صفحة جزء
ولا تصح إلا برضا الكفيل ، وفي رضا المكفول به وجهان ومتى أحضر المكفول به وسلمه برئ إلا أن يحضره قبل الأجل ، وفي قبضه ضرر وإن مات المكفول به ، أو تلفت العين بفعل الله تعالى ، أو سلم نفسه برئ الكفيل ، وإن تعذر إحضاره مع بقائه لزم الكفيل الدين ، أو عوض العين وإن غاب أمهل الكفيل بقدر ما يمضي فيحضره ، فإن تعذر إحضاره ضمن ما عليه وإذا طالب الكفيل المكفول به بالحضور معه لزمه ذلك إن كانت الكفالة بإذنه ، أو طالبه صاحب الحق بإحضاره ، وإلا فلا وإذا كفل اثنان برجل فسلمه أحدهما لم يبرأ الآخر ، وإن كفل واحد لاثنين فأبرأه أحدهما لم يبرأ من الآخر .


( ولا تصح إلا برضا الكفيل ) ، لأنه لا يلزمه الحق ابتداء إلا برضاه ( وفي رضا المكفول به وجهان ) أشهرهما لا يعتبر رضاه كالضمان ، والثاني : بلى ، وجزم به في " الوجيز " ، لأن المقصود إحضاره ، فإذا كفل بغير إذنه لم يلزمه الحضور معه بخلاف الضمان ، فإن الضامن يقضي الحق ، ولا يحتاج إلى المضمون عنه ، وظاهره أنه لا يعتبر رضا المكفول له ، لأنها وثيقة لا قبض فيها ، فصحت [ ص: 265 ] من غير رضاه كالشهادة ( ومتى أحضر المكفول به ) مكان العقد بعد حلول الدين ( وسلمه برئ ) مطلقا إذا لم تكن يد حائلة ظالمة . قاله في " المغني " ، و " المستوعب " ، و " الشرح " ، وعنه : لا يبرأ حتى يقول : قد برئت لك منه ، أو قد سلمته إليك ، وقاله ابن أبي موسى ، والأول أصح ، لأنه عقد على عمل فبرئ منه بالعمل المعقود عليه كالإجارة ، فإن امتنع من تسليمه حيث لا ضرر برئ كالمسلم فيه ، وقيل : إن امتنع أشهد على امتناعه رجلين وبرئ ، وقال القاضي : يرفعه إلى الحاكم فيسلمه إليه ، فإن لم يجده أشهد ( إلا أن يحضره قبل الأجل ، وفي قبضه ضرر ) مثل أن تكون حجة الغريم غائبة ، أو لم يكن يوم مجلس الحكم ، أو الدين مؤجل ، أو هناك ظالم يمنعه منه ، فلا يلزم قبوله كالمسلم فيه ، وعلم منه أن الكفالة تصح مؤجلة ، لكن يعتبر أن يكون معلوما ، فلو جعله إلى أجل مجهول لم يصح ، وإن جعله إلى الحصاد ونحوه خرج على الخلاف قال في " الشرح " : والأولى صحته هنا ، لأنه تبرع عوض ، فصح كالنذر ، ثم إن عين مكانا لتسليمه تعين ، ولم يبرأ بإحضاره في غيره ، وإن أطلق تعين مكان العقد ، وقال القاضي : يبرأ بإحضاره بمكان آخر من البلد ، وعنه : وغيره ، وفيه سلطان ، اختاره جماعة ، وقيل : إن كان عليه ضرر في إحضاره بمكان آخر لم يبرأ ، وقال الشيخ تقي الدين : إن كان المكفول به في حبس الشرع فسلمه إليه فيه برئ ، ولا يلزمه إحضاره منه إليه عند أحد من الأئمة ويمكنه الحاكم ليحاكم غريمه ، ثم يرده ، وإن ضمن معرفته أخذ به ، نقله أبو طالب ، والشيخان كالكفيل .

[ ص: 266 ] ( وإن مات المكفول به ، أو تلفت العين بفعل الله تعالى ) قبل المطالبة ( أو سلم نفسه برئ الكفيل ) ، وفيه مسائل :

الأولى : إذا مات المكفول به ، فإنه يبرأ الكفيل وتسقط الكفالة في المنصوص ، لأن الحضور سقط عنه فبرئ كفيله ، كما لو أبرئ من الدين ، وقيل : لا تسقط ويطالب بما عليه إن لم يشرط فيها عدم ضمانه ، لأن الكفيل وثيقة ، فإذا مات من عليه الحق استوفي من الوثيقة كالرهن ، والفرق واضح ، لأن الرهن تعلق به المال فاستوفي منه ، وظاهره بقاؤها بموت الكفيل فيؤخذ من تركته ما كفل به ، فإن كان دينا مؤجلا فوثق ورثته ، وإلا حل في الأقيس ، أو المكفول له .

الثانية : إذا تلفت العين بفعل الله تعالى ، فإنه يبرأ الكفيل ، لأن تلفها بمنزلة موت المكفول به ، وظاهره أنها إذا تلفت بفعل آدمي ، فإنها لا تسقط ويجب على المتلف بدلها .

الثالثة : إذا سلم المكفول به نفسه بشرطه برئ كفيله ، كما لو قضى المديون عنه الدين .

تنبيه : إذا كفل إنسانا ، أو ضمنه ، ثم قال : لم يكن عليه حق قدم قول خصمه ، لأن الأصل صحة الكفالة ، أو بقاء الدين ، وعليه اليمين ، فإن نكل قضى عليه وإذا قال : برئت من الدين الذي كفلته به لم يكن إقرارا بقبض الحق ويبرأ الكفيل وحده وإذا مات المديون فأبرأه رب الدين ، فلم تقبل ورثته برئ مع كفيله .

( وإن تعذر إحضاره مع بقائه لزم الكفيل الدين ، أو عوض العين ) لعموم قوله عليه السلام : الزعيم غارم . ولأنها أحد نوعي الكفالة ، فوجب الغرم بها [ ص: 267 ] كالكفالة بالمال ، وقال ابن أبي موسى : وكفيل الوجه ضامن للمال في أحد الوجهين إلا أن يشرط لا مال عليه ، فلا يلزمه قولا ، والثاني : فسادها لإضافتها إلى عضو . قاله المجد ، وقال ابن عقيل : قياس المذهب لا يلزمه إن امتنع بسلطان ، وألحق به معسر ومحبوس ونحوهما لاستواء المعنى ( وإن غاب ) في موضع معلوم ( أمهل الكفيل ) ، ولم يطالبه ( بقدر ما يمضي فيحضره ) له ليتحقق إمكان التسليم وسواء كانت المسافة قريبة ، أو بعيدة ، فلو ارتد ولحق بدار الحرب لم يؤخذ الكفيل بالحق حتى يمضي زمن يمكنه رده ( فإن تعذر إحضاره ) ، أو كانت الغيبة منقطعة ، ولم يعلم مكانه ( ضمن ما عليه ) وأخذ به ، وذكر ابن حمدان أنه إذا انقطع خبره وجهل محله لزمه ما عليه انتهى ، فلو أدى ما لزمه ، ثم قدر على المكفول به فظاهر كلامهم أنه في رجوعه عليه كضامن ، وأنه لا يسلمه إلى المكفول له ، ثم يسترد ما أداه بخلاف مغصوب تعذر إحضاره مع بقائه لامتناع بيعه ( وإذا طالب الكفيل المكفول به بالحضور معه ) ليسلمه إلى المكفول له ( لزمه ذلك إن كانت الكفالة بإذنه ) ، لأنه شغل ذمته من أجله بإذنه فلزمه تخليصها ، كما لو استعار عبده فرهنه بإذنه ، فإن عليه تخليصه إذا طلبه سيده ( أو طالبه صاحب الحق بإحضاره ) أي : لزمه الحضور ، وظاهره وإن كانت بغير إذنه ، لأن حضوره حق للمكفول له ، وقد استناب الكفيل في ذلك ، أشبه ما لو صرح له بالوكالة ( وإلا فلا ) أي : لا يلزمه ذلك إن كفل بغير إذنه ، أو لم يطالب به صاحب الحق ، لأن المكفول به لم يشغل ذمته ، وإنما شغلها الكفيل باختياره ، ولم يوكله صاحب الحق .

[ ص: 268 ] فرع : لو قال لآخر : اضمن عن فلان ، أو اكفل بفلان ففعل كان ذلك لازما للمباشر لا الآمر فلو قال : أعط فلانا كذا ففعل لم يرجع على الآمر بشيء إلا أن يقول : أعطه عني .

( وإذا كفل اثنان برجل فسلمه أحدهما : لم يبرأ الآخر ) ، لأن إحدى الوثيقتين انحلت استيفاء ، فلم تنحل الأخرى ، كما لو أبرأ أحدهما ، أو انفك أحد الرهنين من غير قضاء بخلاف المكفول به إذا سلم نفسه ، لأنه أصل فيبرءان ببراءته ، لأنهما فرعاه ، وقيل : يبرأ ، اختاره صاحب " النهاية " ، كما لو قضى الدين أحد الضامنين ، فإنه يبرأ الآخر . أجاب في " الفصول " بأن الوثيقة برئت بقبض ما فيها فلهذا برئت الأخرى بخلاف هذا ، وقيل : إن كفلاه معا ، أو وكل منهما الآخر في تسليمه برئ ، وإلا فلا .

( وإن كفل واحد لاثنين فأبرأه أحدهما لم يبرأ من الآخر ) ، لأن عقد الواحد مع الاثنين بمنزلة العقدين ، فقد التزم إحضاره عند كل واحد منهما ، فإذا أبرأه أحدهما بقي حق الآخر ، كما لو كان في عقدين وكما لو ضمن دينا لاثنين فوفى أحدهما حقه .

خاتمة : إذا أحال رب الحق ، أو أحيل به ، أو زال العقد برئ الكفيل وبطل الرهن ويثبت لوارثه ، وفي " الرعاية " في الصورة الأولى احتمال وجهين في بقاء الضمان . ونقل " مهنا " فيها يبرأ ، وأنه إن عجز مكاتب رق وسقط الضمان ، وذكر القاضي لو أقاله في سلم به رهن ، حبسه برأس ماله ، ولو ضمنه اثنان فقال كل واحد أنا ضامن لك الدين فهو ضمان اشتراك في انفراد [ ص: 269 ] فله مطالبة كل منهما بالدين كله ، وإن قالا : ضمنا لك الدين فهو بينهما بالحصص ، وفي " القواعد " أنه إذا ضمن اثنان دين رجل فيه وجهان أحدهما : أن كل واحد ضامن لجميع الدين ، نص عليه في رواية مهنا ، والثاني : أنه بالحصة إلا أن يصرحوا بما يقتضي خلافه مثل أن يقولوا : ضمنا لك وكل واحد منا ضامن الدين ، وهذا قول القاضي وصاحب " المغني " وبناه القاضي على أن الصفقة تتعدد بتعدد الضامنين فيصير الضمان موزعا عليهما . - والله أعلم - .

التالي السابق


الخدمات العلمية