صفحة جزء
[ ص: 213 ] باب الرهن وهو وثيقة بالحق لازم في حق الراهن جائز في حق المرتهن يجوز عقده مع الحق وبعده ، ولا يجوز قبله إلا عند أبي الخطاب .


باب الرهن

هو في اللغة : الثبوت ، والدوام يقال ماء راهن أي : راكد ونعمة راهنة أي : دائمة ، وقيل : هو الحبس لقوله تعالى : كل نفس بما كسبت رهينة [ المدثر : 38 ] أي : محبوسة ، وهو قريب من الأول : لأن المحبوس ثابت في مكان لا يزايله قال الشاعر :

وفارقتك برهن لا فكاك له يوم الوداع فأضحى الرهن قد غلقا



شبه لزوم قلبه لها واحتباسه عندها لوجده بها بالرهن الذي يلزمه المرتهن فيحبسه عنده ، ولا يفارقه ، وغلق الرهن : استحقاق المرتهن إياه لعجز الراهن عن فكاكه ( وهو وثيقة بالحق ) ؛ لأن الحق يستوفى منه عند تعذر الوفاء من المدين ، فعلى هذا هو في الشرع : جعل عين مالية وثيقة بدين يستوفى منها عند تعذر استيفائه ممن هو عليه ، وفي الزركشي توثقة دين بعين ، أو بدين على قول يمكن أخذه منه إن تعذر الوفاء من غيره ، وهو جائز بالإجماع وسنده قوله تعالى : فرهان مقبوضة [ البقرة : 283 ] ، والسنة مستفيضة بذلك ويجوز في الحضر كالسفر خلافا لمجاهد ورد بفعله عليه السلام ، وذكر السفر في الآية خرج مخرج الغالب لكون الكاتب يعدم في السفر غالبا ، وهو لا يشترط [ ص: 214 ] مع ذكره فيها ، وليس بواجب إجماعا ؛ لأنه وثيقة بالدين ، فلم يجب كالضمان .

تنبيه : يشترط أن يكون الراهن مطلق التصرف كالبيع ، وفي " الترغيب " ويصح تبرعه ؛ لأنه تبرع ، وفي " المستوعب " وغيره : لولي رهنه عند أمين لمصلحة كحل دين عليه ، ولا يصح بدون إيجاب وقبول ، أو ما يدل عليهما ، ولا بد من معرفة قدره وصفته وجنسه وملكه ، ولو منافعه بإجارة وإعارة بإذن مؤجر ومعير ( لازم في حق الراهن ) أي : بعد قبضه ؛ لأن الحظ فيه لغيره فلزم من جهته كالضمان في حق الضامن ( جائز في حق المرتهن ) ؛ لأن الحظ فيه له وحده فكان له فسخه كالمضمون له ( يجوز عقده مع الحق ) بأن يقول : بعتك هذا بعشرة إلى شهر ترهنني بها عبدك فيقول : اشتريت منك ورهنتك عبدي ؛ لأن الحاجة داعية إلى جوازه إذن ( وبعده ) بالإجماع ؛ لأنه دين ثابت تدعو الحاجة إلى أخذ الوثيقة به كالضمان ، ولأنه تعالى جعل الرهن بدلا عن الكتابة فيكون في محلها ، ومحلها بعد وجوب الحق ، وتأكد ذلك بأن ذكره بعد المداينة بفاء التعقيب ( ولا يجوز قبله ) ، نص عليه في رواية ابن منصور ، لأنه وثيقة بحق ، فلم يجز قبل ثبوته كالشهادة ، ولأن الرهن أيضا تابع للحق ، فلا يسبقه كالثمن لا يتقدم المبيع ( إلا عند أبي الخطاب ) ، فإنه يجوز ويحتمله كلام أحمد . قاله في " الانتصار " ؛ لأنه وثيقة بالحق فجاز قبله كالضمان ، أو فجاز على حق يحدث في المستقبل كضمان الدرك ورد بالمنع ، ولو سلم فالفرق أن الضمان إلزام مال تبرعا فجاز من غير حق ثابت كالنذر وصورته أن [ ص: 215 ] يقول : رهنتك هذا بعشرة تقرضنيها فسلمه إليه ، ثم أقرضه إياها فهي جائزة على قوله ، وظاهر المذهب بطلانها لتعليقه بشرط .

تنبيه : يصح بكل دين واجب ، أو مآله إليه حتى على عين مضمونة ، ومقبوض بعقد فاسد ، ونفع إجارة في الذمة لا على دية على عاقلة قبل الحول لا ما بعده ، وقيل : وجعل قبل العمل وجهان كدين كتابة ، ولا يصح بعهدة مبيع ثابت في الذمة كثمن معين وأجرة معينة في إجارة ، وإجارة منافع معينة كدار ونحوها .

التالي السابق


الخدمات العلمية