صفحة جزء
وإن جنى عليه جناية موجبة للقصاص فلسيده القصاص ، فإن اقتص فعليه قيمة أقلهما قيمة تجعل مكانه وكذلك إن جنى على سيده فاقتص منه هو ، أو ورثته ، وإن عفا السيد على مال ، أو كانت موجبة للمال فما قبض منه جعل مكانه ، وإن عفا السيد عن المال ، صح في حقه ، ولم يصح في حق المرتهن فإذا انفك الرهن رد إلى الجاني ، وقال أبو الخطاب : يصح ، وعليه قيمته ، وإن وطئ المرتهن الجارية شبهة فعليه الحد والمهر ، وولده رقيق ، وإن وطئها بإذن الراهن وادعى الجهالة وكان مثله يجهل ذلك ، فلا حد عليه ، ولا مهر ، وولده حر لا تلزمه قيمته .


( وإن جنى عليه جناية موجبة للقصاص ) فالخصم في ذلك سيده ؛ لأنه المالك ، والأرش الواجب بالجناية ملكه ، وإنما للمرتهن فيه حق الوثيقة أشبه العبد المستأجر ، وقال أبو الخطاب : ليس له القصاص بغير رضى المرتهن لما فيه من إسقاط حقه من الوثيقة ، وجوابه بإيجاب القيمة تجعل رهنا ، فلم يسقط حقه من الوثيقة ، وعلى المذهب لو ترك السيد المطالبة ، أو أخرها لغيبة ، أو له عذر منها فللمرتهن المطالبة بها ؛ لأن حقه متعلق بموجبها ، كما لو كان الجاني سيده ( فإن اقتص فعليه قيمة أقلهما قيمة تجعل مكانه ) ، نص عليه ؛ لأنه أتلف مالا استحق بسبب إتلاف الرهن ، فغرم قيمته ، كما لو كانت الجناية موجبة للمال [ ص: 244 ] وإنما وجب أقل القيمتين ؛ لأن حق المرتهن متعلق بالمالية ، والواجب من المال هو أقل القيمتين ، فعلى هذا لو كان الرهن يساوي عشرة ، والجاني خمسة ، أو بالعكس لم يكن عليه إلا الخمسة ؛ لأنه في الأولى لم يفوت على المرتهن إلا ذلك القدر ، وفي الثانية لم يكن حق المرتهن متعلقا إلا بذلك القدر ، وفي " المغني " إن اقتص منه أخذت قيمته فجعلت رهنا ، وظاهره أنه يجب على الراهن جميع قيمة الجاني ، قال ابن المنجا : وهو متجه ؛ لأنه بدل عن الرهن فكان كله رهنا ، وفيه شيء ، فإنه صرح بخلافه ، وقيل : لا يجب شيء قال في " المحرر " : وهو أصح عندي ؛ لأنه لم يجب بالجناية مال ، ولا استحق بحال ، وليس على الراهن أن يستسعي للمرتهن في اكتساب مال ، وعلى الأول فيما إذا كان القصاص قتلا ، فإن كان جرحا ، أو قلع سن ونحوه فالواجب بالعفو أقل الأمرين من أرش الجراح ، أو قيمة الجاني ، وإن عفا مطلقا انبنى على موجب العمد ( وكذلك إن جنى على سيده فاقتص منه هو ، أو ورثته ) ؛ لأنه في الحكم كما إذا جنى عليه أجنبي فاقتص الراهن منه ؛ لأنهما يستويان معنى ، فوجب تساويهما حكما .

( وإن عفا السيد على مال ، أو كانت موجبة للمال ) ، فإنه يتعلق به حق الراهن والمرتهن ، ويجب من غالب نقد البلد كقيم المتلفات ، فلو أراد الراهن أن يصالح عنها ، أو يأخذ عنها عرضا لم يجز إلا بإذن المرتهن ، فإن أذن جاز ؛ لأن الحق لهما ( فما قبض منه جعل مكانه ) ؛ لأنه بدل عنه فيعطى حكمه ( وإن عفا السيد عن المال ، صح في حقه ) فيسقط حقه . قاله القاضي ( ولم يصح في حق المرتهن ) ؛ لأن عفوه صادف حقا له وحقا لغيره ، فصح في حقه ؛ لأنه لا مانع [ ص: 245 ] منه بخلاف المرتهن لما فيه من إبطال حقه فتؤخذ القيمة من الجاني تكون رهنا ( فإذا انفك الرهن رد إلى الجاني ) لزوال المانع وكما لو أقر أن الرهن مغصوب ، أو جان ، فإن استوفى الدين من الأرش ففي " الشرح " احتمالان أحدهما : يرجع الجاني على العافي ؛ لأن ماله ذهب في قضاء دينه فلزمته غرامته ، كما لو استعاره فرهنه ، والثاني : لا رجوع له ؛ لأنه لم يوجد في حق الجاني ما يقتضي وجوب الضمان ، فإنما استوفى بسبب منه حال ملكه ، أشبه ما لو جنى إنسان على عبده ، ثم رهنه لغيره فتلف بالجناية السابقة ( وقال أبو الخطاب : يصح العفو ) مطلقا ؛ لأنه أسقط دينه عن غريمه ، فصح كسائر ديونه ( و ) تجب ( عليه قيمته ) تكون رهنا لينجبر به حق المرتهن ، وقال بعض أصحابنا : لا يصح مطلقا قال في " المغني " : وهو أصح في النظر ؛ لأن حق المرتهن متعلق به ، فلم يصح عفوه عنه كالرهن نفسه ، فإن قال المرتهن : أسقطت حقي من ذلك سقط ؛ لأنه ينفع الراهن ، وإن قال : أسقطت الأرش ، أو أبرأت منه لم يسقط ؛ لأنه ملك الراهن وهل يسقط حقه فيه ؛ وجهان .

فرع : لو أقر أحد بالجناية على الرهن وكذباه ، فلا شيء لهما ، وإن كذبه المرتهن ، فلا شيء له وللراهن الأرش ، وإن صدقه المرتهن وحده تعلق حقه بالأرش وله قبضه ، فإذا قضى الراهن حقه ، أو أبرأ منه رجع الأرش إلى الجاني ، فإن استوفى حقه من الأرش لم يملك الجاني مطالبة الراهن بشيء ؛ لأنه مقر له باستحقاقه .

( وإن وطئ المرتهن الجارية شبهة ) فهو حرام إجماعا ( فعليه الحد ) أي : إذا كان عالما بالتحريم ؛ لأنه لا شبهة له فيه ، فإن الرهن وثيقة بالدين ، ولا [ ص: 246 ] يدخل ذلك في إباحة الوطء مع أن وطء المستأجرة يوجب الحد مع ملكه لمنافعها ، فهذا أولى ، وعنه : لا حد ، والمذهب خلافها ( والمهر ) لأنه استوفى المنفعة المملوكة لسيدها بغير إذنه ، فكان عليه عوضها كأرش بكارتها ، وظاهره يجب عليه ، سواء أكرهها ، أو طاوعته اعتقد الحل أو لا ، أو ادعى شبهة ، أو لم يدعيها ؛ لأن المهر حق آدمي ، فلا يسقط بالشبهات ( وولده رقيق ) ؛ لأنه لا ملك له فيها ، ولا شبهة ملك ، أشبه الأجنبي .

( وإن وطئها بإذن الراهن وادعى الجهالة ) بالتحريم ( وكان مثله يجهل ذلك ) كالناشئ ببادية ، أو حديث عهد بالإسلام ( فلا حد عليه ) ؛ لأن ذلك شبهة ، والحد يدرأ بها ( ولا مهر ) ؛ لأنه يجب بسبب الوطء ، وقد أذن فيه ، أشبه ما لو أتلفها بإذنه ، ولأن المالك أذن في استيفاء المنفعة ، فلم يجب عوضها كالحرة المطاوعة ( وولده حر ) ؛ لأنه وطئها معتقدا إباحة وطئها فهو كما لو وطئها يظنها أمته ( لا تلزمه قيمته ) بخلاف المغرور ؛ لأنه حدث عن وطء مأذون فيه ، فلم تلزمه قيمة الولد كالمهر ، وقال ابن عقيل : لا تسقط قيمة الولد ؛ لأنه أحال بين الولد وبين مالكه باعتقاده فلزمته قيمته كالمغرور وفرق بين المهر والولد من حيث أن الإذن صريح في الوطء الموجب للمهر فأسقطه بخلاف الولد ، فإن الإذن في الوطء ليس بصريح في الإحبال ، فلم يسقطه قال في " النهاية " : والأول أصح ؛ لأن الإذن في الوطء إذن فيما يترتب عليه ، فلم تلزمه قيمته كالمهر ، وهذان الوجهان مع الإذن ، وظاهره أنه إذا كان مثله لا يجهل ذلك كالناشئ ببلاد الإسلام فدعواه الجهل غير مقبولة ، ويكون ولده رقيقا .

[ ص: 247 ] مسألة : له بيع ما جهل ربه إن أيس من معرفته ، والصدقة به بشرط الضمان ، نص عليه ، فإن عرفهم خيرهم بين الأجر ويغرم لهم ، وفي إذن حاكم في بيعه مع القدرة ، وأخذ حقه من ثمنه مع عدمه روايتان ، كشراء وكيل .

التالي السابق


الخدمات العلمية