صفحة جزء
وإن وكله في الخصومة لم يكن وكيلا في القبض وإن وكله في القبض كان وكيلا في الخصومة في أحد الوجهين ، وإن وكله في قبض الحق من إنسان لم يكن له قبضه من وارثه ، وإن قال : اقبض حقي الذي قبله فله القبض من وارثه ، وإن قال : اقبضه اليوم لم يملك قبضه غدا ، وإن وكله في الإيداع فأودع ، ولم يشهد لم يضمن وإن وكله في قضاء دين فقضاه ، ولم يشهد ، فأنكره الغريم ضمن إلا أن يقضيه بحضرة الموكل .


( وإن وكله في الخصومة لم يكن وكيلا في القبض ) ، لأن الإذن لم يتناوله نطقا ، ولا عرفا ، لأنه قد يرضى للخصومة من لا يرضاه للقبض ، إذ معنى الوكالة في الخصومة الوكالة في إثبات الحق ، وذكر ابن البنا في تعليقه أنه وكيل في القبض ، لأنه مأمور بقطع الخصومة ، ولا تنقطع إلا به ، وعلم منه جواز التوكيل في الخصومة ، وذكر القاضي في قوله تعالى : ولا تكن للخائنين خصيما [ النساء : 105 ] أنه لا يجوز لأحد أن يخاصم عن غيره في إثبات حق ، أو نفيه وهو غير عالم بحقيقة أمره ، وفي " المغني " في الصلح نحوه ، ولا يصح ممن علم ظلم موكله في الخصومة . قاله في " الفنون " فظاهره يصح إذا لم يعلم ، فلو ظن ظلمه جاز ويتوجه المنع ومع الشك احتمالان ، وعلى ما ذكره لا يقبل إقراره على موكله بقبض ، ولا غيره ، نص عليه ويقبل إقراره بعيب فيما باعه ، واختار جماعة : لا ، وله إثبات وكالته في [ ص: 379 ] غيبة موكله في الأصح ، وإن قال : أجب خصمي عني احتمل الخصومة واحتمل بطلانها ، ذكره في " الفروع " ( وإن وكله في القبض كان وكيلا في الخصومة في أحد الوجهين ) ، جزم به في " الوجيز " ، وهو المذهب ، لأنه لا يتوصل إلى القبض إلا بالتثبت فكان إذنا فيه عرفا ، لأن القبض لا يتم إلا به فملكه ، كما لو وكله في شراء شيء ملك تسليم ثمنه ، والثاني : لا يملكها ، لأنهما معنيان مختلفان فالوكيل في أحدهما لا يكون وكيلا في الآخر وكعكسه ، وأطلق في " المحرر " ، و " الفروع " الخلاف ، وقيل : إن كان الموكل عالما بجحد من عليه الحق ، أو مطله كان توكيلا في الخصومة لوقوف القبض عليه ، وعلى الجواز لا فرق بين كون الحق عينا ، أو دينا .

( وإن وكله في قبض الحق من إنسان لم يكن له قبضه من وارثه ) ، لأنه لم يؤمر بذلك ، ولا يقتضيه العرف ومقتضاه أن له قبضه من وكيله ، وهو كذلك ، لأنه قائم مقامه ، فإن قلت : فالوارث نائب عن الموروث فهو كالوكيل ، وجوابه أن الوكيل إذا دفع بإذنه جرى مجرى تسليمه ، وليس الوارث كذلك ، فإن الحق انتقل إليهم واستحقت المطالبة عليهم لا بطريق النيابة عن الموروث ولهذا لو حلف لا يفعل شيئا حنث بفعل وكيله دون مورثه ( وإن قال : اقبض حقي الذي قبله ) ، أو عليه ( فله القبض من وارثه ) ، لأن الوكالة اقتضت قبض حقه مطلقا فشمل القبض من الوارث ، لأنه من حقه ( وإن قال : اقبضه اليوم لم يملك قبضه غدا ) لتقييدها بزمان معين ، لأنه قد يختص غرضه في زمن حاجته إليه ( وإن وكله في الإيداع فأودع ، ولم يشهد لم يضمن ) إذا أنكر المودع ، نقله الأصحاب لعدم [ ص: 380 ] الفائدة في الإشهاد ، إذ المودع يقبل قوله في الرد ، والتلف ، فلم يكن مفرطا في عدم الإشهاد ، وفيه وجه ، وذكره القاضي رواية أنه يضمن ، لأن الوديعة لا تثبت إلا ببينة ، فهو كما لو وكله في قضاء دين ، وبأن الفائدة في الإشهاد هو ثبوت الوديعة ، فلو مات أخذت من تركته ، فإن قال الوكيل : دفعت المال إلى المودع ، فأنكر قبل قول الوكيل ، لأنهما اختلفا في تصرفه فيما وكل فيه .

( وإن وكله في قضاء دين فقضاه ، ولم يشهد ، فأنكره الغريم ضمن ) الوكيل ، لأنه مفرط حيث لم يشهد قال القاضي : سواء صدقه ، أو كذبه ، لأنه إنما أذن في قضاء مبرئ ، ولم يوجد ( إلا أن يقضيه بحضرة الموكل ) ، فإنه لا يضمن على الأصح ، لأن حضوره قرينة رضاه بالدفع بغير بينة ، وقيل : لا يضمن بناء على أن الساكت لا ينسب إليه قول ، وعنه : لا يرجع بشيء إلا أن يكون أمر بالإشهاد ، فلم يفعل ، قدمه في " الفروع " لتفريطه فعليها إن صدقه الموكل في الدفع لم يرجع عليه بشيء ، وإن كذبه قبل قول الوكيل مع يمينه ، لأنه ادعى فعل ما أمره به موكله ، وعنه : لا يضمن مطلقا ، اختاره ابن عقيل كقضائه بحضرته ، وعلى اعتبارها إذا أشهد عدولا فماتوا ، أو غابوا ، فلا ضمان لعدم تفريطه ، وإن أشهد بينة فيها خلاف فوجهان ، وقال ابن حمدان : إن كان لموكله الامتناع من الوفاء بدون الإشهاد لزم الوكيل الإشهاد ، فإن تركه ضمن ، وإن لم يكن لموكله الامتناع لم يلزمه ، ولا ضمان بتركه ، فإن قال : أشهدت فماتوا ، أو أذنت فيه بلا بينة ، أو قضيت بحضرتك صدق الموكل للأصل ، ويتوجه في الأولى : لا ، وأن في الثانية الخلاف ، كما هو ظاهر كلام بعضهم ، ذكره في " الفروع " .

التالي السابق


الخدمات العلمية