صفحة جزء
ويصح ضمان دين الضامن ودين الميت المفلس ، وغيره ، ولا تبرأ ذمته قبل القضاء في أصح الروايتين ويصح ضمان عهدة المبيع عن البائع للمشتري وعن المشتري للبائع ، ولا يصح ضمان دين الكتابة في أصح الروايتين .


( ويصح ضمان دين الضامن ) نحو أن يضمن الضامن ضامن آخر ؛ لأنه دين لازم في ذمته ، فصح كسائر الديون ، فعلى هذا يثبت الحق في ذمة الثلاثة أيهم قضاه برئت ذممهم كلها ؛ لأنه حق واحد ، فإذا سقط لم يجب مرة أخرى فيبرأ الثاني بإبراء الأول ، ولا عكس ، وإن قضى الدين الضامن الأول رجع على [ ص: 254 ] المضمون عنه ، وإن قضاه الثاني رجع على الأول ، ثم رجع الأول على المضمون عنه إذا كان واحد أذن ، وإلا ففي الرجوع له روايتان ، فلو ضمن المضمون عنه الضامن لم يصح ؛ لأن الضمان يقتضي التزامه الحق في ذمته ، والحق لازم له ، فلا يتصور التزامه ثانيا ، ولأنه أصل ، فلا يصير فرعا ، لكن لو ضمنه في غير الدين جاز ، وعلم منه أن كل دين يصح أخذ رهن به أنه يصح ضمانه ( و ) يصح ضمان ( دين الميت المفلس ، وغيره ) ، فصح الضمان عن كل غريم وجب عليه حق حيا كان ، أو ميتا مليئا ، أو مفلسا ، وهو قول أكثر العلماء ؛ لأن أبا قتادة ضمن دين الميت وقيد الميت بالمفلس تنبيها على من يمنع صحة ذلك ( ولا تبرأ ذمته ) أي : ذمة الميت ( قبل القضاء في أصح الروايتين ) جزم به في " الوجيز " ، وغيره لقوله عليه السلام : نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه . ولما أخبر أبو قتادة النبي - صلى الله عليه وسلم - بوفاء الدينارين فقال : الآن بردت جلدته . رواه أحمد ، ولأنه وثيقة بدين ، فلم يسقط قبل القضاء كالرهن ، والثانية : ونص عليها في رواية يوسف بن موسى أنه يبرأ بمجرد الضمان لما روى أبو سعيد الخدري قال : كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في جنازة فلما قال : هل على صاحبكم من دين قالوا : درهمان فقال : صلوا على صاحبكم فقال علي : هما علي يا رسول الله ، وأنا لهما ضامن فقام فصلى عليه ، ثم أقبل على علي فقال جزاك الله عن الإسلام خيرا وفك رهانك ، كما فككت رهان أخيك . رواه الدارقطني .

( ويصح ضمان عهدة المبيع عن البائع للمشتري ) ، وهو أن يضمن شخص عن [ ص: 255 ] البائع الثمن إذا خرج المبيع مستحقا ، أو رد بعيب ( وعن المشتري للبائع ) ، وهو أن يضمن الثمن الواجب بالبيع قبل تسليمه ، أو إن ظهر به عيب ، أو استحق فضمان العهدة في الموضعين ضمان الثمن ، أو بعضه عن أحدهما للآخر ، وهو صحيح عند الجماهير ؛ لأن الحاجة تدعو إلى الوثيقة وهي ثلاثة : الشهادة ، والرهن ، والضمان ، فالأولى لا يستوفى منها الحق ، والثانية يبقى مرهونا إلى أن يؤدي ، فلم يبق غير الضمان ، ولأنه لو لم يصح لامتنعت المعاملات مع من لم يعرف ذلك ، وفيه ضرر عظيم رافع لأصل الحكمة التي شرع البيع من أجلها ومثل ذلك لا يرد به الشرع ، وظاهره صحة ضمان العهدة عن البائع للمشتري قبل قبض الثمن وبعده ، وقال القاضي : يصح بعده ؛ لأنه لو خرج قبل القبض مستحقا لم يجب على البائع شيء ، وهو مبني على ضمان ما لم يجب إذا كان مفضيا إلى الوجوب كالجعالة ، وألفاظه : ضمنت عهدته ، أو ثمنه ، أو دركه ، ويقول المشتري : ضمنت خلاصك منه ، أو ثمنه ، فلو ضمن له خلاص المبيع فقال أحمد : لا يحل ، واختاره أبو بكر ، لأنه إذا خرج حرا ، أو مستحقا لم يستطع خلاصه ، وفي دخول نقض بناء المشتري في ضمانها ورجوعه بالدرك مع اعترافه بصحة البيع وقيام بينة ببطلانه وجهان ، وإن باعه بشرط ضمان دركه إلا من زيد ، ثم ضمن دركه منه أيضا لم يعد صحيحا ، ذكره في " الانتصار " .

مسألة : يصح ضمان نقص صنجة ويرجع بقوله مع يمينه ( ولا يصح ضمان دين الكتابة في أصح الروايتين ) ، وقاله أكثر العلماء ؛ لأنه ليس بلازم ، ولا مآله إلى اللزوم ؛ لأن المكاتب له تعجيز نفسه ، والامتناع من الأداء ، فإذا لم يلزم [ ص: 256 ] الأصل فالفرع أولى ، والثانية : يصح ؛ لأنه دين على المكاتب ، فصح كبقية الديون ، والفرق ظاهر ، وعلى الأولى لا فرق بين أن يضمنه حر أو عبد ، وخصها القاضي بالحر لسعة تصرفه .

التالي السابق


الخدمات العلمية