ، ولم يفترقا جاز ، نقله حرب ، وهو شامل إذا حصلت الفرقة بهرب كفعل ابن عمر ، والأصح أنه تحرم الفرقة خشية خبر عمرو بن شعيب قاله أحمد ، أو من غير قصد أو جهل ، وكذا بإكراه في وجه ، إذ الرضى في معتبر ، كما لا يعتبر الرضى في الفسخ ، واختار القاضي وأورده صاحب " التلخيص " مذهبا أنه لا ينقطع خيار المكره ، فيكون الخيار في المجلس الذي زال عنه الإكراه ، وقيل : إن كان يقدر على كلام يقطع به خياره انقطع وإلا فلا ، وخص في " المغني " و " الشرح " الخلاف بما إذا أكره أحدهما ، فلو أكرها زال خيارهما ، وقال ابن عقيل : يبقى خيارهما وجعل منهما ما إذا رأيا سبعا ، أو ظالما يؤذيهما وهو ظاهر ، ويبطل خيارهما بموت أحدهما : لأنها أعظم الفرقتين لا الجنون ، وهو على خياره إذا أفاق ، وفي " الشرح " إن خرس ولم تفهم إشارته ، أو جن ، أو أغمي عليه قام وليه مقامه .

بيان : المرجع في التفرق إلى العرف لعدم بيانه في الشرع ، فإن كانا في فضاء مشى أحدهما مستدبرا لصاحبه خطوات قطع به ابن عقيل ، وقدمه في " المغني " و " الشرح " ، وقيل : يبعد منه بحيث لا يسمع كلامه المعتاد ، وجزم به في " الكافي " ، [ ص: 66 ] وإن كانا في دار واسعة فمن بيت إلى آخر ، أو مجلس ، أو صفة بحيث يعد مفارقا ، وفي صغيرة يصعد أحدهما السطح ، أو يخرج منها كسفينة صغيرة فيصعد أحدهما أعلاها وينزل الآخر أسفلها .

فائدة : قال الأزهري : سئل ثعلب عن الفرق بين التفرق والافتراق فقال : أخبرني ابن الأعرابي عن المفضل قال : يقال فرقت بين الكلامين - مخففا - فافترقا ، وفرقت بين اثنين - مشددا - فتفرقا ، فجعل الافتراق في الأقوال ، والتفرق في الأبدان ( إلا أن يتبايعا على أن لا خيار بينهما ، أو يسقطا الخيار بعده ) أي : بعد البيع ( فيسقط في إحدى الروايتين ) اختارها ابن أبي موسى ، وجزم بها في " الوجيز " ، وقدمها في " المحرر " و " الفروع " ، وصححها في " المغني " و " الشرح " لقوله عليه السلام : فإن خير أحدهما صاحبه فتبايعا على ذلك ، فقد وجب البيع أي : لزم ولقوله عليه السلام : المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا إلا أن يكون البيع عن خيار ، فإن كان البيع عن خيار ، فقد وجب البيع والثانية : لا يسقط فيهما وهي ظاهر الخرقي ، واختيار القاضي في تعليقه ، وأبي الخطاب في خلافه الصغير ، وابن عقيل ؛ لأن أكثر الأحاديث " البيعان بالخيار " زيادة ، وقول الأكثر ذوي الضبط مقدم على رواية المنفرد ، وجوابه أن الأخذ بما تضمنته الزيادة أولى ( وإن أسقطه أحدهما بقي خيار صاحبه ) لأنه خيار في البيع ، فلم يبطل حق من لم يسقطه كخيار الشرط ، والأصح أنه يبطل خيار القائل ؛ لظاهر الخبر .

التالي السابق


الخدمات العلمية