صفحة جزء
فصل ومن فك عنه الحجر فعاود السفه أعيد الحجر عليه ، ولا ينظر في ماله إلا الحاكم ، ولا ينفك عنه إلا بحكمه ، وقيل : ينفك عنه بمجرد رشده ويستحب إظهار الحجر عليه ، والإشهاد عليه ويصح تزوجه بإذن وليه ، وقال القاضي : يصح إذنه وهل يصح عتقه على روايتين ، وإن أقر بحد ، أو قصاص ، أو نسب ، أو طلق زوجته أخذ به ، وإن أقر بمال لم يلزمه في حال حجره ، ويحتمل أن لا يلزمه مطلقا وحكم تصرف وليه حكم تصرف ولي الصبي والمجنون .


[ ص: 342 ] فصل

( ومن فك عنه الحجر ) لرشده ، أو بلوغه ودفع إليه ماله ( فعاود السفه أعيد الحجر عليه ) في قول الجماهير لما روى عروة بن الزبير أن عبد الله بن جعفر ابتاع بيعا فقال علي : لآتين عثمان ليحجر عليك ، فأتى عبد الله بن جعفر الزبير فذكر ذلك له ، فقال الزبير : أنا شريكك في البيع فأتى علي عثمان فذكر له القضية ، فقال الزبير : أنا شريكه في البيع ، فقال عثمان : كيف أحجر على رجل شريكه الزبير . رواه الشافعي قال أحمد : لم أسمع هذا إلا من أبي يوسف القاضي ، وهذه قضية اشتهرت ، ولم تنكر فكانت إجماعا ، ولأنه سفيه فيحجر عليه ، كما لو بلغ سفيها نظرا إلى دوران الحكم مع العلم ، والحاجر هنا الحاكم نقله الجماعة ، وهو وليه ، وقيل : أو أبوه ، وقيل : إن زال الحجر برشده بلا حكم عاد بمجرده . وجه الأول أن التبذير يختلف فيحتاج إلى الاجتهاد ، وإذا افتقر السبب إلى الاجتهاد لم يثبت إلا بحكم الحاكم ، كالحجر على المفلس بخلاف الجنون ، فإنه لا يفتقر إلى الاجتهاد بغير خلاف .

فرع : لو فسق ، ولم يبذر لم يحجر عليه ، وإن اعتبر في رشده إصلاح دينه فوجهان ( ولا ينظر في ماله إلا الحاكم ) ، لأن الحجر عليه يفتقر إلى الحاكم ، فكذا النظر في ماله ( ولا ينفك عنه ) أي : عن السفيه ( إلا بحكمه ) على الصحيح ، لأنه حجر ثبت بحكمه ، فلم يزل إلا به كالمفلس ، وقيل : ينفك عنه ( بمجرد رشده ) . قاله أبو الخطاب ، لأن سبب الحجر زال فيزول بزواله ، كما [ ص: 343 ] في حق الصبي ، والمجنون . وجوابه بأن الرشد يفتقر إلى اجتهاد في معرفته وزوال تبذيره فكان كابتداء الحجر عليه ، وفارق الصبي والمجنون ، فإن الحجر عليهما بغير حكم حاكم فيزول بغير حكمه .

فرع : الشيخ الكبير ينكر عقله يحجر عليه . قاله أحمد يعني إذا كبر ، واختل كالمجنون لعجزه عن التصرف في ماله . ونقل المروزي أرى أن يحجر الابن على الأب إذا أسرف بأن يضعه في الفساد وشراء المغنيات ونحوه .

( ويستحب إظهار الحجر عليه ) ليظهر أمره ( والإشهاد عليه ) ، وقد صرح بالعلة فقال ( لتجتنب معاملته ) ، وقد علم منه أن الإشهاد عليه ليس بشرط ، لأنه ينتشر أمره لشهرته ، وإن رأى الحاكم أن ينادى عليه بذلك ليعرفه الناس فعل . قاله في " الشرح " ( ويصح تزوجه بإذن وليه ) . قاله أبو الخطاب ، وقدمه في " الرعاية " ، لأنه لا يأذن إلا بما فيه مصلحة له ، وحاجته تدعو إليه ، وليس مآله إلى التبذير ، وظاهره أنه لا يصح بغير إذنه ، لأنه تصرف يجب به مال ، فلم يصح بغير إذن وليه كالشراء ( وقال القاضي : يصح من غير إذنه ) جزم به في " الوجيز " ، وصححه في " الفروع " ، لأنه عقد غير مالي ، فصح منه كخلعه وطلاقه ، ولزوم المال فيه بطريق الضمن ، وفي إجباره وجهان ، فإن أذن ففي لزومه تعيين المرأة وجهان ويتقيد بمهر المثل ويحتمل لزومه زيادة إذن فيها ، كتزويجه بها في وجه ، فإن عضله استقل ، وإن علم أنه يطلق اشترى له جارية ، وإن خالع على مال لم يدفع إليه ، وقال القاضي : بلى ، فعلى الأول إذا أتلفه بعد قبضه لا ضمان عليه ، ولا تبرأ المرأة بدفعه إليه ، وهو من ضمانها إن أتلفه ، أو تلف [ ص: 344 ] في يده ، لأنها سلطته عليه ( وهل يصح عتقه ؛ على روايتين ) أرجحهما ، وجزم به في " الوجيز " أنه لا يصح ، لأنه تبرع أشبه هبته ووقفه ، ولأنه محجور عليه لحفظ ماله ، فلم يصح كعتق الصبي ، والثانية : بلى ، لأنه عتق من مكلف تام الملك ، فصح كالمفلس ، والراهن ، ورد بأن الحجر عليهما لحق غيرهما ، وفي عتقهما خلاف ، وظاهره أنه يصح تدبيره ووصيته ، لأن ذلك محض مصلحة ، لأنه تقرب إلى الله تعالى بماله بعد غناه عنه ، وكذا يصح استيلاده وتعتق الأمة بموته ، لأنه إذا صح من المجنون فمن السفيه أولى .

فرع : يكفر بصوم كمفلس ، وإن فك حجره قبل تكفيره ، وقدر عتق ويستقل بما لا يتعلق بالمال مقصوده .

( وإن أقر ) أي : المحجور عليه ( بحد ) أي : بما يوجبه كالزنا ، والسرقة ( أو قصاص ، أو نسب ، أو طلق زوجته أخذ به ) قال ابن المنذر : هو إجماع من نحفظ عنه لأنه غير متهم في نفسه ، والحجر إنما يتعلق بماله فنقل على نفسه ، إذ الحجر لا تعلق له به ، والطلاق ليس بتصرف في المال ، فلا يمنع كالإقرار بالحد ، بدليل أنه يصح من العبد بغير إذن سيده مع منعه من التصرف في المال .

تنبيه : لو أقر بما يوجب قصاصا فعفى المقر له على مال فوجهان ( وإن أقر بمال ) كالدين ، أو ما يوجبه كجناية الخطأ وشبه العمد وإتلاف المال وغصبه ( لم يلزمه في حال حجره ) ، لأنه محجور عليه لحظه ، أشبه الصبي ، ولو قتلناه في الحال لزال معنى الحجر ، وظاهره أنه يلزمه ما أقر به بعد فك الحجر عنه في قول عامة الأصحاب ، لأنه مكلف فيلزمه ما أقر به عند زواله كالراهن ، والمفلس ( ويحتمل أن لا يلزمه مطلقا ) ، اختاره المؤلف ونصره في " الشرح " ، لأن المنع من [ ص: 345 ] نفوذ إقراره في حال الحجر عليه حفظ ماله ودفع الضرر عنه ، ونفوذه بعد فكه عنه لا يفيد إلا تأخير الضرر عليه إلى أكمل حالتيه ، لكن إن علم صحة ما أقر به كدين جناية ونحوه لزمه أداؤه ، ذكره في " الشرح " ، و " الوجيز " ( وحكم تصرف وليه حكم تصرف ولي الصبي ، والمجنون ) على ما سلف ، لأن ولايته على السفيه لحظه ، أشبه ولي الصبي .

التالي السابق


الخدمات العلمية