صفحة جزء
الصلح في الأموال قسمان أحدهما : صلح على الإقرار ، وهو نوعان أحدهما : الصلح على جنس الحق مثل أن يقر له بدين فيضع عنه بعضه ، أو بعين فيهب له بعضها ويأخذ الباقي ، صح إن لم يكن بشرط مثل أن يقول : على أن تعطيني الباقي ، أو يمنعه حقه بدونه ، ولا يصح ذلك ممن لا يملك التبرع كالمكاتب ، والمأذون له وولي اليتيم إلا في حال الإنكار وعدم البينة ، ولو صالح على المؤجل ببعضه حالا ، لم يصح وإن وضع بعض المال وأجل باقيه دون التأجيل ، وإن صالح عن الحق بأكثر منه من جنسه مثل أن يصالح عن دية الخطأ ، أو عن قيمة متلف بأكثر منها من جنسها ، لم يصح وإن صالحه بعوض قيمته أكثر منها ، صح فيهما ، وإن صالحه عن بيت على أن يسكنه سنة ، أو يبني له فوقه غرفة لم يصح ، وإن قال : أقر لي بديني وأعطيك منه مائة ففعل ، صح الإقرار ، ولم يصح الصلح ، فإن صالح إنسانا ليقر له بالعبودية ، أو امرأة لتقر له بالزوجية لم يصح ، وإن دفع المدعى عليه العبودية إلى المدعي مالا صلحا عن دعواه ، صح .


( الصلح في الأموال قسمان أحدهما : صلح على الإقرار ، وهو نوعان أحدهما : الصلح على جنس الحق مثل أن يقر له بدين فيضع عنه بعضه ، أو بعين ) كدار ( فيهب له بعضها ويأخذ الباقي ، فيصح ) ، لأن الإنسان لا يمنع من إسقاط بعض حقه ، كما لا يمنع من استيفائه ، لأنه عليه السلام كلم غرماء جابر ليضعوا عنه ، وقضية كعب مع [ ص: 279 ] ابن أبي حدرد شاهدة بذلك . قال أحمد : إذا كان لرجل على آخر دين ليس عنده وفاء فوضع عنه بعض حقه وأخذ منه الباقي كان ذلك جائزا لهما إذا كان بلفظ الإبراء ، فإن كان بلفظ الصلح فأشهر الروايتين أنه لا يصح وهي الأصح ، لأنه صالح عن بعض ماله ببعض فهو هضم للحق ، والثانية : وهي ظاهر " الموجز " ، و " التبصرة " ويحتمله كلام المؤلف يصح وبالجملة فقد منع الخرقي ، وابن أبي موسى الصلح على الإقرار ، وأباه الأكثرون ، كما اقتضاه كلام المؤلف ، فعلى الأول إن وفاه من جنس حقه فهو وفاء من غير جنسه معاوضة ، وإن أبرأه من بعضه فهو إبراء ، وإن وهبه بعض العين فهو هبة ، ولا يسمى صلحا فالخلاف إذن في التسمية . قاله في " المغني " ، و " الشرح " ، وأما المعنى فمتفق عليه ، وشرطه ( إن لم يكن بشرط مثل أن يقول : على أن تعطيني الباقي ) في الأصح ، لأنه أكل لمال الغير بالباطل وهضم للحق ( أو يمنعه حقه بدونه ) أي : بدون الصلح ، فلا يصح قولا واحدا ( ولا يصح ذلك ممن لا يملك التبرع كالمكاتب ، والمأذون له وولي اليتيم ) ، لأنه تبرع وهؤلاء لا يملكونه ( إلا في حال الإنكار وعدم البينة ) ، فإنه يصح . ومثله ناظر الوقف ، وصرح به أبو العباس ابن تيمية في شرحه على " المحرر " ، لأن استيفاء البعض عند العجز عن استيفاء الكل أولى من تركه ، وظاهره أنه مع الإقرار ، أو وجود البينة لا يملكونه لما قلنا ويصح عما ادعى على موليه وبه بينة ، وقيل : أو لا .

( ولو صالح عن المؤجل ببعضه حالا لم يصح ) نقله الجماعة ، لأنه يبذل القدر الذي يحطه عوضا عن تعجيل ما في ذمته ومع الحلول ، والتأجيل لا يجوز ، كما لو أعطاه [ ص: 280 ] عشرة حالة بعشرين مؤجلة ، وفي الإرشاد ، و " المبهج " رواية بالصحة ، واختارها الشيخ تقي الدين لبراءة الذمة هنا ، وكدين الكتابة جزم به الأصحاب ، ونقله ابن منصور ، وقال ليس بينه وبين سيده ربا ، فدل أنه إنما جوزه على هذا الأصل ، والأشهر عكسه .

( وإن وضع بعض الحال وأجل باقيه ) ، كما لو صالحه عن مائة حالة بخمسين مؤجلة ( صح الإسقاط ) ، لأنه أسقطه عن طيب نفسه ، ولا مانع من صحته ، لأنه ليس في مقابله تأجيل ، فوجب أن يصح ، كما لو أسقطه كله ، وعنه : لا يصح ، وصححها أبو الخطاب ، لأنه هضم للحق ، والأول أصح ( دون التأجيل ) على الأصح ، لأن الحال لا يتأجل ، ولأنه وعد ، وكذا لو صالحه عن مائة صحاح بخمسين مكسرة هل هو إبراء من الخمسين ووعد في الأخرى ؛ قاله في " الفروع " ( وإن صالح عن الحق بأكثر منه من جنسه مثل أن يصالح عن دية الخطأ ، أو عن قيمة متلف بأكثر منها من جنسها لم يصح ) جزم به في " الوجيز " ، وصححه الشيخ تقي الدين ، وأنه قياس قول أحمد ، لأن الدية والقيمة تثبت في الذمة بقدره ، فلم يجز أن يصالح عنها بأكثر منها من جنسها كالثابتة عن قرض ، إذ الزائد لا مقابل له فيكون حراما ، لأنه من أكل المال بالباطل وكالمثلي ، وقيد في " الفروع " ، وغيره المتلف بكونه غير مثلي ويخرج على ذلك تأجيل القيمة . قاله القاضي ، وغيره ، وفي " المغني " ، و " الشرح " رواية بأنه يصح أن يصالح عن المائة الثابتة بالتلف بمائة مؤجلة ، لأنه عاوض عن المتلف بمائة مؤجلة فجاز ، كما لو باعه إياه ، وذكر الشيخ تقي الدين رواية بتأجيل الحال في المعاوضة لا التبرع [ ص: 281 ] ( وإن صالحه بعوض قيمته أكثر منها ، صح فيهما ) ، لأنه لا ربا بين العوض ، والمعوض ، فصح كما لو باعه ما يساوي خمسة بدرهم .

( وإن صالحه عن بيت ) أي : إذا ادعى عليه بيتا فصالحه ( على أن يسكنه سنة ، أو يبني له فوقه غرفة ) ، أو صالحه على بعضه ( لم يصح ) جزم به الأصحاب ، لأنه يصالحه عن ملكه على ملكه ، أو منفعته فمتى فعل ذلك كان تبرعا متى شاء أخرجه منها ، وإن فعله على سبيل المصالحة معتقدا إيجابه عليه بالصلح رجع عليه بأجرة ما سكن وأخذ ما كان في يده من الدار ، لأنه أخذه بعقد فاسد ( وإن قال له : أقر لي بديني وأعطيك ) ، أو خذ ( منه مائة ففعل ، صح الإقرار ) ، لأنه أقر بحق يحرم عليه إنكاره ( ولم يصح الصلح ) ، لأنه يجب عليه الإقرار بما عليه من الحق ، فلم يحل له أخذ العوض عما يجب عليه ، فعلى هذا يرد ما أخذ ، لأنه تبين كذبه بإقراره ، وأن الدين عليه فلزمه أداؤه بغير عوض ( وإن صالح إنسانا ) مكلفا ( ليقر له بالعبودية ) أي : بأنه مملوكه ( أو امرأة لتقر له بالزوجية لم يصح ) ، لأن ذلك صلح يحل حراما ، لأن إرقاق النفس وبذل المرأة نفسها بعوض لا يجوز .

( وإن دفع المدعى عليه العبودية إلى المدعي مالا صلحا عن دعواه ، صح ) ، لأنه يجوز أن يعتق عبده بعوض ويشرع ذلك في حق الدافع لقطع الخصومة المتوجهة عليه ، زاد في " المغني " ، و " الشرح " ويدفع اليمين الواجبة ، وظاهره أن المرأة إذا دفعت إليه عوضا عن هذه الدعوة ليكف نفسه عنها لم يصح ، وهو وجه في " المغني " ، وهو ظاهر " البلغة " ، لأن الدفع في الإنكار لافتداء اليمين [ ص: 282 ] وقطع الخصومة ، ولا يمين عليها ، ولأن خروج البضع من ملك الزوج لا قيمة له ، وإنما أجيز الخلع لأجل الحاجة إلى افتداء نفسها ، والثاني : يصح ، ذكره أبو الخطاب ، وابن عقيل ، وجزم به في " الوجيز " ، لأن المدعي يأخذ عوضا عن حقه في النكاح فجاز كعوض الخلع ، والمرأة تبذله لقطع الخصومة وإزالة الشرور بما توجهت اليمين عليها لكون الحاكم يرى ذلك ، فلو صالحته ، ثم ثبتت الزوجية ، فإن قلنا : الصلح باطل فالنكاح باق بحاله ، لأنه لم يوجد من الزوج طلاق ، ولا خلع ، وإن قلنا : هو صحيح فوجهان أحدهما : كذلك ، والثاني : تبين منه بأخذ العوض ، لأنه أخذ العوض عما كان يستحقه من نكاحها فكان خلعا ، كما لو أقرت له بالزوجية فخالعها ، ولو ادعت أن زوجها طلقها ثلاثا فصالحها على مال لتترك دعواها لم يصح ، وقيل : بلى ، كما لو بذلت له عوضا ليطلقها ثلاثا .

التالي السابق


الخدمات العلمية