صفحة جزء
[ ص: 151 ] فصل ومتى افترق المتصارفان قبل التقابض ، أو افترقا عن مجلس السلم قبل قبض رأس ماله بطل العقد ، وإن قبض البعض ، ثم افترقا بطل في الجميع في أحد الوجهين ، وفي الآخر يبطل فيما لم يقبض ، وإن تقابضا ثم افترقا فوجد أحدهما ما قبضه رديئا فرده بطل العقد في إحدى الروايتين ، والأخرى إن قبض عوضه في مجلس الرد لم يبطل ، وإن رد بعضه ، وقلنا : يبطل في المردود فهل يبطل في غيره ؛ على وجهين ، والدراهم والدنانير تتعين بالتعيين في العقد في أظهر الروايتين فلا يجوز إبدالها ، وإن وجدها معيبة خير بين الإمساك ، والفسخ ، ويتخرج أن يمسك ويطالب بالأرش ، وإن خرجت مغصوبة بطل العقد ، والأخرى : لا تتعين ، فلا يثبت فيها ذلك .


فصل

( ومتى افترق المتصارفان قبل التقابض ، أو افترقا عن مجلس السلم قبل قبض رأس ماله بطل العقد ) تقدم أن الصرف بيع الأثمان بعضها ببعض ، والقبض شرط لصحة العقد ، نص عليه ، ذكره الجماعة وحكاه ابن المنذر إجماع من يحفظ عنه من أهل العلم ولقوله عليه السلام : وبيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم يدا بيد . والمجلس هنا كمجلس الخيار في البيع ، فلا يضر طوله مع تلازمهما ، فلو مشيا إلى منزل أحدهما مصطحبين صح ، وقبض الوكيل كقبض موكله بشرط قبضه قبل مفارقة موكله المجلس ، كتعلقه بعينه ، فلو فارق المجلس فسد الصرف ، وإن قبض الوكيل في المجلس ، فلو مات أحدهما قبل القبض فسد لعدم تمام العقد وقول المؤلف بطل العقد يوهم وجود عقد ، ثم بطلانه ، وليس كذلك بل القبض فيه بمنزلة القبول لا يتم العقد إلا به ، ولهذا قال الخرقي : فلا بيع بينهما ، وأما قبض رأس مال السلم فسيأتي في محله ( وإن قبض البعض ) في المجلس ( ثم افترقا بطل في الجميع في أحد الوجهين ، وفي الآخر يبطل فيما لم يقبض ) فقط ، وهو المذهب لا صرف بينهما فيما لم يقبض لفوات شرطه ، وما قبض ففيه وجهان مبنيان على تفريق الصفقة ، والمذهب هنا البطلان ، صرح به في " الوجيز " ، فلو صارف رجلا دينارا بعشرة دراهم ، وليس معه إلا خمسة لم يجز تفرقهما قبل قبض العشرة ، فإن قبض الخمسة ، ثم افترقا ، فعلى ما سبق ، فإن أراد صحة العقد ، فسخا الصرف في النصف الذي ليس معه عوضه ، أو يفسخان العقد كله [ ص: 152 ] ثم يشتري منه نصف الدينار بخمسة ويدفعها إليه ، ثم يأخذ الدينار كله فيكون نصفه له ، والباقي أمانة في يده ، ثم يفترقان .

فرع : إذا تخايرا قبل القبض في المجلس لم يبطل العقد ؛ لأنهما لم يفترقا قبل القبض ويحتمل أن يبطل إن قيل بلزوم العقد ؛ لأن العقد لم يبق فيه خيار قبل القبض كالفرقة ، وجوابه أن الشرط التقابض في المجلس ، وقد وجد ( وإن تقابضا ، ثم افترقا فوجد أحدهما ما قبضه رديئا فرده بطل العقد في إحدى الروايتين ) ، اختاره الخرقي وجمع ؛ لأن قبض مال الصرف في المجلس شرط ، ولم يوجد لتفرقهما قبل قبض المعقود عليه ، وظاهر المتن أنه يشمل ما إذا كان العيب من جنس المعقود عليه كالسواد في الفضة ، والوضوح في الذهب ، وما إذا كان من غير جنسه كالرصاص في الفضة ونحوه ، والمذهب فيه البطلان وحمله في " الشرح " على الأخير ، وشرط في " المغني " كون العيب من الجنس قال ابن المنجا : يجب حمل لفظه هنا على ذلك إذا قلنا قبض البدل يقوم مقام قبضه في مجلس الرد ، وإن قلنا لا يقوم ، فلا حاجة إلى التفصيل ؛ لأن البطلان مشترك بين المعنيين ( والأخرى : إن قبض عوضه في مجلس الرد لم يبطل ) ؛ لأن قبض عوضه في مجلس الرد يقوم مقام قبضه في مجلس العقد ( وإن رد بعضه وقلنا : يبطل في المردود ، فهل يبطل في غيره ؛ على وجهين ) بناء على تفريق الصفقة ، ثم اعلم أن الصرف يقع على ضربين أحدهما : أن يبيع عينا بعين ، ولو بوزن متقدم ، أو خبر صاحبه . الثاني : أن يقع على موصوف في الذمة كقوله : بعتك دينارا مصريا بعشرة دراهم ناصرية ، وقد يكون أحد العوضين معينا دون الآخر وكل ذلك جائز أما الأول إذا تقابضا ، ثم وجد أحدهما عيبا فيما قبضه فينقسم إلى قسمين [ ص: 153 ] أحدهما : أن يكون العيب من غير الجنس فالصرف فيه باطل بناء على أن المعقود يتعين بالتعيين ، وهذا هو المجزوم به عند الأصحاب ؛ لأن البدل متعذر لتعلق البيع بالعين قال في " المغني " كقوله : بعتك هذا البغل ، فإذا هو حمار ، وعنه : يصح وله رده وأخذ البدل ، وعنه : يقع لازما ، فلا رد ، ولا بدل تغليبا للإشارة ، وعلى المذهب إن ظهر البعض معيبا بطل العقد فيه وهل يبطل في غيره ؛ فيه قولا تفريق الصفقة .

الثاني : أن يكون من جنسه فنقل ابن الحكم وجعفر بطلان العقد ، وجزم به في الواضح ، والأشهر أنه يثبت له الخيار بين الرد ، والإمساك قال الزركشي : بغير خلاف نعلمه ، وفيه شيء ، فإن اختار الرد بطل العقد ، ولم يكن له أخذ البدل ، كما لو كان المبيع عرضا ، لأن المبيع تعلق بعينه فيفوت بفواته ، وإن اختار الإمساك فله ذلك وله أخذ الأرش ، كما نقله الشيخان وصاحب " التلخيص " ؛ لأن قاعدة المذهب أنه يجوز أخذ الأرش مع القدرة على الرد ومنع أبو الخطاب من أخذ الأرش مطلقا ؛ لأنه زيادة على ما وقع عليه العقد ، سنده امتناع أخذ الأرش مع القدرة على الرد على رواية ، فعلى هذا المذهب أنه لا يجوز أخذ الأرش من الجنس الواحد مطلقا لفوات المماثلة المشترطة وخرج القاضي وجها بالجواز في المجلس نظرا إلى أن الزيادة طرأت بعد العقد ، وأبو الخطاب صرح بالجواز مطلقا فيدخل فيه الجنس ، والجنسان ، وفي المجلس وبعده وحكاه ابن عقيل قولا في صورة تلف أحد العوضين ويجوز في الجنسين مطلقا أعني في المجلس وبعده على ظاهر إطلاق الأكثر ؛ لأن الأرش عوض عن الجزء الفائت في الثمن ، وفي " المغني " ، و " الفروع " له أخذ أرش العيب في المجلس ، وكذا بعده إن جعلا أرشه من غير جنس الثمن [ ص: 154 ] لأنه لا يعتبر قبضه فيه كبيع بر بشعير فيجد أحدهما عيبا فيأخذ أرشه درهما بعد التفرق . ونقل جماعة : له رده وبدله ، ولم يفرق في العيب . الثاني : أن يكون على غير عينه ، وهو الصرف في الذمة ، فيصح ؛ لأن المجلس كحالة العقد ، فإذا وجد أحدهما بما قبضه عيبا فله بدله وله الإمساك إذ قصاراه الرضى بدون حقه وله أخذ الأرش في الجنسين لا الجنس على المذهب ، فإن تفرقا ، والعيب من جنسه ، وذكر جماعة : أو غيره ، فعنه له بدله وأخذ الأرش بعد التفرق ، وعنه : ليس له بدله فيفسخ أو يمسك الجميع ، ولا أرش بعد الفرقة ويعتبر قبض البدل في مجلس الرد ، وذكر بعضهم إن وجد بعد التفرق ، واختار الرد فهل يبطل العقد برده ؛ اختاره أبو بكر لوجود التفرق قبل القبض ، أو لا يبطل وله البدل في مجلس الرد ، وإن تفرقا قبله بطل العقد في اختيار الخرقي ، والخلال ، والقاضي وأصحابه ؛ لأن القبض وقع صحيحا ، إذ بدله يقوم مقامه ، فيه روايتان ، وفيه ثالثة أن البيع يقع لازما ، وهو بعيد ؛ لأنه يلزم منه إلزام العاقد بما لم يلتزمه ، فعلى الأولى إن وجد البعض رديئا فرده بطل فيه ، وفي الباقي قولا تفريق الصفقة ، وعلى الثانية : له بدل المردود في مجلس الرد وله الإمساك ، لكن إن طلب معه أخذ الأرش ففي " المغني " ، و " الشرح " له ذلك على الثانية لا الأولى ، وأما على المحقق فله ذلك في الجنسين على الروايتين ( والدراهم ، والدنانير تتعين بالتعيين في العقد في أظهر الروايتين ) هذا هو المعمول به عند الأصحاب ؛ لأن ذلك عوض مشار إليه في العقد ، فوجب أن يتعين كسائر الأعواض ، ولأنه أحد العوضين فتعين بالتعيين كالآخر ، ولأن ما تعين في الغصب والوديعة تعين بالعقد كالعرض ، ومعنى تعيينه [ ص: 155 ] في الغصب أنه إذا طولب به لزمه تسليمه ، ولا يجوز العدول عنه ، وفي بعض روايات حديث عبادة " عينا بعين " فيستدل به ، إذ لو كان الذهب والفضة في الذمة لم يكن عينا بعين ؛ لأنه إنما يكون بهذا الوصف إذا ملكت عين كل واحد منهما ، وفيه شيء ، إذ يلزم منه أن لا يباع الذهب بمثله إلا عينا بعين ، وقد حكي الإجماع على خلافه ( فلا يجوز إبدالها ) ؛ لأن العقد واقع على عينها .

( وإن وجدها معيبة خير بين الإمساك ، والفسخ ) كالعوض الآخر ، وظاهره أنه لا أرش مع الإمساك ، وهو كذلك ( ويتخرج أن يمسك ويطالب بالأرش ) ؛ لأنه مبيع أشبه سائر المبيعات هذا إذا كان العيب من جنس النقود ، فإن كان من غير جنسها بطل العقد إذا كان في جميعها ، وإن كان في بعضها بطل فيه ، وفي الباقي قولا تفريق الصفقة ، ذكره في " الشرح " ، وغيره ، وفي " المغني " لا أرش له مع الإمساك إذا وقع العقد على مثله كالدراهم بمثلها ؛ لأن أخذ الأرش يفضي إلى التفاضل المحرم ، وخرج القاضي وجها بجوازه في المجلس ؛ لأنها زيادة طرأت بعد العقد ورده المؤلف ، وإن وقع مثله كالدراهم والدنانير فله أخذ الأرش في المجلس ، ولم يحك فيه خلافا وعلله بأن أكثر ما فيه حصول زيادة من أحد الطرفين ، ولا يمنع ذلك في الجنسين ، وإن كان بعد التفرق لم يجز لحصول الفرقة قبل القبض المعتبر قال ابن المنجا : فيجب حمل كلامه هنا على ما قاله في " المغني " ليطابق ، وفيه شيء .

( وإن خرجت مغصوبة بطل العقد ) كالمبيع إذا ظهر مستحقا وإذا تلف قبل القبض تلف من مال البائع بناء على المذهب في أن المتعين لا يفتقر إلى قبض .

[ ص: 156 ] ( والأخرى لا تتعين ) وهي ظاهر نقل أبي داود وتأولها القاضي ، وأبى ذلك الجمهور ؛ لأنه يجوز إطلاقها في العقد ، ولا غرض في أعيانها ، وإنما الغرض في مقدارها ، فلم يتعين به كالمكيال والميزان ، وكما لو استأجر أرضا ليزرعها حنطة فله زرع ما هو مثلها يؤكده قول الفراء في قوله تعالى : وشروه بثمن بخس الآية أن الثمن ما يثبت في الذمة ومن قال بالتعيين لم يجعلها تثبت في الذمة وهي ثمن قطعا ( فلا يثبت فيها ذلك ) أي : فله إبدالها مع عيب وغصب ، وإن تلفت قبل قبضها فهي من مال المشتري .

مسائل : منها إذا نذر صدقة بدرهم بعينه لم يتعين ، ذكره القاضي وحفيده ، وفي " الانتصار " يتعين ، فلو تصدق به بلا أمره لم يضمنه ويضمنه على الأول ، ومنها : يجوز اقتضاء أحد النقدين من الآخر على الأصح إن حضر أحدهما والآخر في الذمة مستقر بسعر يومه ، نص عليه لخبر ابن عمر في بيع الإبل بالبقيع ، ويكون صرفا بعين وذمة ومنع منه ابن عباس وجمع ، وهل يشترط حلوله ؛ فيها وجهان ، وإن كانا في ذمتيهما فاصطرفا ، فنصه لا يصح ، واختار الشيخ تقي الدين جوازه .

ومنها : إذا كان له على آخر دنانير فقضاه دراهم شيئا فشيئا ، فإن كان يعطيه كل درهم بحسابه من الدينار ، صح ، نص عليه ، وإن لم يفعل ذلك ، ثم تحاسبا بعد فصارفه بها وقت المحاسبة لم يجز ، نص عليه ؛ لأنه يصير بيع دين بدين ، وإن قبض أحدهما من الآخر ماله عليه ، ثم صارفه بعين وذمة ، صح ، فلو أعطاه الدراهم شيئا بعد شيء ، ولم يقضه إياها وقت دفعها إليه ، ثم أحضرها [ ص: 157 ] وقوماها ، فإنه يحتسب ذلك منها يوم القضاء لا يوم دفعها إليه ؛ لأنها وديعة في يده ، فإن تلفت ، أو نقصت كان من ضمان مالكها على المشهور .

ومنها : لو كان له عند صيرفي دنانير فأخذ منه دراهم إدرارا ليكون هذه بهذه لم يجز ، فإن أرادا المصارفة أحضر أحدهما ، واصطرفا بعين وذمة .

ومنها : المقبوض بعقد فاسد كالمقبوض في عقد صحيح فيما يرجع إلى الضمان وعدمه .

التالي السابق


الخدمات العلمية