صفحة جزء
ولا يجوز أن يشرع إلى طريق نافذ جناحا ، ولا ساباطا ، ولا دكانا ولا أن يفعل ذلك في ملك إنسان ، ولا درب غير نافذ إلا بإذن أهله ، فإن صالح عن ذلك بعوض جاز في أحد الوجهين وإذا كان ظهر داره في درب غير نافذ ففتح فيه بابا لغير الاستطراق جاز ، ويحتمل أن لا يجوز ، وإن فتحه للاستطراق لم يجز إلا بإذنهم في أحد الوجهين وإن صالحهم جاز ، ولو أن بابه في آخر الدرب ؛ ملك نقله إلى أوله ، ولم يملك نقله إلى داخل منه في أحد الوجهين وليس له أن يفتح في حائط جاره ، ولا الحائط المشترك روزنة ، ولا طاقا إلا بإذن صاحبه .


( ولا يجوز أن يشرع إلى طريق نافذ جناحا ) ، وهو الروشن على أطراف خشب مدفونة في الحائط ( ولا ساباطا ) وهو المستوفي للطريق كله على جدارين ( ولا دكانا ) ، لأنه تصرف في ملك غيره بغير إذنه كغير النافذ ، ولا فرق بين أن يضر بالمارة ، أو لا ، لأنه إذا لم يضر حالا ، فقد يضر مآلا أذن الإمام فيه أو لا ، لأنه ليس له أن يأذن في ما لا مصلحة للمسلمين فيه لا سيما إذا احتمل أن يكون ضرارا عليهم في المآل ، فعلى هذا يضمن ما تلف به ، والمذهب أنه يجوز ذلك الدكان بإذن الإمام ، أو نائبه بلا ضرر ، لأنه نائب عن المسلمين فجرى إذنه مجرى إذنهم ، وفي " الفروع " جوزه الأكثر بإذن الإمام ، وفي " الترغيب " : وأمكن عبور محمل ، وقيل : ورمح قائما بيد فارس ، ولم يعتبره أكثرهم بل يكون بحيث لا يضر بالعمارات والمحامل .

فرع : حكم الميازيب ، والدكة كالجناح ، وقد روي أن عمر اجتاز على دار العباس ، وقد نصب ميزابا إلى الطريق فقلعه فقال تقلعه ، وقد نصبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده ؛ فقال : والله لا ينصبه إلا على ظهري ، فانحنى حتى صعد على ظهره فنصبه ، ولأن العادة جارية به ، وفي سقوط نصف الضمان [ ص: 296 ] بتآكل أصله وجهان ( ولا أن يفعل ذلك في ملك إنسان ، ولا درب غير نافذ إلا بإذن أهله ) ، لأن المنع لحقهم ، فإذا رضوا بإسقاطه جاز ، والاستثناء راجع إلى الجمل الأخيرة ، لأن أهل الطريق النافذ جميع المسلمين فالإذن من جميعهم غير متصور ، فلا فائدة في الحكم عليه بالجواز ( فإن صالح عن ذلك بعوض جاز في أحد الوجهين ) . قاله أبو الخطاب ، وجزم به في " الوجيز " ، وصححه في " الفروع " ، لأنه يجوز الصلح بغير عوض فجاز أخذ عوضه كالقرار ، وشرطه أن ما يخرجه معلوم المقدار من الخروج ، والعلو ، والثاني : لا يجوز . قاله القاضي ، لأنه بيع للهواء ، وظاهره التعميم ، والمصرح به في كلام القاضي ونقله عنه في " الكافي " بأن المنع في الجناح ، والساباط ، وأما الدكان ، فلا يتأتى فيها العلة لكونها تبنى على القرار لا على هوائه .

( وإذا كان ظهر داره في درب غير نافذ ففتح فيه بابا لغير الاستطراق جاز ) ، لأن له رفع جميع حائطه ، فبعضه أولى ( ويحتمل أن لا يجوز ) حكاه ابن عقيل ، لأن شكل الباب مع تقادم العهد ربما استدل به على حق الاستطراق فيضر بأهل الدرب بخلاف رفع الحائط ، فإنه لا يدل على شيء ( وإن فتحه للاستطراق لم يجز ) ، إذ لا حق له في الدرب الذي هو ملك غيره ( إلا بإذنهم ) ، لأن الحق لهم ، وقد رضوا بإسقاطه ( في أحد الوجهين ) هو متعلق بقوله : لم يجز لا المستثنى ، والوجه الثاني : يجوز ، لأنه يملك رفعه ، والأول أولى ، لأنه يجعل لنفسه حق الاستطراق في محل مملوك لغيره ، وظاهره أنه يجوز فتحه في درب نافذ [ ص: 297 ] لأنه يرتفق بما لم يتعين بملك أحد عليه لا يقال : فيه إضرار بأهل الطريق لجعله نافذا يستطرق إليه من الشارع ، لأنه لا يصير الطريق نافذا ، وإنما تصير داره نافذة ، وليس لأحد استطراقها ( وإن صالحهم جاز ) ، لأن ذلك حقهم فجاز أخذ العوض عنه كسائر الحقوق ( ولو أن بابه في آخر الدرب ) النافذ ( ملك نقله إلى أوله ) أي : بلا ضرر ، لأنه ترك بعض حقه ، لأن له الاستطراق إلى آخره ، وفي " الترغيب " ، وقيل : لا محاذيا لباب غيره ، وجزم به في " الوجيز " ، فعلى الأول إن أراد نقله إلى موضعه الأول كان له ذلك ( ولم يملك نقله إلى داخل منه ) ، وهو تلقاء صدر الزقاق ( في أحد الوجهين ) ، نص عليه ، لأنه تقدم بابه إلى موضع الاستطراق له ، ولم يأذن فيه من فوقه ، وقيل : وأسفل منه ، ويكون إعارة في الأشبه وظاهر نقل يعقوب يجوز إن سد الأول ، واختاره ابن أبي موسى ، والثاني : الجواز ، لأن له في الابتداء جعل بابه حيث شاء فتركه له لا يسقط حقه منه .

فروع : الأول : إذا كان في الدرب بابان لرجلين أحدهما في أول الدرب ، والآخر في داخله فلصاحب الداخل تحويله حيث شاء ، لأنه لا منازع له فيما يجاوز الباب الأول إذا قلنا : ليس للقريب أن يقدمه إلى داخل ، وعلى الثاني : لكل منهما تقديمه ، فإن كان في داخل الدرب باب لثالث فحكم الأوسط كالأول .

الثاني : إذا كان لرجل داران متلاصقتان ظهر كل منهما إلى ظهر الأخرى بابهما في دربين مشتركين غير نافذ جاز له رفع الحاجب بينهما وجعلهما دارا واحدة ، [ ص: 298 ] فإن فتح بابا بينهما ليتمكن من التطرق إلى كلا الدربين فقال القاضي : لا يجوز ، لأنه يثبت له حق الاستطراق في درب لا ينفذ من دار ، ولم يكن فيها طريق ، وفي " المغني " الأشبه الجواز ، لأن له رفع الحاجز فبعضه أولى .

الثالث : يحرم إحداثه في ملكه ما يضر بجاره كحمام وتنور وكنيف ، فإن فعل فله منعه كابتداء إحيائه وكدق وسقي يتعدى إليه بخلاف طبخه وخبزه ، لأنه يسير ، وعنه : ليس له منعه في ملكه المختص به ، ولم يتعلق به حق غيره وكتعلية داره في ظاهر كلام المؤلف ، ولو أفضى إلى سد الفضاء عن جاره . قاله الشيخ تقي الدين ، وقد احتج أحمد بقوله عليه السلام : لا ضرر ، ولا إضرار . فيتوجه المنع . قاله في " الفروع " .

( وليس له ) أي : يحرم عليه ( أن يفتح في حائط جاره ، ولا الحائط المشترك روزنة ، ولا طاقا ) ، لأنه انتفاع بملك غيره وتصرف فيه ، وكذا يحرم عليه أن يغرز فيه وتدا ، أو يحدث حائطا ، وكذا يمنع من بناء سترة ، ذكره جماعة وحمل القاضي نصه : يلزمه النفقة مع شريكه على السترة على سترة قديمة انهدمت ، واختار في " المستوعب " وجوبها مطلقا على نصه ويباح استناده إليه وإسناد شيء ، لأنه لا مضرة فيه ، والتحرز منه يشق ، وفي " النهاية " في منعه احتمالان وله الجلوس في ظله ونظره في ضوء سراجه . نقل المروذي : يستأذنه أعجب إلي ، فإن منعه ، حاكمه . ونقل جعفر : لا يستأذنه [ ص: 299 ] قال الشيخ تقي الدين : العين ، والمنفعة التي لا قيمة لها عادة لا يصح أن يرد عليها عقد بيع ، أو إجارة اتفاقا ( إلا بإذن صاحبه ) ، لأن الحق له ، فإن صالحه عن ذلك بعوض جاز .

التالي السابق


الخدمات العلمية