صفحة جزء
[ ص: 222 ] فصل

وفرائض التيمم أربعة : مسح جميع وجهه ، ويديه إلى كوعيه ، والترتيب والموالاة على إحدى الروايتين .

ويجب تعيين النية لما يتيمم له من حدث أو غيره فإن نوى جميعها ، جاز ، وإن نوى أحدها لم يجزئه عن الآخر ، وإن نوى نفلا أو أطلق النية للصلاة لم يصل إلا نفلا وإن نوى فرضا ، فله فعله ، والجمع بين الصلاتين وقضاء الفوائت والتنفل إلى آخر الوقت .


فصل

( وفرائض التيمم أربعة : مسح جميع وجهه ، ويديه إلى كوعيه ) لقوله تعالى فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه [ المائدة : 6 ] ، وفي البخاري : وضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - بكفيه الأرض ، ونفخ فيهما ، ثم مسح بهما وجهه وكفيه وذلك يقتضي وجوب استيعابهما به ، فالوجه يجب مسح ظاهره بما لا يشق ، فلا يمسح باطن الفم والأنف ، ولا باطن الشعر الخفيف ، وظاهر " المستوعب " استثناء باطن الفم والأنف فقط ، واليدين إلى الكوعين ، فإذا كان أقطع منه ، وجب مسح موضع القطع في المنصوص ، كما لو بقي من الكف بقية ، وقال القاضي : لا يجب بل يستحب كما لو قطع من فوق الكوع على المنصوص .

( والترتيب والموالاة ) عرفا ( على إحدى الروايتين ) هذا ظاهر المذهب ، لأنهما فرض في المبدل ، فكذا في البدل ، والثانية ، وحكاها في " الفروع " قولا : لا يجبان ، وإن وجبا في الوضوء ، وهو ظاهر الخرقي لظاهر الأحاديث ، وقيل : الترتيب ، قال المجد : هو قياس ، ولهذا يجزئه مسح باطن أصابعه مع مسح وجهه ، وظاهره يشمل الطهارة الكبرى ، لأنها صفة واحدة بخلاف الغسل والوضوء ، فإن صفتيهما مختلفة ، وهو قول أبي الحسين ، والمذهب أنهما لا يجبان فيها ، جزم به في " الوجيز " وقدمه في " الفروع " وقيل : بلى ، وقيل : موالاة ، والتسمية هنا كالوضوء .

( ويجب تعيين النية لما يتيمم له من حدث ، أو غيره ) كنجاسة على بدنه ، [ ص: 223 ] فينوي استباحة الصلاة من الجنابة ، والحدث إن كانا أو أحدهما ، أو بعض بدنه ، أو كله ، ونحوه . أو ما شرطه الطهارة كمس المصحف ، لأنها طهارة ضرورة ، فلم ترفع الحدث ، كطهارة المستحاضة ، فلم يكن بد من التعيين تقوية لضعفه ، فلو نوى رفع الحدث لم يصح ، لأنه لو وجد الماء لزمه استعماله لرفع الحدث الذي كان قبل التيمم إجماعا ، ولو رفعه لاستوى الجميع في الوجدان ، ونقل عنه الفضل ، وبكر بن محمد : أنه يصلي به إلى حدثه ، اختاره أبو محمد الجوزي ، والشيخ تقي الدين ، فيرفع الحدث كطهارة الماء ، وفيه حديثان متعارضان ، حديث عمرو بن العاص ، وحديث أبي ذر ، وجمع بينهما بعض أصحابنا : بأنه لم يمنع من إطلاق الحدث عليه ، لأنه بزوال البرد ، أو وجود الماء ، يظهر حكم الحدث ، ويبطل التيمم ، فالمانع لم يزل رأسا ، وفي الثاني : حكم بأنه طهور عند عدم الماء ، فيستباح به ما يستباح بالماء ( فإن نوى جميعها جاز ) للخبر ، ولأن كل واحد يدخل في العموم فيكون منويا ( وإن نوى أحدها ، لم يجزئه عن الآخر ) لأسباب مختلفة ، فلم يجزئه بعض عن آخر كالحج ، والعمرة ، وقيل : بلى ، لأن طهارتهما واحدة ، فسقطت إحداهما بفعل الأخرى كالبول ، والغائط ، وأجاب في " المغني " و " الشرح " بأن حكمهما واحد ، وهو الحدث الأصغر بدليل الإجزاء به عن الآخر في الوضوء ، وقدم في " الرعاية " : أنه يجزئ إن كانا غسلين ، فإن تيمم للأكبر دون الأصغر أبيح له ما يباح للمحدث فقط ، فإن أحدث لم يؤثر ذلك في تيممه .

وإن تيمم لهما ، ثم أحدث بطل تيممه للحدث فقط ، فلو تيممت بعد طهرها من [ ص: 224 ] الحيض له ، ثم أجنبت ، فله الوطء لبقاء حكمي تيمم الحيض ( وإن نوى نفلا ) لم يستبح سواه ، لأن غيره ليس بمنوي ، أو أطلق النية للصلاة لم يصل إلا نفلا ) لأن التعيين شرط في الفرض ، ولم يوجد ، فأبيح له التنفل ، لأنه أقل ما يحمل عليه الإطلاق ، وفيه وجه : يصلي به الفرض ، وقيل : مع الإطلاق ، واختاره ابن حمدان ، واختار أنه لا يصلي به نفلا فوق ركعتين بسلام واحد بلا نية ( وإن نوى فرضا ) سواء كانت معينة أو مطلقة ( فله فعله ، والجمع بين الصلاتين ، وقضاء الفوائت والتنفل إلى آخر الوقت ) وهو معنى كلامه في " الوجيز " وغيره ، صلى به فروضا ونوافل . وفي " الرعاية " ونذرا ، هذا هو المعروف في المذهب ، مع أن القاضي لم يحك به ، وإنما أطلق أحمد القول في رواية جماعة ، أنه يتيمم لكل صلاة ، ومعناه لوقت كل صلاة ، لأنها طهارة صحيحة ، أباحت فرضا فأباحت ما هو مثله ، كطهارة الماء .

وعنه : لا يجمع به بين فرضين ، اختاره الآجري ، وهو قول ابن عباس ، وعليها له فعل غيره مما شاء ، ولو خرج الوقت ، لكن في إسناده عن ابن عباس الحسن بن عمارة ، وهو ضعيف ، مع أن حربا روى عنه أنه قال : التيمم بمنزلة الوضوء يصلي به الصلوات ما لم يحدث ، والأصح : أنه يتنفل قبل الفرض ، ثم يصليها ، وما شاء إلى آخر وقتها عن أي شيء تيمم ، وعنه : لا يتنفل إلا أن يكون نوى الفرض والنفل ، فإن خالف وصلى ، لم يفعل به الفرض بعد ذلك ، وضابطه أن من نوى شيئا استباحه ، ومثله ودونه ، فالنذر دون ما وجب شرعا . قال الشيخ تقي الدين : ظاهر كلامهم لا فرق ، وفرض كفاية دون فرض عين ، وفرض جنازة أعلى [ ص: 225 ] من نافلة ، وقيل : يصليها بتيمم نافلة ، ويباح الطواف بنية النافلة في الأشهر ، كمس المصحف ، قال الشيخ تقي الدين : ولو كان الطواف فرضا ، خلافا لأبي المعالي ، ولا تباح نافلة بنية مس مصحف ، وطواف في الأشهر . وإن تيمم جنب لقراءة أو مس مصحف فله اللبث في المسجد . قال القاضي : وجميع النوافل ، لأنها في درجة واحدة ، وإن تيمم لمس مصحف فله القراءة ، ولا يستبيحها بنية اللبث ، وتباح الثلاثة بنية الطواف لا العكس ، وإن تيمم لمس مصحف ، ففي نفل طواف وجهان ، وفي " المغني " إن تيمم جنب لقراءة أو لبث أو مس مصحف ، لم يستبح غيره ، قال ابن تميم : وفيه نظر ، وفي " الرعاية " وفيه بعد .

التالي السابق


الخدمات العلمية