صفحة جزء
وإذا وكل اثنين ، لم يجز لأحدهما الانفراد بالتصرف إلا أن يجعل ذلك إليه ولا يجوز للوكيل في البيع أن يبيع لنفسه ، وعنه : يجوز إذا زاد على مبلغ ثمنه في النداء ، أو وكل من يبيع وكان هو أحد المشترين وهل يجوز أن يبيعه لولده ، أو والده ، أو مكاتبه على وجهين ، ولا يجوز أن يبيع نساء ، ولا يغير نقد البلد ويحتمل أن يجوز كالمضارب ، وإن باع بدون ثمن المثل ، أو بأنقص مما قدره له ، صح ويضمن النقص ويحتمل أن لا يصح ، وإن باع بأكثر من ثمن المثل ، صح سواء أكانت الزيادة من جنس الثمن الذي أمره به ، أو لم تكن ، وإن قال : بعه بدرهم فباعه بدينار ، صح في أحد الوجهين وإن قال : بعه بألف نساء فباعه بألف حالة ، صح إن كان لا يستضر بحفظ الثمن في الحال ، وإن وكله في الشراء فاشترى بأكثر من ثمن المثل ، أو بأكثر مما قدره له ، أو وكله في بيع شيء فباع نصفه ، لم يصح وإن اشتراه بما قدره له مؤجلا ، أو قال : اشتر لي شاة بدينار فاشترى له شاتين تساوي إحداهما دينارا ، أو اشترى له شاة تساوي دينارا بأقل منه صح ، وإلا فلا وليس له شراء معيب ، فإن وجد بما اشترى عيبا فله الرد فإن قال البائع : موكلك قد رضي بالعيب فالقول قول الوكيل مع يمينه إنه لا يعلم ذلك ، فإن رده فصدق الموكل البائع في الرضا بالعيب فهل يصح الرد ؛ على وجهين ، وإن وكله في شراء معين فاشتراه ووجده معيبا فهل له رده قبل إعلام الموكل على وجهين ، فإن قال : اشتر لي بعين هذا الثمن فاشترى له في ذمته لم يلزم الموكل ، فإن قال : اشتر لي في ذمتك ، وأنقد الثمن فاشترى بعينه ، صح ولزم الموكل ، وإن أمره ببيعه في سوق بثمن فباعه به في آخر صح ، وإن قال : بعه لزيد فباعه من غيره ، لم يصح وإن وكله في بيع شيء ملك تسليمه ، ولم يملك قبض ثمنه ، صح إلا بقرينة ، فإن تعذر قبضه لم يلزم الوكيل شيء .


( وإذا وكل اثنين لم يجز لأحدهما الانفراد بالتصرف ) ، لأنه لم يرض تصرف أحدهما منفردا بدليل إضافة الغير إليه ( إلا أن يجعل ذلك ) أي : الانفراد بالتصرف ( إليه ) ، لأنه مأذون فيه ، أشبه ما لو كان منفردا ، فلو وكلهما في حفظ ماله حفظاه معا في حرز لهما ، لأن قوله : افعلا كذا يقتضي اجتماعهما على فعله بخلاف بعتكما حيث كان منقسما بينهما ، لأنه لا يمكن أن يكون الملك لهما على الاجتماع [ ص: 367 ] فلو غاب أحدهما : لم يكن للآخر أن يتصرف ، ولا للحاكم ضم أمين ليتصرفا ، بخلاف ما لو مات أحد الوصيين ، فإن للحاكم ضم أمين ، والفرق أن الموكل رشيد جائز التصرف لا ولاية للحاكم عليه بخلاف الوصية ، فإن له نظرا في حق الميت واليتيم ولهذا لو لم يوص إلى أحد أقام الحاكم أمينا في النظر لليتيم ، فإن كان أحدهما غائبا فادعى الحاضر وأقام بينة سمعها الحاكم وحكم بثبوتها لهما ، فإذا حضر الغائب تصرفا معا ، لا يقال : هو حكم للغائب ، لأنه يجوز تبعا لحق الحاضر ، كما يجوز أن يحكم بالوقف لمن لم يخلق لأجل من يستحقه في الحال ، فلو جحدها الغائب ، أو عزل نفسه لم يكن للآخر أن يتصرف .

( ولا يجوز للوكيل في البيع أن يبيع لنفسه ) على المذهب ، لأن العرف في البيع بيع الرجل من غيره فحملت الوكالة عليه وكما لو صرح به ، ولأنه يلحقه تهمة ويتنافى الغرضان في بيعه لنفسه ، فلم يجز ، كما لو نهاه ، وكذا شراؤه من نفسه ، لكن لو أذن له جاز ويتولى طرفيه في الأصح فيهما إذا انتفت التهمة كأب الصغير ، وكذا توكيله في بيعه وآخر في شرائه . ومثله نكاح ودعوى فيدعي أحدهما ويجيب عن الآخر ويقيم حجة كل واحد منهما ، وقال الأزجي في الدعوى : الذي يقع الاعتماد عليه لا يصح للتضاد .

( وعنه : يجوز إذا زاد على مبلغ ثمنه في النداء ، أو وكل من يبيع وكان هو أحد المشترين ) ، لأن بذلك يحصل غرض الموكل من الثمن ، أشبه ما لو باعه لأجنبي ، وفي " الكافي " ، و " الشرح " أن الجواز معلق بشرطين أحدهما : أن يزيد على مبلغ ثمنه في النداء ، الثاني : أن يتولى النداء غيره قال القاضي : [ ص: 368 ] يحتمل أن يكون الثاني واجبا ، وهو أشبه بكلامه ويحتمل أن يكون مستحبا ، وفي " الفروع " ، وعنه : يبيع من نفسه إذا زاد ثمنه في النداء ، وقيل : أو وكل بائعا ، وهو ظاهر رواية حنبل ، وقيل : هما ، وذكر الأزجي احتمالا : لا يعتبران ، لأن دينه وأمانته تحمله على الحق وربما زاد ، لا يقال : كيف يوكل بالبيع ، وهو ممنوع منه على المشهور ؛ لأنه يجوز التوكيل فيما لا يتولى مثله بنفسه ، والنداء مما لم تجر العادة أن يتولاه أكثر الوكلاء بأنفسهم ، قال ابن المنجا : وفيه نظر ، لأن الوكيل إذا جاز له أن يعطي ما وكل فيه لمن ينادي عليه لما ذكر ، فالعقد لا بد له من عاقد . ومثله يتولاه ، فلا يجوز أن يوكل عنه غيره ويمكن التخلص من ورود هذا الإشكال بأن يجعل بدل التوكيل في البيع التوكيل في الشراء .

( وهل يجوز أن يبيعه لولده ) الكبير ( أو والده ، أو مكاتبه على وجهين ) كذا أطلقهما في " المحرر " ، و " الفروع " أحدهما : المنع ، لأنه متهم في حقهم ويميل إلى ترك الاستقصاء عليهم في الثمن كتهمته في حق نفسه ولذلك لا تقبل شهادته لهم ، والثاني : يجوز ، لأنهم غيره ، وقد امتثل أمر الموكل ووافق العرف في بيع غيره ، أشبه الأجنبي ، وذكر الأزجي أن الخلاف في الأخوة والأقارب كذلك .

فرع : الحاكم ، وأمينه ، وناظر الوقف ، والمضارب كالوكيل .

( ولا يجوز أن يبيع نساء ، ولا بغير نقد البلد ) على المذهب ، لأن الموكل لو باع بنفسه وأطلق انصرف إلى الحلول ونقد البلد ، فكذا وكيله ، فلو تصرف [ ص: 369 ] بغير ذلك لنفع وغرض ، لم يصح ، لأن عقد الوكالة لم يقتضه ، وفيه احتمال ، وهو رواية في " الموجز " وكما لو وكله في شراء بلح في الصيف وفحم في الشتاء فخالف ، ذكره أبو الخطاب ومحله في الفحم في غير تجارة ، فإن كان في البلد نقدان باع بأغلبهما ، فإن تساويا خير ( ويحتمل أن يجوز ) هذا رواية عن أحمد لقوله : بع كيف شئت ( كالمضارب ) على الأصح فيه ، والفرق بينهما من حيث إن المقصود في المضاربة الربح ، وهو في النساء أكثر ، ولا يتعين ذلك في الوكالة بل ربما كان المقصود تحصيل حاجته فتفوت بتأخير الثمن ، ولأن استيفاء الثمن في المضاربة على المضارب ، فيعود الضرر عليه ، واستيفاء الثمن في الوكالة على الموكل ، فيعود ضرر الطلب عليه ، وهو لم يرض به ، وهذا الخلاف إنما هو مع الإطلاق ، فلو عين له شيئا تعين ، ولم يجز مخالفته ، لأنه متصرف بإذنه .

فائدة : إذا ادعيا الإذن في ذلك قبل قولهما ، وقيل : قول المالك ( وإن باع بدون ثمن المثل ، أو بأنقص مما قدره له ، صح ) ، نص عليه ، وقدمه في " المحرر " ، وصححه ابن المنجا ، لأن من صح بيعه بثمن المثل ، صح بدونه كالمريض ( ويضمن ) الوكيل ( النقص ) ، لأن فيه جمعا بين حظ المشتري بعدم الفسخ ، وحظ البائع بوجوب التضمين ، وأما الوكيل ، فلا يعتبر حظه ، لأنه مفرط ، وفي قدره وجهان أحدهما : ما بين ثمن المثل ، وما باعه ، والثاني : ما يتغابن الناس به ، وما لا يتغابنون ، لأن ما يتغابن الناس به عادة كدرهم في عشرة ، فإنه يصح بيعه به ، ولا ضمان عليه ، لأنه لا يمكن التحرز منه ، فلو حضر من يزيد على ثمن المثل لم يجز أن يبيعه به ، لأن عليه طلب الحظ لموكله ، فلو باع به [ ص: 370 ] ثم حضر من يزيد في مدة الخيار لم يلزمه فسخ العقد على الأشهر ، لأن الزيادة منهي عنها ( ويحتمل أن لا يصح ) هذا رواية عنه ، وصححها في " المغني " ، وذكر في " الشرح " أنها أقيس ، وفي " الفروع " هي أظهر ، لأنه مأذون فيه ، أشبه بيع الأجنبي ، وقيل : هو كتصرف الفضولي ، نص عليه ، فإن تلف فضمن الوكيل رجع على مشتر كتلفه عنده ، وعلى الصحة لا يضمن عبد لسيده ، ولا صبي لنفسه ( وإن باع بأكثر من ثمن المثل ، صح ) ، لأنه باع المأذون ، وزاده خيرا زيادة منفعة ، ولا يضره ، والعرف يقتضيه ، أشبه ما لو وكله في الشراء فاشتراه بدون ثمن المثل ، أو بأنقص مما قدره له ( سواء أكانت الزيادة من جنس الثمن الذي أمره به ) كمن أذن له في البيع بمائة درهم فباعه بها وبعشرة أخرى ( أو لم تكن ) كدينار وثوب ، وقيل : لا يصح جنس الأثمان .

تنبيه : يجوز للوكيل البيع والشراء بشرط الخيار له ، وقيل : مطلقا ، وتزكية بينة خصمه ومخاصمة في ثمن مبيع بان مستحقا في وجه ، وإن شرط الخيار فلموكله ولنفسه لهما ، ولا تصح لنفسه فقط ، ويختص بخيار مجلس ويختص به موكله إن حضره .

فائدة : الوصي وناظر الوقف كالوكيل فيما إذا باع بدون ثمن المثل ، أو اشترى بأكثر منه ، ذكره الشيخ تقي الدين . وتضمينه مع اجتهاده وعدم تفريطه - مشكل ، فإن قواعد المذهب تشهد له بروايتي فيما إذا رمى إلى صف الكفار يظنه مسلما ، ففي ضمان دينه روايتان ( وإن قال : بعه بدرهم فباعه بدينار ، صح في أحد الوجهين ) هذا هو الأشهر ، لأنه مأذون فيه عرفا ، فإن من رضي [ ص: 371 ] بدرهم رضي مكانه بدينار ، والثاني : وهو قول القاضي لا يصح ، لأنه خالف موكله في الجنس ، أشبه ما لو باعه بثوب يساوي دينارا ، أو كما لو قال : بعه بمائة درهم فباعه بمائة ثوب قيمتها أكثر من الدراهم وأطلقهما في " الفروع " ، ولو باعه بدرهم وعرض فالأصح لا تبطل في زائد بحصته ، وإن اختلط الدرهم بآخر له ، عمل بظنه ويقبل قوله حكما ذكره القاضي .

( وإن قال : بعه بألف نساء فباعه بألف حالة ، صح ) في الأصح ، لأنه زاده خيرا فهو كما لو وكله في بيعه بعشرة فباعه بأكثر منها ، وظاهره أنه إذا باع حالا بدون ثمنها نسيئة ، أو بدون ما عينه له لم ينفذ تصرفه ، لأنه خالف موكله ، وشرط المؤلف ( إن كان لا يستضر بحفظ الثمن في الحال ) ، جزم به في " الوجيز " فظاهره أنه إذا استضر بحفظ الثمن في الحال أنه لا يصح ، لأن حكم الإذن إنما يثبت في المسكوت عنه لتضمنه المصلحة ، فإذا كان يتضرر به علم انتفاؤها فتنتفي الصحة وحكم خوف التلف ، والتعدي عليه كذلك لاشتراك الكل في المعنى ، وما ذكره المؤلف هو قول ، والمذهب صحته مطلقا ما لم ينهه ، والثاني : لا يصح للمخالفة .

( وإن وكله في الشراء فاشترى بأكثر من ثمن المثل ، أو بأكثر مما قدره له ) لم يصح ، لأنه مأذون فيه ، وهذا إذا كان مما يتغابن الناس بمثله ، ذكره في " الشرح " ، وهذا يشكل بما سبق ، والمذهب فيه ، كما قدمه في " المحرر " ، وجزم به في " الوجيز " أنه يصح ويضمن الزيادة هو ومضارب ( أو وكله في بيع شيء فباع نصفه ، لم يصح ) ، لأنه بيع غير مأذون فيه ، ولما فيه من [ ص: 372 ] الضرر ، أشبه ما لو وكله في شراء شيء فاشترى بعضه ومحله ما إذا باعه بدون ثمن المثل ، فلو باعه بثمن جميعه ، صح ، ذكره في " المغني " ، و " الشرح " ، و " الوجيز " ، وعلى الأول : ما لم يبع الباقي ، أو يكن عبيدا ، أو صبرة ونحوها ، فيصح مفرقا ما لم يأمره ببيعه صفقة واحدة .

( وإن اشتراه بما قدره له مؤجلا ) ، صح في الأصح ، لأنه زاده خيرا ، وقيل : إن لم يتضرر ، وقيل : لا يصح للمخالفة ( أو قال : اشتر لي شاة بدينار فاشترى له شاتين تساوي إحداهما دينارا ، أو اشترى له شاة تساوي دينارا بأقل منه ، صح ) لما روى أحمد عن سفيان عن شبيب هو ابن غرقدة سمع الحي يخبرون عن عروة بن الجعد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث معه بدينار يشتري له به أضحية ، وقال مرة : أو شاة فاشترى له اثنتين فباع واحدة بدينار وأتاه بالأخرى فدعا له بالبركة فكان لو اشترى التراب لربح فيه ، وفي رواية قال : هذا ديناركم ، وهذه شاتكم قال : كيف صنعت ؛ فذكره ورواه البخاري في ضمن حديث متصل لعروة حدثنا علي بن عبد الله ثنا سفيان ، ولأنه حصل له المأذون فيه وزيادة ، وفي الأخيرة حصل المقصود وزيادة ، لأنه مأذون فيه عرفا ، فإن من رضي بشراء شيء بدينار يرضى بأقل منه ، وكذا إذا اشترى شاتين كل منهما تساوي دينارا ، وفيه رواية في " المبهج " كفضولي ، وإن أبقى ما يساويه ففي بيع الآخر بغير إذن الموكل وجهان أحدهما : لا يجوز لأنه غير مأذون فيه ، أشبه بيع الشاتين ، والثاني : وهو ظاهر كلام أحمد : الجواز ، لظاهر الخبر ( وإلا فلا ) يصح إذا كانت كل منهما تساوي أقل من دينار ، لأنه لم يحصل له المقصود ، فلم يقع [ ص: 373 ] البيع له ، لكونه غير مأذون فيه لفظا ، ولا عرفا ، وكذا الشاة الموكل في شرائها بدينار تساوي أقل منه لما ذكرنا ، وفي " عيون المسائل " إن ساوى كل منهما نصف دينار ، صح للموكل لا للوكيل ، وإن كان كل واحدة لا تساوي نصف دينار فروايتان إحداهما : يصح ويقف على إجازة الموكل لخبر عروة .

تنبيه : إذا وكله في شراء معين بمائة فاشتراه بدونها جاز ما لم ينهه عن الشراء بأقل منها لمخالفة قوله ونصه ، وإن قال : اشتره بها ، ولا تشتره بخمسين جاز له شراؤه بما فوق الخمسين ، فإن اشتراه بما دون الخمسين جاز في وجه ومن وكل في شراء شيء معين بثمن معلوم فله شراؤه لنفسه بمثل ذلك الثمن ، وغيره .

( وليس له شراء معيب ) أي : لا يجوز له ، لأن الإطلاق يقتضي السلامة ، ولذلك جاز له الرد به ومحله ما لم يعينه له موكله ، فإن فعل عالما بعيبه لزمه إن لم يرضه موكله ، ولم يرده ، وكذا لا يرده الموكل وحكاه في الحاشية قولا ، وفيه نظر ، فإن اشتراه بعين المال لم يصح على المذهب ( فإن وجد بما اشترى عيبا ) أي : جهل عيبه ( فله الرد ) ، لأنه قائم مقام الموكل وله أيضا الرد ، لأنه ملكه ، فإن حضر قبل رد الوكيل ورضي بالعيب لم يكن للوكيل رده ، لأن الحق له بخلاف المضارب ، لأن له حقا ، فلا يسقط برضا غيره ، فإن طلب البائع الإمهال حتى يحضر الموكل لم يلزمه ذلك ، لأنه لم يأمن فوات الرد ، فإن أخره بناء على قول ، فلم يرض به الموكل فله الرد ، وإن قلنا : هو على الفور ، لأنه أخره بإذن البائع ، وإن أنكر البائع أن الشراء وقع [ ص: 374 ] له لزم الوكيل ، وقيل : الموكل وله أرشه ، وذكر الأزجي : إن جهل عيبه ، وقد اشترى بعين المال فهل يقع عن الموكل ؛ فيه خلاف ( فإن قال البائع : موكلك قد رضي بالعيب فالقول قول الوكيل مع يمينه ) ، لأنه منكر ، والقول قوله معها ، لأن الأصل عدم الرضا ، فلا يقبل إلا ببينة ، فإن لم يقمها لم يستحلف الوكيل إلا أن يدعي علمه فيحلف على نفي العلم ، ذكره في " الشرح " ( إنه لا يعلم ذلك ) أي : لا يعلم رضا موكله ، لأنه يجوز أن يعلم رضاه ، وهو مسقط للردة ، وإنما كانت على النفي ، لأنها على فعل الغير ، فإذا حلف أخذ حقه في الحال ، وقيل : يقف على حلف موكله إن طلبه الخصم ، وكذا قول كل غريم لوكيل غائب في قبض حقه أبرأني موكلك ، أو قبضه ويحكم ببينة إن حكم على غائب ( فإن رده فصدق الموكل البائع في الرضا بالعيب فهل يصح الرد ؛ على وجهين ) كذا في " الشرح " ، و " الفروع " أشهرهما : لا يصح الرد ، وهو باق للموكل ، لأن رضا الموكل بالعيب عزل للوكيل عن الرد ومنع له ، بدليل أن الوكيل لو علمه لم يكن له الرد ، فعلى هذا للموكل استرجاعه وللبائع رده عليه ، والثاني : يصح بناء على أن الوكيل لا ينعزل قبل العلم بعزله فيكون الرد صادف ولاية ، فعلى هذا يجدد الموكل العقد ( وإن وكله في شراء معين فاشتراه ووجده معيبا فهل له رده قبل إعلام الموكل على وجهين ) كذا في " الفروع " أحدهما : له ذلك ، لأن الأمر يقتضي السلامة ، أشبه ما لو وكله في شراء موصوف ، والثاني : وهو الأشهر : لا ، لأن الموكل قطع نظره بالتعيين فربما رضيه بجميع صفاته ، وعلى الأول حكمه حكم غير المعين ، وإن علم عيبه قبل شرائه فهل له شراؤه ؛ فيه وجهان مبنيان على رده إذا علم عيبه بعد شرائه ، والمقدم له شراؤه ( فإن قال : اشتر لي [ ص: 375 ] بعين هذا الثمن فاشترى له في ذمته لم يلزم الموكل ) ، لأن الثمن إذا تعين انفسخ العقد بتلفه ، أو كونه مغصوبا ، ولم يلزمه ثمن في ذمته ، وهذا غرض صحيح للموكل ، فلم تجز مخالفته ، وظاهره ، ولو نقد المعين ويقع الشراء للوكيل وهل يقف على إجازة الموكل فيه الروايتان ( فإن قال : اشتر لي في ذمتك ، وأنقد الثمن فاشترى بعينه ، صح ولزم الموكل ) ، ذكره أصحابنا ، لأنه أذن له في عقد يلزمه به الثمن مع بقاء الدراهم وتلفها ، فكان إذنا في عقد لا يلزمه الثمن إلا مع بقائها ، وقيل : إن رضي به ، وإلا بطل ، وقيل : لا يصح ، لأنه قد يكون له غرض في الشراء في الذمة لشبهة فيها ، أو يختار وقوع عقد لا ينفسخ بتلفها ، ولا تبطل بتحريمها ، فلم يجز مخالفة غرضه لصحته ، وإن أطلق جاز ، وليس له العقد مع فقير ، وقاطع طريق إلا أن يأمره . نقله الأثرم ( وإن أمره ببيعه في سوق بثمن فباعه به في آخر ، صح ) ، لأن القصد البيع بما قدره له ، وقد حصل كالإجارة وغيرها ، هذا إذا كان هو وغيره سواء ، فإن كان له غرض صحيح تعين ، كما لو كان السوق معروفا بجودة النقد ، أو كثرة الثمن ، أو حله ، أو صلاح أهله ( وإن قال : بعه لزيد فباعه من غيره ، لم يصح ) بغير خلاف نعلمه ، لأنه قد يقصد نفعه ، فلا تجوز مخالفته ، وفي " المغني " ، و " الشرح " إلا أن يعلم بقرينة ، أو صريح أنه لا غرض له في عين المشتري .

قاعدة : حقوق العقد وهي تسليم الثمن ، وقبض المبيع ، والرد بالعيب وضمان الدرك يتعلق بالموكل ، لأنه لا يعتق قريب وكيل عليه ، وقال أبو حنيفة : يدخل في ملك الوكيل ، ثم ينتقل عنه إلى الموكل ، ورد بأنه قبل عقدا لغيره [ ص: 376 ] فوجب أن ينتقل الملك إليه كالأب ، والوصي وكما لو تزوج له ، ويتفرع عليهما لو وكل مسلم ذميا في شراء خمر فاشتراه له لم يصح على الأول ، لا الثاني ، وإذا باع الوكيل بثمن معين ثبت الملك للموكل في الثمن ، وإن كان في الذمة فللموكل والوكيل المطالبة به ، وعنده ليس للموكل المطالبة به ، وفي " المغني " ، و " الشرح " إن اشترى وكيل في شراء في الذمة فكضامن ، وقال الشيخ تقي الدين : فيمن وكل في بيع ، أو استئجار ، فإن لم يتم موكله في العقد فضامن ، وإلا فروايتان وظاهر المذهب يضمنه ، ولو وكل رجلا يستسلف له ألفا في كر حنطة ، ففعل ملك الموكل ثمنها ، والوكيل ضامن .

( وإن وكله في بيع شيء ملك تسليمه ) ، لأن إطلاق الوكالة في البيع يقتضي التسليم لكونه من تمامه ( ولم يملك قبض ثمنه ) كذا أطلقه الأكثر ، لأنه قد يوكل في البيع من لا يأمنه على قبض الثمن ، والمذهب عند الشيخين أنه يقيد ( إلا بقرينة ) ، فعلى هذا إن كانت الحال تدل على القبض مثل توكيله في بيع شيء في سوق غائب عن الموكل ، أو بموضع يضيع الثمن بترك قبض الوكيل له كان إذنا في قبضه ، فإن تركه ضمنه ، لأنه يعد مفرطا ، وإن لم تدل القرينة على ذلك لم يكن له قبضه ، وقيل : يملكه مطلقا ، لأنه من موجب البيع فملكه كتسليم المبيع ، فلا يسلمه قبله ، فإن فعل ضمنه ، وعلى الأول ( فإن تعذر قبضه لم يلزم الوكيل شيء ) كظهور مبيعه مستحقا ، أو معيبا كحاكم وأمينه ، ولأنه ليس بمفرط فيه لكونه لا يملكه .

تنبيه : وكله في شراء شيء ملك تسليم ثمنه ، لأنه من تتمته وحقوقه كتسليم [ ص: 377 ] المبيع ، فإن اشترى عبدا ، فنقد ثمنه ، فخرج مستحقا ، فهل يملك أن يخاصم البائع في الثمن ؛ على وجهين ، وإن اشترى شيئا وقبضه وأخر تسليم ثمنه لغير عذر فهلك في يده ضمنه ، نص عليه ، وليس لوكيل في بيع تقليبه على مشتر إلا بحضرته ، وإلا ضمن ، ذكره في " النوادر " ويتوجه العرف ، ولا بيعه ببلد آخر في الأصح فيضمن ويصح . ومع مؤنة نقل لا ، ذكره في " الانتصار " .

التالي السابق


الخدمات العلمية