صفحة جزء
[ ص: 67 ] فصل

الثاني : خيار الشرط ، وهو أن يشترطا في العقد خيار مدة معلومة فيثبت فيها ، وإن طالت ، ولا يجوز مجهولا في ظاهر المذهب ، وعنه : يجوز وهما على خيارهما إلى أن يقطعاه ، أو تنتهي مدته ، ولا يثبت إلا في البيع ، والصلح بمعناه ، والإجارة في الذمة ، أو على مدة لا تلي العقد ، وإن شرطاه إلى الغد لم يدخل في المدة ، وعنه : يدخل وإن شرطاه مدة ، فابتداؤها من حين العقد ، ويحتمل أن يكون من حين التفرق ، وإن شرط الخيار لغيره جاز ، وكان توكيلا له فيه ، وإن شرطا الخيار لأحدهما دون صاحبه جاز ، ولمن له الخيار الفسخ من غير حضور صاحبه ولا رضاه ، وإن مضت المدة ، ولم يفسخا بطل خيارهما وينتقل الملك إلى المشتري بنفس العقد في أظهر الروايتين ، فما حصل من كسب ، أو نماء منفصل ، فهو له ، أمضيا العقد أو فسخاه ، وليس لواحد منهما التصرف في المبيع في مدة الخيار إلا بما يحصل به تجربة المبيع ، وإن تصرفا ببيع أو هبة ونحوهما لم ينفذ تصرفهما ، ويكون تصرف البائع فسخا للبيع ، وتصرف المشتري إسقاطا لخياره في أحد الوجهين ، وفي الآخر البيع والخيار بحالهما ، وإن استخدم المبيع لم يبطل خياره في أصح الروايتين ، وكذلك إن قبلته الجارية ، ويحتمل أن يبطل إن لم يمنعها ، وإن أعتقه المشتري نفذ عتقه وبطل خيارهما ، وكذلك إن تلف المبيع ، وعنه : لا يبطل خيار البائع وله الفسخ ، والرجوع بالقيمة وحكم الوقف حكم البيع في أحد الوجهين ، وفي الآخر حكمه حكم العتق ، وإن وطئ المشتري الجارية فأحبلها صارت أم ولده ، وولده حر ثابت النسب ، وإن وطئها البائع ، فكذلك إن قلنا : البيع ينفسخ بوطئه ، وإن قلنا : لا ينفسخ فعليه المهر ، وولده رقيق إلا إذا قلنا : الملك له ، ولا حد فيه على كل حال ، وقال أصحابنا : عليه الحد إذا علم زوال ملكه ، وإن البيع لا ينفسخ بالوطء ، وهو المنصوص ، ومن مات منهما بطل خياره ، ولم يورث ، ويتخرج ويورث كالأجل .


فصل ( الثاني : خيار الشرط ، وهو أن يشترطا في العقد ) وظاهره لو اتفقا قبله لم يلزم الوفاء به ، وفي " المحرر " وبعده في زمن الخيارين ( خيار مدة معلومة فيثبت فيها ، وإن طالت ) وقاله جمع من العلماء لقوله تعالى : أوفوا بالعقود [ المائدة : 1 ] ولقوله عليه السلام : المسلمون على شروطهم ولأنه حق مقدر يعتمد الشرط فيرجع في تقديره إلى مشترطه كالأجل ، أو مدة ملحقة بالعقد فجاز عليه كالأجل ، وما روي عن محمد بن يحيى بن حبان - بفتح الحاء ، والباء الموحدة - أن جده كان يغبن في البيوع فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : إذا بايعت فقل لا خلابة ، ثم أنت في كل سلعة ابتعتها بالخيار ثلاث ليال رواه البخاري في تاريخه وأصله في الصحيحين ، ولفظ البخاري : لا خلابة ومسلم : لا خيانة قيل : هو تصحيف ، وهو ينافي مقتضى العقد ؛ لأنه يمنع الملك واللزوم ، وإطلاق التصرف ، فجاز في الثلاثة للحاجة فإنه خاص بحبان ، لأنه كان أصابه آمة في رأسه فكسرت لسانه ، وكان يغبن ويرد السلع على التجار ، ويقول : الرسول جعل لي الخيار ثلاثا ، وعاش إلى زمن عثمان وتقديرها بالحاجة لا يصح ؛ لأنه لا يمكن ضبط الحكم بها لخفائها ، وكلامه شامل لو كان المبيع لا يبقى إلى مضيها ، كطعام رطب ونحوه ، فإنه يباع ويحفظ ثمنه إلى المدة صرح به القاضي ، وهو قياس ما ذكر في الرهن ، وهذا ما لم يكن حيلة ، فإن فعله حيلة ليربح فيما أقرضه لم يجز ، نص عليه ( ولا يجوز مجهولا ) كقدوم زيد ، أو مجيء المطر أو الأبد ( في ظاهر المذهب ) لأنها مدة ملحقة بالعقد ، فلم تجز مع الجهالة مع أن شرط الأبد يقتضي المنع من [ ص: 68 ] التصرف فيه ، وهو مناف لمقتضى العقد ( وعنه : يجوز ) وقاله ابن شبرمة للخبر ، فعلى هذه ( هما على خيارهما إلى أن يقطعاه ، أو تنتهي مدته ) إن كانت معلقة بما تنتهي به .

( ولا يثبت إلا في البيع ) لما مر ويستثنى منه ما يشترط فيه القبض لصحته كالصرف والسلم ( والصلح بمعناه ) لأنه بيع بلفظ الصلح ، وقسمة قاله في " الفروع " قال ابن عقيل : وإن كان رد ، وأنه يحتمل دخوله في سلم - رواية واحدة - لعدم اعتبار قبضهما ( والإجارة في الذمة ) كقوله : استأجرتك لتخيط لي هذا الثوب ونحوه ، فيثبت فيه خيار الشرط ؛ لأنه استدراك للغبن ، فوجب ثبوته كخيار المجلس ( أو على مدة لا تلي العقد ) كما لو أجره سنة خمس في سنة أربع فدل على أنها إذا كانت تلي العقد لا يثبت فيها خيار الشرط على المذهب إلى فوات بعض المنافع المعقود عليها ، أو إلى استيفائها في مدة الخيار جائز ، وفيه وجه أنه يصح ويتصرف المستأجر ، فإن فسخ العقد رجع بقيمة المنافع المستوفاة ، وظاهره أنه لا يثبت ما ذكر ، وقال ابن حامد : يثبت في ضمان وكفالة ، وقال ابن الجوزي : ونصر بن علي صاحب " الروضة " يثبت كخيار المجلس ، وقال الشيخ تقي الدين : يجوز في كل العقود ( وإن شرطاه إلى الغد لم تدخل في المدة ) لأن " إلى " لانتهاء الغاية ، وما بعدها يخالف ما قبلها لقوله تعالى : ( ثم أتموا الصيام إلى الليل ) وكنظائره في الطلاق والإقرار ( وعنه : تدخل ) لأنها قد تكون بمعنى " مع " فعليها لا يسقط الخيار إلا بآخر الغد ، وجوابه بأن ما تقدم هو الأصل فيها ، وحملها على المعية إما لدليل أو لتعذر حملها على [ ص: 69 ] موضوعها الأصلي ، وإلى الظهر إلى الزوال كالغد والعشي والعشية من الزوال ، وذكرهما الجوهري من الغروب إلى العتمة كالعشاء ، وإن قوما زعموا أن العشاء من الزوال إلى طلوع الفجر ، والمساء والغبوق من الغروب والغدوة والغداة من الفجر إلى طلوع الشمس كالصبوح ، والآصال من العصر إلى الغروب .

فائدة : يقال من الفجر إلى الزوال أصبح عندك فلان ، ومن الزوال إلى آخر النهار أمسى عندك ، والصباح خلاف المساء ، والإصباح نقيض الإمساء ( وإن شرطاه مدة فابتداؤها من حين العقد ) على المذهب ، لأنها مدة ملحقة بالعقد ، فكان ابتداؤها من حين العقد كالأجل ( ويحتمل أن يكون من حين التفرق ) وهو وجه ؛ لأن الخيار ثابت في المجلس حكما ، فلا معنى لإثباته بالشرط ، ولأن حالة المجلس كحالة العقد ؛ لأن لهما نية الزيادة والنقصان بكذا في " المغني " و " الشرح " الأول ؛ لأن الاشتراط سبب ثبوت الخيار ، فوجب أن يتعقبه حكمه كالملك في البيع مع أنها لو جعلت من التفرق لأدى إلى جهالتها ، وثبوت الحكم ممتنع كالوطء يحرم بالصيام والإحرام .

فرع : إذا شرطاه سنة في أثناء شهر استوفى شهر بالعدد وباقيها بالأهلة ، وعنه : يستوفى الكل بالعدد ، كما يأتي فيما إذا علق بالأشهر من إجارة وعدة وصوم كفارة ، وإن شرطاه شهرا يوما يثبت ، ويوما لا ، فثالثها كابن عقيل يصح في اليوم الأول ، لإمكانه ويبطل فيما بعده ؛ لأنه إذا لزم في اليوم الثاني : لم يعد إلى الجواز .

( وإن شرط الخيار لغيره ) وله ( جاز وكان توكيلا له فيه ) لأن تصحيح [ ص: 70 ] الاشتراط ممكن ، فوجب حمله عليه صيانة لكلام المكلف عن الإلغاء ، وصار بمنزلة ما لو قال : أعتق عبدك عني ، وإن شرطه لزيد وأطلق فوجهان ، وإن قال : له دوني لم يصح ؛ لأن الخيار شرع لتحصيل الحظ لكل من المتعاقدين بنظره ، فلا يكون لمن لا حظ له ، وظاهره أنه يصح ، واختاره في " المغني " و " الشرح " ويكون توكيلا ؛ لأنه أمكن تصحيحه فعليه لأحدهما الفسخ ، وقيل : للموكل إن شرطه لنفسه وجعله وكيلا .

( وإن شرط الخيار لأحدهما ) : أي : أحد المتعاقدين ( دون صاحبه جاز ) لأنه إذا جاز اشتراطه لهما ، فلأن يجوز لأحدهما بطريق الأولى ، فدل على أنه إذا شرط لأحدهما : لا بعينه أنه غير جائز لجهالته ، كما لو اشترى أحد عبديه وكما لو جعل الخيار في إحدى السلعتين لا بعينها بخلاف ما لو اشترى شيئين ، وشرط الخيار في أحدهما : بعينه دون الآخر فإنه يصح ويكون كل منهما مبيعا بقسطه ويظهر أثره عند الرد ( ولمن له الخيار الفسخ ) في قول الأكثر ( من غير حضور صاحبه ولا رضاه ) لأنه عقد جعل إليه ، فجاز مع غيبة صاحبه وسخطه كالطلاق ، ونقل أبو طالب : يرد الثمن ، اختاره الشيخ تقي الدين كالشفيع ، ولعله مراد من أطلق لإزالة الضرر ، وفي " الفروع " يتخرج من عزل الوكيل لا فسخ في غيبته حتى يبلغه في المدة ( وإن مضت المدة ، ولم يفسخا بطل خيارهما ) ولزم العقد ، هذا هو الأصح ، لأنها مدة ملحقة بالعقد فبطلت بانقضائها كالأجل ، وقال القاضي : لا يلزم ؛ لأنه حق له لا عليه ، فلم يلزم بمرور الزمان كمضي الأجل في حق المولى ، وجوابه أن الحكم إلى بقاء الخيار أكثر من مدته [ ص: 71 ] المشترطة ، وهو لا يثبت إلا بالشرط ، إذ البيع سبب اللزوم ، لكن تخلف موجبه بالشرط ، فإذا زالت مدته لزم العقد بموجبه لخلوه عن المعارض ، قوله : " ولم يفسخا " ليس قيدا فيه بل لو لم يفسخ أحدهما بطل الخيار ، صرح به في " المغني " و " الشرح " ، إذ فسخ أحدهما : لا يصدق عليه أنهما فسخا ، ولم يحترز عنه لظهور المراد .

( وينتقل الملك ) مدة الخيارين ( إلى المشتري بنفس العقد في أظهر الروايتين ) هي المذهب لقوله عليه السلام : من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع ووجه أنه جعل المال للمبتاع باشتراطه ، وهو عام في كل بيع فيدخل فيه بيع الخيار . والثانية : لا ينتقل الملك إلا بانقضاء مدة الخيار ؛ لأنه عقد قاصر لا يفيد التصرف ولا يلزم ، أشبه الهبة قبل القبض ، والأولى أصح ؛ لأنه بيع صحيح فنقل الملك عقيبه ، كما لو لم يشترطه ، ولأن البيع تمليك بدليل أنه يصح بقوله : ملكتك ، فيثبت فيه كالمطلق ، ودعوى القصور فيه ممنوعة ، وجواز فسخه لا يوجب قصوره ، ولا يمنع نقل الملك فيه كالمعيب وامتناع التصرف لأجل حق الغير لا يمنع ثبوت الملك كالمرهون ، فعلى هذا يعتق عليه قريبه وينفسخ نكاحه ويخرج فطرته قال أبو الخطاب ، وغيره ويأخذ بالشفعة ، ولا فرق بين أن يكون الخيار لهما أو لأحدهما : صرح به في " المغني " و " الشرح " ( فما حصل من كسب ، أو نماء منفصل فهو له أمضيا العقد ، أو فسخاه ) لأنه نماء ملكه الداخل في ضمانه بقوله : الخراج بالضمان قال الترمذي : حديث صحيح ، واحترز بالمنفصل عن النماء المتصل ، كالسمن ونحوه فإنه يتبع العين مع الفسخ [ ص: 72 ] لتعذر انفصاله ، قال ابن المنجا : ولا بد أن يلحظ في كون النماء المنفصل للمشتري ، وأنه مبني على القول بأن الملك ينتقل إليه بنفس العقد لا على الرواية الثانية ، فإنه للبائع ، وفيه نظر ، فإنه مفرع على الصحيح ، وعنه : إن فسخ أحدهما : فالنماء المنفصل ، وعنه : وكسبه للبائع كرواية الملك له .

فرع : الحمل وقت العقد مبيع ، وعنه : نماء ، فترد الأم بعيب بالثمن كله ، ذكره في " الوسيلة " ، فعلى الأول : هل هو كأحد عينين ، أو تبع للأم لا حكم له ؛ فيه روايتان .

( وليس لواحد منهما التصرف في المبيع في مدة الخيار ) لأنه ليس بملك للبائع فيتصرف فيه ، ولا انقطعت عنه علقة فيتصرف فيه المشتري ، وكذا يمنع من التصرف في العوض ، صرح به في " الوجيز " و " الرعاية " ، والزركشي حذارا من إبطال حق الآخر ( إلا بما يحصل به تجربة المبيع ) كركوب الدابة لينظر سيرها ، وحلب الشاة ليعلم قدر لبنها ؛ لأن ذلك المقصود من الخيار ، وهو اختبار المبيع ( فإن تصرفا ) أو أحدهما : ( ببيع ، أو هبة ونحوهما ) مما ينقل الملك ، أو يثبت النقل في العقود كالإجارة والرهن فهو حرام و ( لم ينفذ تصرفهما ) كذا أطلقه جماعة ؛ لأنه تصرف لم يصادف محله ؛ لأن البائع لا يملكه ، والمشتري يقتضي تصرفه إلى إسقاط حق البائع من الخيار ، واسترجاع المبيع ، وقيل : ينفذ تصرف البائع إذا قلنا الملك له والخيار له ، وفي " المغني " أولهما ، وعنه : ينفذ تصرف المشتري ، كما لو كان الخيار له على الأصح ، وعنه : موقوف .

[ ص: 73 ] ( ويكون تصرف البائع فسخا للبيع وتصرف المشتري إسقاطا لخياره ) أي : رضي به ( في أحد الوجهين ) جزم به في " الوجيز " ؛ لأن ذلك يحصل بالتصريح فحصل بالدلالة عليه كالمعتقة ، فإن خيارها يسقط بتمكينها الزوج من وطئها ، والمذهب أن تصرف المشتري وسومه ووطأه ولمسه بشهوة إمضاء ، قال أحمد : وجب عليه حين عرضه ( وفي الآخر البيع والخيار بحالهما ) أي : ليس تصرف البائع فسخا للبيع ، نص عليه واختاره ابن أبي موسى ، وهو الأصح ؛ لأن الملك انتقل عنه ، فلم يكن تصرفه فسخا واسترجاعا ، كما لو وجد ماله عند مفلس ، وكما لو أنكر شرط الخيار ، قاله في " الترغيب " وغيره ، وأما المشتري فلا ينفذ تصرفه إلا بالعتق وسيأتي ، ولا يبطل خياره إلا بالتصريح ، فالتصرف غير صحيح فوجوده كعدمه ، وفي طريقة بعض أصحابنا : له التصرف ، ويكون رضي بلزومه وإن سلم ، فلأنه منع نفسه منه ، قال : وإذا قلنا بالملك له قلنا بانتقال الثمن إلى البائع ، وقاله غيره ، فإن تصرف مع البائع ، فروايتان بناء على دلالة التصرف على الرضى .

فرع : إذا تصرف أحدهما بإذن الآخر ، أو تصرف وكيلهما فهو نافذ في الأصح فيهما ، وانقطع الخيار ؛ لأنه يدل على تراضيهما بإمضاء البيع ، كما لو تخايرا ( وإن استخدم المبيع لم يبطل خياره في أصح الروايتين ) لأن الخدمة لا تختص الملك ، فلم تبطل به كالنظر ، وظاهره مطلقا وقيده في " الوجيز " بأنه إذا كان للاستعلام وأومأ إليه في " الشرح " ، والثانية : تبطل ؛ لأن الخدمة إحدى المنفعتين فأبطلت الخيار كالوطء ، أطلقهما في " المحرر " و " الفروع " .

[ ص: 74 ] ( وكذلك إن قبلته الجارية ) ولم يمنعها ، نص عليه ؛ لأنه لم يوجد منه ما يدل على إبطال ، ولأن الخيار له لا لها ، فلو ألزمناه بفعلها لألزمناه بغير رضاه بخلاف ما إذا قبلها ، فإنه يدل على الرضى ( ويحتمل أن يبطل إن لم يمنعها ) لأن سكوته استمتاع بها ودليل على رضاه ، أشبه المعتقة تحت عبد إذا وطئها وهي ساكتة ، قال ابن المنجا : ولا بد أن يقيد الخلاف بالشهوة ؛ لأنه إذا كان لغير شهوة لا يبطل بغير خلاف ؛ لأن التقبيل لغير شهوة ليس باستمتاع بوجه ، وليس كذلك بل ما ذكره هو قول في المذهب ، وظاهر كلامهم خلافه ( وإن أعتقه المشتري نفذ عتقه ) على المذهب ؛ لأنه عتق من مالك جائز التصرف تام الملك فنفذ ، كما لو كان بعد مدة الخيار ، وقوله عليه السلام : لا عتق فيما لا يملك ابن آدم دال على نفوذه في الملك ، وملك البائع الفسخ لا يمنع صحته ، كما لو وهب ابنه عبدا فأعتقه ، فإنه ينفذ مع ملك الأب استرجاعه ، وظاهره أن عتق البائع لا ينفذ ، وهو ظاهر المذهب ( وبطل خيارهما ) لأن المشتري تصرف بما يقتضي اللزوم ، وهو العتق ( وكذلك إن تلف المبيع ) أي : بعد قبضه فهو من ضمان المشتري ويبطل خياره وهي اختيار الخرقي ، وأبي بكر ؛ لأن التالف لا يتأتى عليه الفسخ ، ولأنه خيار فسخ فبطل بتلف المبيع ، كالرد بالعيب إذا تلف المبيع وحينئذ يلزمه الثمن للبائع ( وعنه : لا يبطل خيار البائع ) أما في العتق فلأنه لم يوجد منه ما يدل على الرضى ، وتعذر الرجوع لا يمنع الفسخ ؛ لأنه قد يكون فيه مصلحة لكونه باعه بأقل من ثمن مثله ، فإذا فسخ ملك الرجوع في قيمته ، وأما في التلف فقيل : هي أنصهما ، واختارها الشريف ، وابن عقيل وحكاه في موضع عن الأصحاب لعموم " البيعان بالخيار " ، ولأنه خيار فسخ ، فلم يبطل [ ص: 75 ] بتلف المبيع ، كما لو اشترى ثوبا بآخر فتلف أحدهما ووجد بالآخر عيبا ، فإنه يرده ويرجع بقيمة ثوبه ، فكذا هنا قال الزركشي : وكان محل التردد هل النظر إلى حال العقد ، أو إلى الحالة الراهنة ( و ) عليها ( له الفسخ ) لأن خياره لم يبطل ( والرجوع بالقيمة ) لأنها بدل ما لا مثل له ، أو بمثله إن كان مثليا .

( وحكم الوقف حكم البيع في أحد الوجهين ) وهو الأصح ومعناه أنه لا ينفذ ؛ لأنه يتضمن إبطال حق غيره ، أشبه وقف المرهون ( وفي الآخر حكمه حكم العتق ) لأنه تصرف يبطل الشفعة فنفذ كالعتق ، وأجاب في " المغني " و " الشرح " بالفرق بأن العتق مبني على التغليب والسراية ، ويصح في الرهن بخلاف الوقف ، ولا نسلم أن الوقف يبطل الشفعة .

( وإن وطئ المشتري الجارية ) زمن الخيارين فهو حرام ، سواء كان الخيار لهما ، أو للبائع لتعلق حق البائع بها كالمرهونة ، قال في " الشرح " : لا نعلم فيه خلافا ، ولا حد عليه ؛ لأنه يدرأ بشبهة الملك فحقيقته أولى ، ولا مهر لها ، لأنها مملوكته ، فإن علقت منه ، وهو المراد بقوله : ( فأحبلها صارت أم ولده ) لأنه صادف محله ، أشبه ما لو أحبلها بعد انقضاء مدة الخيار ( وولده حر ثابت النسب ) لأنه من مملوكته ، وظاهره أنه لا تلزمه قيمته ؛ لأنه حدث في ملكه ، فإن فسخ البائع رجع بقيمتها ؛ لأنه تعذر الفسخ فيها ، وعلى الثانية : عليه المهر وقيمة الولد ، وإن كان عالما بالتحريم ، وأن ملكه غير ثابت فولده رقيق ، قاله في " الشرح " ( وإن وطئها البائع فكذلك إن قلنا البيع ينفسخ بوطئه ) أي : فهو كالمشتري ( وإن قلنا لا ينفسخ ، فعليه [ ص: 76 ] المهر وولده رقيق ) لأنه وطء في ملك الغير ( إلا إذا قلنا الملك له ) على رواية ، فلا يترتب ما ذكره ، وحينئذ ولده حر ثابت النسب ، ولا يلزمه قيمته ولا مهر ولا تصير أم ولده ، لكن قال أصحابنا : إن علم التحريم فولده رقيق لا يلحقه نسبه ، وإن لم يعلم لحقه نسبه وولده حر ، وعليه قيمته يوم الولادة ، وعليه المهر ، ولا تصير أم ولد له ؛ لأنه وطئها في غير ملكه ، ذكره في " الشرح " ( ولا حد عليه على كل حال ) اختاره ابن عقيل ، وصححه في " المغني " ونصره في " الشرح " ؛ لأن وطأه إما أن يصادف ملكا ، أو شبهة ، فإن العلماء اختلفوا في ثبوت ملكه ، وإباحة وطئه ( وقال أصحابنا ) وعزاه في " الشرح " إلى بعضهم ( عليه الحد إذا علم زوال ملكه ، وإن البيع لا ينفسخ بالوطء ، وهو المنصوص ) عن أحمد ، لأنه لم يصادف ملكا ، ولا شبهة ملك ( ومن مات منهما بطل خياره ، ولم يورث ) على المذهب ، قاله ابن المنجا ، لأنه حق فسخ لا يجوز الاعتياض عنه ، فلم يورث كخيار الرجوع في الهبة ، وظاهره مطلقا ، والمذهب أنه يبطل إلا أن يطالب به الميت ، نص عليه ؛ لأن معنى الخيار تخيره بين فسخ وإمضاء ، وهو صفة ذاتية كالاختيار ، فلم يورث كعلمه وقدرته ( ويتخرج ) أن لا يبطل ( ويورث كالأجل ) حكاه في " الفروع " قولا ، وفي " عيون المسائل : " رواية ؛ لأنه حق فسخ ، فينتقل إلى الورثة كالفسخ بالتحالف وكخيار قبول الوصية له .

تنبيه : إذا علق عتق عبده ببيع فباعه ، ولو بشرط الخيار عتق ، نص عليه ، كالتدبير ولم ينقل الملك ، وتردد فيه الشيخ تقي الدين قال : وعلى قياس المسألة [ ص: 77 ] تعليق طلاق ، أو عتق لسبب يزيل ملكه عن الزوجية ، وقيل : يعتق في موضع يحكم له بالملك ، وهو ظاهر ، وقيل : يعتق إلا إذا نفيا الخيار في العقد ، وصححنا نفيه ، فإنه لا يعتق .

التالي السابق


الخدمات العلمية