صفحة جزء
فأما ربا الفضل فيحرم في الجنس الواحد من كل مكيل أو موزون ، وإن كان يسيرا كتمرة بتمرتين وحبة بحبتين ، وعنه : لا يحرم إلا في الجنس الواحد من الذهب والفضة وكل مطعوم ، وعنه : لا يحرم إلا في ذلك إذا كان مكيلا أو موزونا ، ولا يباع ما أصله الكيل بشيء من جنسه وزنا ، ولا ما أصله الوزن كيلا ، فإن اختلف الجنس جاز بيع بعضه ببعض كيلا ووزنا وجزافا ، والجنس : ما له اسم خاص يشمل أنواعا كالذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح ، وفروع الأجناس أجناس كالأدقة والأخباز والأدهان واللحم أجناس باختلاف أصوله ، وعنه : جنس واحد ، وكذلك اللبن ، وعنه : في اللحم أنه أربعة أجناس ؛ لحم الأنعام ولحم الوحش ولحم الطير ولحم دواب الماء واللحم والشحم ، والكبد أجناس .


( فأما ربا الفضل فيحرم في الجنس الواحد من كل مكيل أو موزون ، وإن كان يسيرا كتمرة بتمرتين وحبة بحبتين ) لما روى عبادة بن الصامت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة ، والبر بالبر ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد ، فإذا اختلفت هذه الأصناف ، فبيعوا كيف شئتم يدا بيد رواه أحمد ومسلم ، وعن أبي سعيد مرفوعا نحوه . متفق عليه .

وأجمعوا على جريان الربا في الأعيان الستة ، ثم اختلفوا هل هو لمعنى فيها ، أو لأعيانها وهل عرف ذلك المعنى أم لا ، فعن ابن عقيل أنه تردد في المعنى ، ولم يعدها الستة لتعارض الأدلة عنده في المعنى وذهب جمهور العلماء إلى معرفة العلة وتعديها الستة ، ثم اختلفوا ، والأشهر عن إمامنا ومختار عامة الأصحاب أن علة الربا في النقدين كونه موزون جنس ، وفي الأعيان الباقية كونه مكيل جنس ، فعليه يجري الربا في كل مكيل أو موزون بجنسه مطعوما كان أو غيره كالحبوب والأشنان والقطن والكتان والحديد والنحاس ؛ لأن الكيل والوزن يسوي بينهما صورة ، والجنس يسوي بينهما معنى فكانا علة ، ولا يجري في مطعوم لا يكال ولا يوزن كالمعدودات ، فعلى هذا تباع بيضة وخيارة [ ص: 129 ] وبطيخة ورمانة بمثلها ، نص عليه ؛ لأنه ليس مكيلا ، ولا موزونا ، لكن نقل مهنا أنه كره بيع بيضة ببيضتين ، وقال لا يصلح إلا وزنا بوزن ؛ لأنه طعام ، وعلى المذهب يجوز إسلام أحد النقدين في الموزون وبه أبطلت العلة ؛ لأن كل شيئين شملهما إحدى علتي ربا الفضل يحرم النساء فيهما ولهذا جزم بعض أصحابنا أنه لا يصح ، ولو سلم فللحاجة وأجاب القاضي بأن القياس المنع ، وإنما جاز للمشقة ، ولها تأثير لاختلاف معانيها ؛ لأن أحدهما ثمن ، والآخر مثمن وللتسامح بهذا دون ذاك ، فحصلا في حكم الجنسين قوله : من كل مكيل ، أو موزون أي : ما كان من جنسه مكيلا ، أو موزونا ، وإن لم يأت فيه ذلك كالحبة بالحبتين ، والحفنة بالحفنتين ، أو لكثرته كالزبرة العظيمة وهل يعم كمعمول من الموزون بأصله ، أو بحاله بعد العمل ؛ فنص أحمد أنه لا يباع فلس بفلسين ، ولا سكين بسكينين ، ولا إبرة بإبرتين معللا بأن أصل ذلك الوزن ، ونص في رواية جماعة أنه يباع ثوب بثوبين وكساء بكساءين ، فنقل في " المجرد " حكم كل إلى الأخرى ، فجعل فيهما جميعا روايتين اختار ابن عقيل وغيره المنع اعتبارا بأصله ، واختار في " المغني " وغيره الجواز نظرا للحال ، وظاهر التعليق والجامع حمل النص على اختلاف حالين .

( وعنه : لا يحرم إلا في الجنس الواحد من الذهب والفضة وكل مطعوم ) للآدمي نقلها جماعة لما روى يعلى بن عبد الله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الطعام بالطعام إلا مثلا بمثل . رواه مسلم ، فعليها وعلى الثالثة العلة في النقدين الثمنية ، وفي غيرهما كونه مطعوم جنس فيختص بالمطعومات ؛ لأن الطعم وصف شرف ، إذ به [ ص: 130 ] قوام الأبدان ، والثمنية وصف شرف ، إذ به قوام الأموال فاقتضى التعليل ذلك ، إذ لو كانت العلة الوزن لما جاز إسلامها في الموزونات فعليها يجري في كل مطعوم قوتا كان ، أو أدما ، أو فاكهة ، أو دواء ويستثنى منه الماء على ما قطع به الأكثر لقوله تعالى : ومن لم يطعمه فإنه مني [ البقرة : 249 ] ، وجوابه بأنه لا يجري فيه لإباحته في الأصل وبأنه لا يتمول عادة ، وفيه نظر ؛ إذ العلة عندنا ليست هي المالية ( وعنه : لا يحرم إلا في ذلك إذا كان مكيلا ، أو موزونا ) ، اختارها تقي الدين لما روى سعيد بن المسيب مرفوعا لا ربا إلا فيما كيل ، أو وزن مما يؤكل ويشرب . رواه الدارقطني ، وقال الصحيح أنه من قول سعيد ومن رفعه ، فقد وهم ، ولأن فيه جمعا بين الأدلة فنهيه عن بيع الطعام بالطعام إلا مثلا بمثل محمول على ما فيه معيار شرعي ، وهو الكيل ، والوزن ، إذ الطعم بمجرده لا تتحقق المماثلة به ونهيه عن بيع الصاع بالصاعين محمول على المطعوم ، لكن يترجح الأول : بأن الطعام بعض أفراد الصاع ، ويجاب بمخالفته له في المفهوم ، وهو مبني على اعتبار مفهوم اللقب ، وهو معتبر عندنا ، وما تقدم من أن العلة هي الثمنية فيهما علة قاصرة لا يصح التعليل بها في اختيار الأكثر ونقضت طردا بالفلوس لأنها أثمان ، وعكسا بالحلي ، وأجيب لعدم النقدية الغالبة . قال في " الانتصار " : يجب أن يقولوا إذا نفقت حتى لا يتعامل إلا بها : إن فيها الربا لكونها ثمنا غالبا ، فعليها لا يجري في مطعوم لا يكال ، ولا يوزن كالرمان ، والسفرجل ، والأترج ، ولا في غير مطعوم كالأشنان ، والحديد ويجري في النقدين تبرهما ومضروبهما وجيدهما ورديئهما في قول الأكثر [ ص: 131 ] كيفما كانا ، وعنه : لا تباع صحاح بمكسرة لزيادته بالصناعة ، ولا عمل عليها لظواهر الأخبار .

( ولا يباع ما أصله الكيل بشيء من جنسه وزنا ، ولا ما أصله الوزن كيلا ) لما روى أبو هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : الذهب بالذهب وزنا بوزن مثلا بمثل فمن زاد ، أو استزاد فهو ربا . رواه مسلم وروى أبو داود من حديث عبادة مرفوعا البر بالبر مدي بمدي ، والملح بالملح مدي بمدي ، والشعير بالشعير مدي بمدي ، والتمر بالتمر فمن زاد ، أو ازداد ، فقد أربى . فاعتبر الشارع المساواة في الموزونات بالوزن ، وفي المكيلات بالكيل فمن خالف ذلك خرج عن المشروع المأمور به ، إذ المساواة المعتبرة فيما يحرم فيه التفاضل هي المساواة في معياره الشرعي ، ولأنه متى باع رطلا من المكيل برطل حصل في الرطل الخفيف أكثر مما يحصل من الثقيل فيختلفان في الكيل ، وإن لم يتحقق التفاضل ، إذ الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل وكما لو باع بعضه ببعض جزافا إلا إذا علم مساواته في معياره الشرعي حالة العقد .

فرع : إذا باع صبرة بأخرى من جنسها ، وقد علما كيلهما ، أو تساويهما ، صح لوجود التماثل المشترط فلو قال : بعتك هذه بهذه مثلا بمثل ، فكيلتا فكانت سواء صح ، فإن زادت إحداهما : فرضي صاحب الناقصة بها ، أو رضي صاحب الزائدة برد الفضل جاز ، فإن امتنعا فسخ البيع بينهما ذكره القاضي .

( فإن اختلف الجنس جاز بيع بعضه ببعض كيلا ووزنا وجزافا ) [ ص: 132 ] نص عليه ، وهو قول أكثر العلماء لقوله عليه السلام : فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم يدا بيد ، ولأنه يجوز التفاضل فيه فجاز جزافا كالمكيل بالموزون ونصه : لا ، اختاره جماعة واحتج القاضي وأصحابه بنهيه عليه السلام في خبر جابر عن بيع الصبر من الطعام لا يدري ما كيل هذا ، وما كيل هذا أي : مجازفة وقياسا على الجنس الواحد ، والأول أصح ، ويحمل الخبر على الجنس الواحد جمعا بين الأدلة ، ثم هو مخصوص بالمكيل ، والموزون فيقاس عليه محل النزاع وقياسهم على الجنس الواحد فاسد لاشتراط التماثل فيه بخلاف الجنسين ( والجنس ما له اسم خاص يشمل أنواعا ) فالجنس هو الشامل لأشياء مختلفة بأنواعها ، والنوع هو الشامل لأشياء مختلفة بأشخاصها ، وقد يكون النوع جنسا وبالعكس ، والمراد هنا الجنس الأخص ، والنوع الأخص فكل نوعين اجتمعا في اسم خاص فهو جنس ، ثم مثله فقال : ( كالذهب ) ، وأنواعه المصري ، والأشرفي ( والفضة ) ، وأنواعها الكامل ، والظاهري ، ( والبر ) ، وأنواعه الحوراني ، والبقاعي ( والشعير ) ، وأنواعه العربي ، والرومي - وظاهر المذهب أنهما جنسان للنصوص ، وعنه : جنس واحد لحديث معمر بن عبد الله ، ولا حجة فيه مع أنه ينتقض عليهما بالذهب ، والفضة - ( والتمر ) ، وأنواعه البرني ، والمعقلي ، ( والملح ) ، وأنواعه البيروتي ، والحوراني . قاله في ( الطريق الأقرب ) ، والأبازير جنس ( وفروع الأجناس أجناس كالأدقة ، والأخباز ، والأدهان ) ؛ لأن الفرع يتبع الأصل فلما كانت أصول هذه أجناسا وجب أن تكون هذه أجناسا إلحاقا للفروع بأصولها ، فعلى هذا دقيق الحنطة جنس ودقيق الذرة جنس ؛ لأنهما من جنسين مختلفين ، وكذا البواقي ، وذكر في " النهاية " تخريجا أن الأدهان المائعة [ ص: 133 ] جنس ، وأن الفاكهة كتفاح وسفرجل جنس ، وحكم الخلول كالأدهان ، وعنه : أن خل التمر وخل العنب جنس ، والأدهان إن اختلفت مقاصدهما كدهن الورد ، والبنفسج ، والزنبق ، والياسمين واحد ؛ لأنها شيرج ، وإنما طيبت بهذه الرياحين فنسبت إليها ( واللحم أجناس باختلاف أصوله ) ، اختاره الأكثر ، وهو المذهب ؛ لأنها فروع أصول هي أجناس فكانت أجناسا كالأخباز ، فعلى هذا الضأن والمعز جنس واحد ، وفي " المغني " احتمال أنهما جنسان ( وعنه : جنس واحد ) ، اختاره الخرقي ، لأنه يشمله اسم واحد فكان جنسا كالطلع ويرجحه نهيه عليه السلام عن بيع الطعام بالطعام إلا مثلا بمثل . وهي كلها طعام وينتقض بعسل النحل ، والقصب ، والحديث محمول على ما إذا اتفق الجنس مع أن القاضي أنكر هذه الرواية عن أحمد ( وكذلك اللبن ) ، والأصح أنه يختلف باختلاف أصوله ، وقال ابن عقيل : لبن البقر الأهلية ، والوحشية جنس واحد على الروايات كلها ؛ لأن اسم البقر شملها ، وفيه نظر ؛ لأن لحمهما جنسان ، فكذا لبنهما ( وعنه : في اللحم أنه أربعة أجناس لحم الأنعام ولحم الوحش ولحم الطير ولحم دواب الماء ) ، اختارها القاضي في روايتيه وحمل كلام الخرقي عليه ، وفيه بعد ، واحتج بأن لحم هذه الحيوانات تختلف المنفعة بها ، والقصد إلى أكلها فكانت أجناسا وضعفه في " المغني " ؛ لأن كونها أجناسا لا يوجب حصرها في أربعة أجناس لا نظير له ، وظاهره أنها لا تجري في اللبن ، وزاد في " الفروع " رابعة بأنها ثلاثة أجناس لحم أنعام وطير ودواب الماء ، لكن في " الكافي " أن الروايات الثلاث " كالمقنع " ثم قال : وفي الألبان من القول مثل ما في اللحم ؛ لأنها من الحيوانات يتفق اسمها ، أشبهت اللحم . وظاهر هذا أن الألبان يجري فيها خلاف اللحم . قال ابن المنجا : [ ص: 134 ] وهو أظهر لاتحادها في المعنى ، وفيه شيء لامتناعه في بعضها .

تنبيه : الدهن ، واللبن مكيلان ، وقيل : اللبن موزون ، وفي جواز بيعه باللبأ وجهان وخصهما القاضي بما إذا مست النار أحدهما ، وذكر المؤلف والسامري أنهما جنس واحد فيجوز بيع أحدهما بالآخر متماثلا لا متفاضلا ، ولا بد أن تمس النار أحدهما .

( واللحم ، والشحم ، والكبد ) ، والقلب ، والألية ( أجناس ) ؛ لأنها مختلفة في الاسم والخلقة ، فكانت أجناسا كبهيمة الأنعام ، فعلى هذا يجوز بيع جنس بآخر متفاضلا ، وقال القاضي : لا يجوز بيع اللحم بالشحم مطلقا إلا أن يتماثلا ، والمذهب الجواز ؛ لأنهما جنسان كالنقدين ، فإن منع منه لكون اللحم لا يخلو من شحم لم يصح لكونه لا يظهر ، وإن كان فيه شيء مقصود ، وقيل : الشحم ، والألية جنس وأطلق في " الفروع " الخلاف فيهما .

مسألة : اللحم الأبيض - كسمين الظهر - واللحم الأحمر جنس واحد على الأشهر . قاله القاضي وابن البنا ، وهو ظاهر كلام المؤلف ، وفي " المغني " : إن ظاهر كلام الخرقي أنهما جنسان لقوله : اللحم لا يخلو من شحم قال : ولو لم يكن هذا شحما ، لم يختلط لحم بشحم ، وفرع هو وصاحب " الشرح " على قوله : كل أبيض من الحيوان يذوب بالإذابة ويصير دهنا جنس واحد ، وصححه في " المغني " لقوله تعالى : حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما [ الأنعام : 146 ] فاستثنى ما حملت الظهور من الشحم ؛ لأنه يشبهه في لونه وذوبه ومقصده فكان شحما [ ص: 135 ] كالذي في البطن وهل لحم رأس جنس برأسه كالطحال ، أو نوع من لحم جنسه ؛ فيه وجهان .

التالي السابق


الخدمات العلمية