صفحة جزء
فصل . القسم الثاني : أن يدعي عليه عينا ، أو دينا فينكره ، ثم يصالحه على مال ، فيصح ويكون بيعا في حق المدعي حتى إن وجد بما أخذ عيبا فله رده وفسخ الصلح ، وإن كان شقصا مشفوعا ثبتت فيه الشفعة ، ويكون إبراء في حق الآخر ، فلا يرد ما صالح عنه بعيب ، ولا تؤخذ به شفعة ، ومتى كان أحدهما عالما بكذب نفسه فالصلح باطل في حقه ، وما أخذه حرام عليه ، وإن صالح عن المنكر أجنبي بغير إذنه صح ، ولم يرجع عليه في أصح الوجهين ، وإن صالح الأجنبي لنفسه لتكون المطالبة له غير معترف بصحة الدعوى ، أو معترفا بها عالما بعجزه عن استنقاذها ، لم يصح وإن ظن القدرة عليه صح ، ثم إن عجز عن ذلك فهو مخير بين فسخ الصلح وإمضائه .


فصل

( القسم الثاني ) : صلح على الإنكار ، وهو ( أن يدعي عليه عينا ، أو دينا فينكره ) ، أو يسكت ( ثم يصالحه على مال ، فيصح ) في قول أكثر العلماء لعموم ما سبق ، فإن قلت : قوله عليه السلام : إلا صلحا أحل حراما ، وهذا داخل فيه ، لأنه لم يكن له أن يأخذ من مال المدعى عليه فحل بالصلح . فالجواب أنه لا يصح دخوله فيه ، ولا يمكن حمل الخبر عليه لأمرين أحدهما : أن ما ذكرتم يوحد في الصلح بمعنى الهبة ، فإنه يحل للموهوب ما كان حراما الثاني : لو حل به المحرم لكان الصلح صحيحا ، فإن الصلح الفاسد لا يحل الحرام ، وإنما معناه ما يتوصل به إلى تناول المحرم مع بقائه ، كما لو صالحه على استرقاق حر ، ولأنه يصح مع الأجنبي ، فصح مع الخصم كالصلح على الإقرار ، وشرط صحته أن يكون المدعي يعتقد حقية ما ادعاه ، والمدعى عليه عكسه [ ص: 286 ] فيدفع إلى المدعي شيئا افتداء ليمينه وقطعا للخصومة وصيانة لنفسه عن التبذل وحضور مجلس الحكم ، فإن ذوي الأنفس الشريفة يصعب عليها ذلك ، ولأن الشريعة وردت بجلب المصالح ودرء المفاسد ، وهذا كذلك ، إذ المدعي يأخذ عوض حقه الثابت له في اعتقاده سواء كان المأخوذ من جنس حقه ، أو لم يكن ، لكن إن أخذ من جنس حقه لم يجز بأكثر ، لأن الزائد لا مقابل له ، وإن كان من غير جنسه جاز ، وظاهره أنه إذا ادعى عليه وديعة ، أو تفريطا فيها ، أو قراضا ، فأنكر وصالحه على مال فهو جائز ، ذكره في " الشرح " ، وغيره ( ويكون بيعا في حق المدعي ) ، لأنه يعتقده عوضا عن حقه فيلزمه حكم اعتقاده ( حتى إن وجد بما أخذ عيبا فله رده وفسخ الصلح ) ، كما لو اشترى شيئا فوجده معيبا ( وإن كان شقصا مشفوعا ثبتت فيه الشفعة ) ، لأنه بيع لكونه أخذه عوضا ، كما لو اشتراه ، فإن صالح ببعض عين المدعى فهو فيه كمنكر ، وفيه خلاف ( ويكون إبراء في حق الآخر ) أي : المنكر ، لأنه دفع المال افتداء ليمينه وإزالة الضرر عنه لا عوضا عن حق يعتقده ( فلا يرد ما صالح عنه بعيب ، ولا تؤخذ به شفعة ) لاعتقاده أنه ليس بعوض .

أصل : لم يتعرض المؤلف لحلول المأخوذ ، ولا تأجيله ، ولكن ذكر ابن أبي موسى في الإرشاد أنه يصح بنقد ونسيئة ، لأن المدعي ملجأ إلى التأخير بتأخير خصمه قال في " الترغيب " : وظاهره لا تثبت فيه أحكام البيع إلا فيما يختص البائع من شفعة عليه وأخذ زيادة مع اتحاد الجنس واقتصر المجد على قول أحمد إذا صالحه على بعض حقه بتأخير جاز [ ص: 287 ] ( ومتى كان أحدهما عالما بكذب نفسه فالصلح باطل في حقه ) ، لأنه عالم بالحق قادر على إيصاله إلى معتقد أنه محق ( وما أخذه حرام عليه ) ، لأنه أكل للمال بدعواه الباطلة الكاذبة ، ولا يشهد له إن علم ظلمه نقله المروذي ( وإن صالح عن المنكر أجنبي بغير إذنه ، صح ) ، لأنه قصد براءة ذمته ، أشبه ما لو قضى دينه ، اعترف للمدعي بصحة دعواه ، أو لا ، وظاهره أنه لا فرق بين أن يكون المدعى دينا ، أو عينا ، وهو كذلك في الدين ، لأن قضاء الدين جائز مطلقا لقضية أبي قتادة ، وجزم به الأصحاب ، وفي العين إذا لم يذكر أن المنكر وكله وجهان أحدهما : يصح ، وهو ظاهر المتن ، و " الوجيز " افتداء ليمينه وقطعا للخصومة ، والثاني : لا يصح جزم به في " المحرر " ، وظاهره أنه يصح مع إذنه ويرجع عليه ، لأنه وكيله فلو قال : صالحني عن الملك الذي تدعيه ففي كونه مقرا له وجهان ( ولم يرجع عليه في أصح الوجهين ) ، لأنه أدى عنه ما لا يلزمه أداؤه ، والثاني : يرجع كالضمان ، والفرق واضح ، وهما إذا نوى الرجوع ، وخرجه القاضي ، وأبو الخطاب على الروايتين فيما إذا قضى دينه الثابت بغير إذنه ، وفي هذا التخريج نظر ، لأن هذا لا يثبت وجوبه على المنكر ، ولا يلزمه أداؤه إلى المدعي فكيف يلزمه أداؤه إلى غيره ( وإن صالح الأجنبي لنفسه لتكون المطالبة له غير معترف بصحة الدعوى ) فالصلح باطل ، لأنه يشتري منه ما لم يثبت له ، ولا تتوجه إليه خصومة يفتدي منها ، أشبه ما لو اشترى ملك غيره ( أو معترفا بها عالما بعجزه عن استنقاذها لم يصح ) ، لأنه اشترى ما لا يقدر البائع على تسليمه كشراء الآبق ، وظاهره لا فرق بين أن يكون المصالح عنه [ ص: 288 ] دينا ، أو عينا ، وفرق بينهما في " المغني " ، و " الشرح " ، فصححاه في العين ، لأنه اشترى منه ملكه الذي يقدر على قبضه ومنعاه في الدين لما ذكرناه وحكيا عن بعض الأصحاب صحته ، وفيه نظر ، لأن بيع الدين المقر به من هو في ذمته لا يصح ففي ذمة منكر معجوز عن قبضه أولى ، فإن اشتراه ، وهو يظن أنه عاجز عن قبضه ، فتبين أن قبضه ممكن ، صح في الأصح ويحتمل أن يفرق بين من يعلم أن البيع يفسد بالعجز عن تسليم المبيع وبين من لا يعلم ذلك ( وإن ظن القدرة عليه ، صح ) أي : مع الاعتراف بصحة الدعوى ، لأنه اشترى منه ملكه الذي يقدر على تسليمه ( ثم إن عجز عن ذلك فهو مخير بين فسخ الصلح ) ، لأنه لم يسلم له المعقود عليه فكان له الرجوع إلى بدله ( وإمضائه ) ، لأن الحق له كالرد بالعيب ، وفي " المغني " ، و " الشرح " احتمال أنه إن تبين أنه لا يقدر على تسليمه تبينا أن الصلح كان فاسدا ، لأن الشرط هو القدرة على قبضه ، وهو معدوم حال العقد فهو كما لو اشترى عبده ، فتبين أنه كان آبقا .

تنبيه : إذا قال أجنبي : أنا وكيل المدعى عليه في مصالحتك ، وهو مقر لك في الباطن ، فظاهر الخرقي أنه لا يصح ، لأنه هضم للحق ، وقال القاضي : يصح ومتى صدقه المنكر ملك العين ولزمه ما أدى عنه ، وإن أنكر الوكالة حلفه وبرئ وحكم ملكها في الباطن إن كان وكله ، فلا يقدح إنكاره ، وإن لم يوكله لم يملكها ويحتمل أن يقف على الإجازة ، فإن قال الأجنبي للمدعي : قد عرف المدعى عليه صحة دعواك ، وهو يسألك أن تصالحه عنه ، وقد وكلني في المصالحة عنه صح ، وإن صالح عن المنكر بشيء ، ثم أقام بينة أن المنكر أقر [ ص: 289 ] قبل الصلح بالملك للمدعي لم يسمع ، ولم ينقض الصلح ، ولو شهدت بأصل الملك .

التالي السابق


الخدمات العلمية