صفحة جزء
إلا في العرايا ، وهي بيع الرطب في رءوس النخل خرصا بمثله من التمر كيلا فيما دون خمسة أوسق لمن به حاجة إلى أكل الرطب ، ولا ثمن معه ويعطيه من التمر مثل ما يئول إليه في النخل عند الجفاف ، وعنه : يعطيه مثل رطبه ولا يجوز في سائر الثمار في أحد الوجهين ، ولا يجوز بيع جنس فيه الربا بعضه ببعض ومع أحدهما أو معهما من غير

جنسهما كمد عجوة ودرهم ، بمدين أو درهمين ، أو بمد ودرهم وعنه : يجوز بشرط أن يكون المفرد أكثر من الذي معه غيره ، أو يكون مع كل واحد منهما جنسه ، وإن باع نوعي جنس بنوع واحد منه كدينار قراضة وصحيح بصحيحين جاز أومأ إليه أحمد ، وذكره أبو بكر ، وعند القاضي هي كالتي قبلها ولا يجوز بيع تمر منزوع النوى بما نواه فيه ، وفي بيع النوى بتمر فيه النوى ، واللبن بشاة ذات لبن ، والصوف بنعجة عليها صوف روايتان والمرجع في الكيل ، والوزن إلى عرف أهل الحجاز في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وما لا عرف له به ففيه وجهان أحدهما : يعتبر عرفه في موضعه ، والآخر يرد إلى أقرب الأشياء شبها بالحجاز .


( إلا في العرايا ) ، فإنها جائزة في قول أكثر العلماء لما روى أبو هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخص في العرايا ، وكذا رواه زيد بن ثابت وسهل بن أبي حثمة . متفق عليهن ، والقياس لا يعمل مع وجود النص ، والرخصة استباحة المحظور مع قيام السبب الحاضر ، واختلف في معناها لغة فقيل : هي نوع من العطية خصت باسم لا بيع ، وقال الجوهري العرية النخلة يعريها رجلا محتاجا فيجعل ثمرها له عاما . فعيلة بمعنى مفعولة ، وقال أبو عبيد : هي اسم لكل ما أفرد عن جملة سواء كان للهبة ، أو للبيع ، أو للأكل ، وقيل : سميت به ؛ لأنها معرية من البيع المحرم أي : مخرجة منه ( وهي بيع الرطب في رءوس النخل ) [ ص: 141 ] فلو كان على وجه الأرض لم يجز للنهي عنه ، والرخصة وردت في بيعه على أصوله لحكم الأخذ شيئا فشيئا لحاجة التفكه ، وقد روي عن محمود بن لبيد قال : قلت لزيد ما عراياكم هذه ؛ فسمى رجالا محتاجين من الأنصار شكوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الرطب يأتي ، ولا نقد بأيديهم يبتاعون به رطبا ، وعندهم فضول من التمر فرخص لهم أن يبتاعوا العرايا بخرصها من التمر الذي في أيديهم يأكلونه رطبا . متفق عليه ( خرصا ) لا أقل ، ولا أكثر ؛ لأن الشارع أقام الخرص مقام الكيل ، فلا يعدل عنه ، كما لا يعدل عن الكيل فيما يشترط فيه الكيل ( بمثله من التمر ) ، فلا يجوز بيعها بخرصها رطبا ، ويشترط كون التمر مثل ما حصل به الخرص من غير زيادة ولا نقصان لما روى الترمذي من حديث زيد أنه أذن لأهل العرايا أن يبيعوها بمثل خرصها ( كيلا ) أي : يكون التمر المشترى به كيلا لا جزافا لقوله عليه السلام : إنه رخص في العرايا أن تباع بخرصها كيلا ، ولأن الأصل اعتبار الكيل من الجانبين سقط في أحدهما ، وأقيم الخرص مقامه للحاجة فيبقى الآخر على مقتضى الأصل ( فيما دون خمسة أوسق ) لما روى أبو هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رخص في العرايا أن تباع بخرصها فيما دون خمسة أوسق أو خمسة أوسق . متفق عليه ، شك داود بن الحصين أحد رواته ، وهذا يخص ما سبق من الأخبار ، فعلى هذا لا يجوز في الخمسة في ظاهر المذهب لوقوع الشك فيها ، وعنه : بلى نظرا لعموم أحاديث الرخصة ، وأما ما زاد عليها فالمعروف المجزوم به أنه لا يجوز وحكاه بعضهم رواية واحدة ( لمن به حاجة إلى أكل الرطب ) ؛ لأن ما أبيح للحاجة لم يبح مع عدمها كالزكاة للمساكين ، والرخص في السفر ( ولا ثمن معه ) أي : مع المشتري لقوله : ولا نقد بأيديهم [ ص: 142 ] وظاهره أنه لا تعتبر حاجة البائع ، فإن احتاج إلى أكل التمر ، ولا ثمن معه إلا الرطب فقال أبو بكر ، والمجد بجوازه ، وهو بطريق التنبيه ؛ لأنه إذا جاز مخالفة الأصل لحاجة التفكه فلحاجة الاقتيات أولى ؛ إذ القياس على الرخصة جائز إذا فهمت العلة ، وقال ابن عقيل : من صور الحاجة ما قاله ابن الزاغوني في " الوجيز " : إنه لا يشترط الأوسق إذا كان المشتري هو الواهب ، فإن شق عليه دخول الموهوب له وخروجه في بستانه ، أو كره الموهوب له دخول بستان غيره ، وهذا غريب . ونقل المؤلف عن القاضي ، وأبي بكر اشتراط الحاجة من البائع ، والمشتري ، والذي قاله في التنبيه : إنه يكتفى بالحاجة من أحد الجانبين ، والقول باشتراطها من الجانبين قول ابن عقيل وينبني على ذلك أنه لو باع عريتين من رجلين فيهما أكثر من خمسة أوسق ، فإن شرطنا الحاجة من الجانبين لم يجز ، ومن اكتفى بها من أحد الجانبين ألغى جانب البائع ، ولم يعتبر إلا المشتري فيجوز للبائع أن يبيع خمسين وسقا في عقود متعددة بشرط ، ولا يجوز للمشتري أن يشتري أكثر من خمسة أوسق ، ولو في صفقتين .

( ويعطيه من مثل ما يئول إليه ما في النخل عند الجفاف ) هذا في معنى الخرص ومعناه أن ينظر كم يجيء منه تمر فيبيعها بمثله ؛ لأنه يخرص في الزكاة كذلك ، وهذا اختيار الأكثر ارتكابا لأخف المفسدتين ، وهو الجهل بالتساوي دون أعظمهما ، وهو العلم بالتفاضل ( وعنه : يعطيه مثل رطبه ) لظاهر الأحاديث ؛ لأن الأصل اعتبار المماثلة في الحال بالكيل ، فإذا امتنع في أحدهما تعين الآخر ، ويشترط مع ذلك الحلول والقبض في مجلس العقد ، نص عليه قال في [ ص: 143 ] " الشرح " : ولا نعلم فيه خلافا ؛ لأنه بيع تمر بتمر فاعتبر فيه جميع شروطه إلا ما استثناه الشارع ، ويختلف القبض فيهما ، فما على النخلة بالتخلية ، وفي التمر باكتياله ، فإن سلم أحدهما ثم مشيا وتسلم الآخر جاز ، وظاهره أنه لا يشترط فيها أن تكون موهوبة لبائعها في قول الأكثر ، واختار الخرقي وصاحب " التلخيص " تخصيصها بالهبة ، وهو ظاهر كلام أحمد في رواية سندي : العرية أن يهب الرجل للجار ، أو ابن العم النخلة ، والنخلتين ما لا تجب فيه الزكاة فللموهوب له أن يبيعها بخرصها تمرا للرفق ( ولا يجوز في سائر الثمار في أحد الوجهين ) ، واختاره الأكثر اقتصارا على مورد النص ، وغيرها لا يساويها في الحاجة ، وفي الترمذي من حديث رافع وسهل مرفوعا أنه نهى عن المزابنة التمر بالتمر إلا أصحاب العرايا ، فإنه قد أذن لهم ، وعن بيع العنب بالزبيب ، والثاني : يجوز في سائر الثمار ، وقاله القاضي ؛ لأن حاجة الناس إلى رطب هذه الثمار كحاجتهم إلى الرطب فجاز كالنخل وأطلقها في " الفروع " قال ابن المنجا : والأول أصح ؛ لأن الرخصة وردت في ثمر النخل ، وغيره لا يساويه في كثرة الاقتيات به وسهولة خرصه فيختص الحكم به ، وقيل : يجوز في العنب لقوة شبهه بالرطب ، والاقتيات ، والتفكه ، وغيرهما متفرقة مستورة بالورق ، فلا يتأتى خرصها بخلاف الرطب ، والعنب قال في " الفروع " : وجوزها شيخنا في الزرع قال الزركشي : وخرج أبو العباس على ذلك بيع الخبز الطري باليابس في برية الحجاز ونحوها وكذلك بيع الفضة الخالصة بالمغشوشة نظرا للحاجة .

( ولا يجوز بيع جنس فيه الربا بعضه ببعض ومع أحدهما ، أو معهما من غير [ ص: 144 ] جنسهما كمد عجوة ودرهم بمدين ، أو درهمين ، أو بمد ودرهم ) هذا ظاهر المذهب ونص عليه أحمد في مواضع وتسمى مسألة مد عجوة لما روى فضالة بن عبيد قال : أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بقلادة فيها خرز وذهب ابتاعها رجل بتسعة دنانير ، أو بسبعة فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : لا حتى يميز ما بينهما قال : فرده . رواه أبو داود ، وفي لفظ لمسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بالذهب الذي في القلادة فنزع وحده ، ثم قال لهم : الذهب بالذهب وزنا بوزن . ولأن الصفقة إذا جمعت شيئين مختلفي القيمة انقسم الثمن على قدر قيمتهما ، كما لو اشترى شقصا وسيفا ، فإن الشفيع يأخذ الشقص بقسطه منه ، وهذا يؤدي هنا إما إلى العلم بالتفاضل ، أو إلى الجهل بالتساوي وكلاهما مبطل للعقد ، فإنه إذا باع درهما ومدا يساوي درهمين بمدين يساويان ثلاثة دراهم كان الدرهم في مقابلة ثلثي مد ويبقى مد في مقابلة مد وذلك ربا ، فلو فرض التساوي كمد يساوي درهما ، ودرهم بمد يساوي درهما ودرهم لم يجز ، فإن التقويم ظن وتخمين ، فلا يتحقق معه المساواة ، والجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل ، فلو كانا من شجرة واحدة ، أو زرع واحد ونقد واحد فوجهان أحدهما : الجواز لتحقق المساواة ، والثاني : المنع لجواز أن يتغير أحدهما قبل العقد فتنقص قيمته وحده وصحح أبو الخطاب في انتصاره هذا الوجه وعلله بأنا لا نقابل مدا بمد ودرهما بدرهم بل نقابل مدا بنصف مد ونصف درهم ، بدليل لو خرج مستحقا لاسترد ذلك ، والجهل بالتساوي موجود ، وهذه هي طريقة القاضي وأصحابه وضعفها الشيخ زين الدين بن رجب فقال : لأن المنقسم هو قيمة الثمن على قيمة المثمن ، لا أجزاء أحدهما على قيمة الآخر . وذهب [ ص: 145 ] جماعة من أصحابنا إلى المنع سدا لذريعة الربا ، فإن اتخاذ ذلك حيلة على الربا الصريح كبيع مائة درهم في كيس بمائتين جعلا للمائة في مقابلة الكيس ، وقد لا يساوي درهما ( وعنه : يجوز بشرط أن يكون المفرد أكثر من الذي معه غيره ) كمدين بمد ودرهم ( أو يكون مع كل واحد منهما من غير جنسه ) كمد ودرهم بمد ودرهم جعلا لغير الجنس في مقابلة الجنس ، أو في مقابلة الزيادة ، وشرط السامري وغيره فيها التساوي جعلا لكل جنس في مقابلة جنسه ، وهذا أولى من جعل الجنس في مقابلة غيره لا سيما مع اختلافهما في القيمة ، وهذا إذا لم يكن حيلة على الربا وللأصحاب طريقة ثانية ، وهو أنه لا يجوز بيع المحلى بجنس حليته قولا واحدا ، وفي بيعه بنقد آخر روايتان ويجوز بيعه بعرض رواية واحدة فأما ما لا يقصد عادة ، ولا يباع مفردا كتزويق الدار ، فلا يمنع من البيع بجنسه اتفاقا .

( وإن باع نوعي جنس بنوع واحد منه كدينار قراضة ) أي : قطع الذهب ( وصحيح بصحيحين جاز أومأ إليه أحمد ، وذكره أبو بكر ) ، اختاره في " المغني " ، و " الترغيب " ، و " الوجيز " ؛ لأن الشارع اعتبر المثلية في ذلك ، فدل على الإباحة عندها وهي في الموزون وزنا ، وفي المكيل كيلا ، والجودة ساقطة هنا ، أشبه ما لو اتفق النوع ( وعند القاضي ) ، وقدمه في " المحرر " ( هي كالتي قبلها ) أي : كمسألة مد عجوة ؛ لأن الثمن ينقسم على عوضه على حسب اختلافه في قيمته ، والأول أصح ؛ إذ الثمن إنما ينقسم على المعوض فيما يشتمل على جنسين ، أو في غير الربويات بدليل ما لو باع بنوع مشتمل على جيد ورديء ، ولم يرجح في " الفروع " شيئا ، وعنه : [ ص: 146 ] يمنع في النقد ويجوز في الثمن . نقله أحمد بن القاسم ، لأن الأنواع في غير الأثمان يكثر اختلاطها ويشق تمييزها فعفي عنها بخلاف الأثمان ( ولا يجوز بيع تمر منزوع النوى بما نواه فيه ) لاشتمال أحدهما على ما ليس من جنسه ، وكذا لو نزع النوى ، ثم باع النوى والتمر بنوى وتمر ، لأن التبعية قد زالت فصار كمد عجوة ، فلو كانا منزوعي النوى جاز ، كما لو كان في كل واحد منهما نواة ( وفي بيع النوى بتمر فيه النوى ، واللبن بشاة ذات لبن ، والصوف بنعجة عليها صوف روايتان ) إحداهما يجوز ، نقلها ابن منصور ، وقدمها في " المحرر " ، وجزم بها في " الوجيز " ؛ لأن النوى في التمر غير مقصود ، أشبه ما لو باع دارا مموه سقفها بذهب ، والثانية : المنع نقلها ابن القاسم ومهنا ؛ لأن النوى مكيل فيصير كمد عجوة ، والصوف ، واللبن كذلك ، ولم يرجح في " الفروع " شيئا ، وزاد إذا باعه درهما فيه نحاس بنحاس ، أو بمثله ، وذكر في " الشرح " الجواز في الصوف واللبن عن ابن حامد ، وسواء كانت الشاة حية ، أو مذكاة ، ثم علل المنع بأنه باع مال الربا بأصله فيه منه ، أشبه بيع اللحم بالحيوان ، والأول أولى ، والفرق أن اللحم في الحيوان مقصود بخلاف اللبن ، والصوف ، فإن كان اللبن من غير جنس لبن الشاة جاز ويحتمل عدمه إذا قلنا : جنس واحد ، فلو كانت الشاة محلوبة اللبن جاز بيعها بمثلها وباللبن وجها واحدا ؛ لأن اللبن لا أثر له ، ولا يقابله شيء من الثمن أشبه الملح في الشيرج وحبات الشعير في الحنطة ، لكن لو باع برا بشعير فيه من جنسه يقصد تحصيله منع على الأصح .

فرع : إذا باع نخلة عليها تمر بتمر ، أو بنخلة عليها تمر لم يجز عند القاضي ، واختار أبو بكر خلافه [ ص: 147 ] ( والمرجع في الكيل والوزن إلى عرف أهل الحجاز في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - ) لما روى عبد الله بن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : المكيال مكيال المدينة ، والميزان ميزان مكة وقوله يحمل على تبيين الأحكام فما كان مكيلا في زمنه انصرف التحريم بتفاضل الكيل إليه ، فلا يجوز تغييره ، وكذا الموزون ( وما لا عرف له به ) أي : بالحجاز ( ففيه وجهان أحدهما : يعتبر عرفه في موضعه ) جزم به في " الوجيز " ، وقدمه في " الفروع " ؛ لأن ما لم يكن له عرف في الشرع فيرجع فيه إلى العرف كالقبض ، والحرز ، فإن اختلفت البلاد اعتبر الغالب ، فإن لم يكن تعين الوجه الآخر ( والآخر يرد إلى أقرب الأشياء شبها به بالحجاز ) ؛ لأن الحوادث ترد إلى الأشبه بالمنصوص عليه ، قال في " المغني " ، و " الشرح " هو القياس .

فائدة : لو اقتسم الشركاء ما أصله الوزن كيلا وبالعكس جاز إن قلنا هي إفراز حق ، وإلا بطل ، ويجوز التعامل بكيل لم يعهد . قاله في " النهاية " ، و " الترغيب " .

التالي السابق


الخدمات العلمية