صفحة جزء
[ ص: 381 ] فصل والوكيل أمين لا ضمان عليه فيما تلف في يده من غير تفريط ، والقول قوله مع يمينه في الهلاك ونفي التفريط ولو قال : بعت الثوب وقبضت الثمن فتلف فالقول قوله وإن اختلفا في رده إلى الموكل فالقول قوله إن كان متطوعا ، وإن كان بجعل ، فعلى وجهين ، وكذلك يخرج في الأجير والمرتهن ، وإن قال : أذنت له في البيع نساء ، وفي الشراء بخمسة ، فأنكره ، فعلى وجهين وإن قال : وكلتني أن أتزوج لك فلانة ففعلت وصدقته المرأة ، فأنكر فالقول قول المنكر بغير يمين وهل يلزم الوكيل نصف الصداق على وجهين ويجوز التوكيل بجعل وبغيره فلو قال : بع ثوبي بعشرة فما زاد فلك ، صح .


فصل

( والوكيل أمين لا ضمان عليه فيما تلف في يده بغير تفريط ) ، لأنه نائب المالك في اليد والتصرف فكان الهلاك في يده كالهلاك في يد المالك كالمودع ، وكذا حكم كل من في يده شيء لغيره على سبيل الأمانة كالوصي ونحوه ، وظاهره سواء كان بجعل أو لا ، وأنه لا فرق بين تلف العين الموكل فيها ، أو تلف ثمنها ، لأنه أمين ، وظاهره أنه يضمن إن فرط بأن لا يحفظ ذلك في حرز مثلها ، وفي " المغني " ، أو يركب الدابة ، أو يلبس الثوب ، أو يطلب منه المال فيمتنع من دفعه لغير عذر ، لأن التعدي أبلغ من التفريط ( والقول قوله مع يمينه في الهلاك ونفي التفريط ) أي : إذا ادعى الموكل عليه ما يقتضي الضمان ، لأنه أمين ، والأصل براءة ذمته مما يدعى عليه ، ولو كلف إقامة البينة على ذلك لامتنع الناس من الدخول في الأمانات مع دعوى الحاجة إليها ، والمذهب أنه إذا ادعى التلف بأمر ظاهر كحريق عام ونهب جيش كلف إقامة البينة عليه ، ثم يقبل قوله فيه ( ولو قال : بعت الثوب وقبضت الثمن فتلف فالقول قوله ) ذكره ابن حامد ، لأنه يملك البيع ، والقبض فقبل قوله فيهما كالولي المجبر ، ولأنه أمين ويتعذر إقامة البينة على ذلك ، فلا يكلفها كالمودع ، وقيل : لا يقبل قوله لأنه يقر بحق لغيره على موكله ، فلم يقبل ، كما لو أقر بدين عليه .

فرع : وكله في شراء شيء فاشتراه ، واختلفا في قدر ثمنه قبل قول الوكيل ، وقال القاضي : يقبل قول الموكل إلا أن يكون عين له الشراء بما ادعاه [ ص: 382 ] فقال اشتر لي عبدا بألف فادعى أنه اشتراه بها قبل قوله ، وإلا فالموكل ، لأن من قبل قوله في أصل شيء قبل في صفته ( وإن اختلفا في رده ) سواء كان العين ، أو ثمنها ( إلى الموكل فالقول قوله إن كان متطوعا ) قولا واحدا . قاله في " المحرر " ، لأنه قبض المال لنفع مالكه فقط فقبل قوله فيه كالوصي ، والمودع ، وقيل : لا ، وجزم به ابن الجوزي في قوله تعالى : فأشهدوا عليهم [ النساء : 6 ] الآية ، ولم يخالفه ، وعلى الأول : يقبل مع يمينه ، وفي " التذكرة " أن من قبل قوله من الأمناء لم يحلف ، والتلف كالرد ( وإن كان بجعل ، فعلى وجهين ) أشهرهما أنه لا يقبل إلا ببينة ، لأنه قبض المال لنفع نفسه ، فلم يقبل قوله في ذلك كالمستعير ، والثاني : بلى ، لأنه أمين ( وكذلك يخرج في الأجير ، والمرتهن ) لاشتراك الكل في قبض العين لمنفعة القابض ، ونص أحمد في المضارب أنه لا يقبل قوله كالمستعير ، فلو أنكر الوكيل قبض المال ، ثم ثبت فادعى الرد ، أو التلف لم يقبل لثبوت خيانته بجحده ، ولو أقام به بينة في وجه ، لأنه مكذب لها .

والثاني : يقبل ، لأنه يدعي ذلك قبل وجود خيانته .

مسألة : كل أمين قبل قوله في الرد وطلب منه فهل له تأخيره حتى يشهد عليه ؛ فيه وجهان إن قلنا : يحلف ، وإلا لم يؤخره لذلك ، وفيه احتمال ، ومن لا يقبل قوله في الرد كالمستعير ، ولا حجة عليه بالأخذ لم يؤخر رده للإشهاد عليه ، وقال ابن حمدان : بلى ، كما لو أخذه ، وفي ذمته مال لزيد ، أو في يده لم يلزمه دفعه [ ص: 383 ] إلى وكيله حتى يشهد عليه بقبضه ومن عليه دين بحجة لم يلزمه دفعه إلى ربه إلا ببينة تشهد عليه بقبضه .

فرع : إذا تلف ما وكل في بيعه ، أو الشراء به بتعد ، أو تفريط ، أو أتلفه هو ، أو غيره لم يتصرف في بدله بحال ، وإن وزن من ماله بدل الثمن واشترى بعينه لموكله ما أمره به لم يصح ، وكذا إن اشتراه في نعته ، ثم نقده ، وعنه : هو موقوف على إجازة موكله ( وإن قال : أذنت لي في البيع نساء ، وفي الشراء بخمسة ) ، أو قال : وكلتك في بيع هذا العبد قال : بل في بيع الأمة ( فأنكره ، فعلى وجهين ) المذهب أنه يقبل قول الوكيل ونص عليه في المضارب ، لأنه أمين في التصرف ، فقبل قوله كالخياط ، والثاني : وقاله القاضي ، وجزم به في " الوجيز " يقبل قول المالك ، لأنه يقبل قوله في أصل الوكالة ، فكذا في صفتها فعليه لو قال : اشتريت لك هذه الجارية فقال : إنما أذنت في شراء غيرها ، قبل قول المالك مع يمينه ، فإذا حلف برئ من الشراء ، ثم إن كان الشراء وقع بعين المال فهو باطل وترد الجارية إلى بائعها إن صدقه ، وإن كذبه أن الشراء لغيره ، أو بمال غيره صدق البائع ، لأن الظاهر أن ما في يد الإنسان له ، فإن ادعى الوكيل علمه بذلك حلف أنه لا يعلم ، ولزم الوكيل غرامة الثمن للموكل ، ودفع الثمن للبائع ، وتبقى الجارية في يده لا تحل له ، لأنه إن كان صادقا فهي للموكل ، وإن كان كاذبا فهي للبائع ، فإن أراد حلها اشتراها ممن هي له في الباطن ، فإن امتنع رفع الأمر إلى الحاكم ليرفق به لبيعه إياها ليثبت له الملك ظاهرا وباطنا ويصير ما ثبت له في ذمته قصاصا بالذي أخذ منه الآخر ظلما [ ص: 384 ] فإن امتنع لم يجبر ، لأنه عقد مراضاة ، ذكره في " المغني " ، و " الشرح " ، وإن قال : بعتكها إن كانت لي ، أو إن كنت أذنت لك في شرائها بكذا فقال القاضي : لا يصح لتعليقه على شرط ، وقيل : بلى ، لأن هذا أمر واقع يعلمان وجوده ، فلا يضر جعله شرطا كبعتك هذه الأمة إن كانت أمة .

فرع : إذا قبض الوكيل الثمن فهو أمانة في يده لا يلزمه تسليمه قبل طلبه ، ولا يضمنه بتأخيره ، فإن طلبه فأخر الرد مع إمكانه فتلف ضمنه ، فإن وعده رده ، ثم ادعى أنه كان رده ، أو تلف ، فإن صدقه الموكل فظاهر ، وإن كذبه لم يقبل ، وإن أقام به بينة فوجهان .

( وإن قال : وكلتني أن أتزوج لك فلانة ففعلت وصدقته المرأة ، فأنكر فالقول قول المنكر ) ، لأنهما اختلفا في أصل الوكالة فقبل قول الموكل ، إذ الأصل عدمها ، ولم يثبت أنه أمينه ، فقبل قوله عليه ( بغير يمين ) ، نص عليه ، لأن الوكيل يدعي حقا لغيره ، ومقتضاه أنه يستحلف إذا ادعته المرأة ، صرح به في " المغني " ، و " الشرح " ، و " الوجيز " ، لأنها تدعي الصداق في ذمته ، فإذا حلف لم يلزمه شيء ( وهل يلزم الوكيل نصف الصداق ؛ على وجهين ) ، وذكر غيره روايتين أصحهما : لا يلزمه شيء لتعلق حقوق العقد بالموكل ، وهذا ما لم يضمنه ، فإن ضمنه فلها الرجوع عليه بنصفه لضمانه عنه ، والثاني : يلزمه نصف الصداق ، لأنه ضامن للثمن في البيع ، وللبائع مطالبته ، فكذا هنا ، ولأنه فرط حيث لم يشهد على الزوج بالعقد ، والصداق ، والأول أولى ويفارق الشراء ، لأن الثمن مقصود للبائع ، والعادة تعجيله بخلاف النكاح . قاله في " المغني " ، و " الشرح " ، ويلزم الموكل [ ص: 385 ] طلاقها في المنصوص لإزالة الاحتمال ، وقيل : لا ، لأنه لم يثبت في حقه نكاح ، ولو مات أحدهما لم يرثه الآخر ، لأنه لم يثبت صداقها فترثه ، وهو منكر أنها زوجته ، فلا يرثها .

تنبيه : قد علم مما سبق أنه إذا صدق على الوكالة فيقبل قول الوكيل ، وكذا في كل تصرف وكل فيه ، وهو المذهب ، لأنه مأذون له أمين قادر على الإنشاء ، وهو أعرف ، وعنه : يقبل قول موكله في النكاح ، لأنه لا تتعذر إقامة البينة عليه لكونه لا ينعقد إلا بها ، ذكره القاضي ، وغيره كأصل الوكالة .

( ويجوز التوكيل بجعل ) أي : معلوم ، لأنه عليه السلام كان يبعث عماله لقبض الصدقات ويجعل لهم على ذلك جعلا ، ولأنه تصرف لغيره لا يلزمه ، فهو كرد الآبق ، وظاهره أنه يستحق الجعل بالبيع مثلا قبل قبض الثمن ، جزم به في " المغني " ، و " الشرح " ما لم يشرطه عليه ويستحقه ببيعه نساء إن صح ، وفي " الفروع " هل يستحقه قبل تسليم ثمنه ؛ يتوجه الخلاف ، فإن كان الجعل مجهولا فسدت ، ويصح تصرفه بالإذن وله أجر مثله ( وبغيره ) أي : بغير جعل بغير خلاف نعلمه ، لأنه عليه السلام وكل أنيسا في إقامة الحد ، وعروة في الشراء بغير جعل ( فلو قال : بع ثوبي بعشرة فما زاد فلك ، صح ) ، نص عليه ، روي عن ابن عباس . رواه سعيد بإسناد جيد ، ولم نعرف له في عصره مخالفا ، فكان كالإجماع ، وكرهه الثوري وفاقا لأبي حنيفة ، والشافعي ، لأنه أجر مجهول يحتمل الوجود والعدم ، ورد بأنها عين تنمي بالعمل عليها فهو كدفع ماله مضاربة وبه علل أحمد ، فعلى هذا إن باعه بزيادة فهي له ، وإن باعه بما عينه ، فلا شيء له ، لأنه جعل له الزيادة وهي معدومة فهو كالمضارب إذا لم يربح .

التالي السابق


الخدمات العلمية