صفحة جزء
ولا يجوز التيمم إلا بتراب طاهر له غبار يعلق باليد فإن خالطه ذو غبار ولا يجوز التيمم به ، كالجص ونحوه ، فهو كالماء إذا خالطته الطاهرات .


( ولا يجوز التيمم إلا بتراب طاهر ) أي : طهور غير محترق ( له غبار يعلق باليد ) هذا أشهر الروايات عنه ، واختاره الأكثر لقوله تعالى فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه [ المائدة : 6 ] وما لا غبار له كالصخر لا يمسح بشيء منه ، وقال ابن عباس : الصعيد تراب الحرث ، والطيب : الطاهر . ويؤكده قوله عليه السلام : وجعل لي التراب طهورا رواه الشافعي وأحمد من حديث علي ، وهو حديث حسن ، فخص ترابها بحكم [ ص: 220 ] الطهارة ، وذلك يقتضي نفي الحكم عما عداه ، وقول الخليل : إن الصعيد وجه الأرض ، والزجاج ، مستدلا بقوله تعالى فتصبح صعيدا زلقا [ الكهف : 40 ] ، وقائلا بأنه لا يعلم خلافا بين أهل اللغة ، يعارضه قول ابن عباس ، مع أن قولهما بالنسبة إلى اللغة ، وقوله بالنسبة إلى التفسير ، وقد تأكد بقول صاحب الشريعة ، وقال في " الكشاف " : إن " من " لابتداء الغاية قول متعسف ، ولا يفهم أحد من العرب من قول القائل : مسحت برأسه من الدهن ، ومن الماء ، والتراب إلا معنى التبعيض ، والإذعان للحق أحق من المراء .

والثانية ، وأومأ إليها في رواية أبي داود : يجوز بالرمل والسبخة لعموم قوله عليه الصلاة والسلام : وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا ، وجعلت تربتها لنا طهورا رواه مسلم من حديث حذيفة ، والتراب بعض أفرادها ، والتنصيص عليه لا يخصص ، وأجيب بأن التخصيص بالمفهوم لا بذكر بعض الأفراد ، وحمله الخلال على عدم التراب ، وكان لهما غبار ، وشرط القاضي الغبار دون العدم . وفي ثالثة : يجوز بكل ما تصاعد على وجه الأرض من جص ونورة ، ونحوهما ، وحكاه في " الفروع " قولا ، وذلك عند العدم لا مطلقا ، وفي رابعة : يجوز بالسبخة فقط إذا كان لها غبار ، قال الشيخ تقي الدين : وعليه ينزل كلام أحمد ، فعلى الأول : يجوز بكل تراب على أي لون كان ، بشرط أن يكون له غبار يعلق باليد ، ومن ثم لو ضرب بيده على تراب أو لبد أو شجرة أو شعير له غبار يعلق باليد جاز التيمم به ، نص عليه ، وكذا لو سحق الطين ، وتيمم به ، ولو كان مأكولا كالطين الأرمني ، إلا أن يكون بعد الطبخ ، فلا يجزئه على المشهور ، لأن الطبخ أخرجه أن يقع عليه اسم التراب ، وعلم منه أنه لا يصح من مقبرة تكرر [ ص: 221 ] نبشها ، وإن شك فيه ، فوجهان ، ومنع منه ابن عقيل ، وإن لم يتكرر ، والتراب المغصوب كالماء . قال المجد رحمه الله : وظاهره ولو تراب مسجد ، ولعله غير مراد ، فإنه لا يكره بتراب زمزم مع أنه مسجد ، وقالوا : يكره إخراج حصى المسجد وترابه للتبرك وغيره ، والكراهة لا تمنع الصحة ، ولأنه لو تيمم بتراب غيره جاز في ظاهر كلامهم للإذن فيه عادة وعرفا ، كالصلاة في أرضه ، وقال عمر : لا ، لا يتيمم بالثلج لكن إن لم يجد غيره ، وتعذر تذويبه فالمنصوص عنه : أنه يمسح به أعضاء وضوئه ، وفي الإعادة روايتان ، وفي " المغني " لا يجزئه إلا بالجريان ( فإن خالطه ذو غبار ، ولا يجوز التيمم به ، كالجص ونحوه ، فهو كالماء إذا خالطته الطاهرات ) هذه طريقة عامة أصحابنا ، لأنه بدل ، فيقاس على مبدله ، وقيل : يمنع مطلقا ، وقال ابن تميم : وهو أقيس ، لأنه ربما حصل بالعضو منه شيء فمنع وصول التراب ، والمائع يستهلك في الماء .

تنبيه : ما يتيمم به واحد فكماء مستعمل ، وقيل : يجوز كما تيمم منه في الأصح ، وأعجب أحمد حمل تراب للتيمم ، وقال الشيخ تقي الدين : لا ، قال في " الفروع " : وهو أظهر ، ويكره نفخ الغبار عن يديه إن قل ، وعنه : أو كثر ، وعنه : لا يكره مطلقا إلا أن يذهب كله بالنفخ .

التالي السابق


الخدمات العلمية