صفحة جزء
[ ص: 45 ] باب المساقاة : تجوز المساقاة في النخل وفي كل شجر له ثمر مأكول ببعض ثمرته .


باب المساقاة

هي مفاعلة من السقي ; لأنه أهم أمرها ، وكانت النخل بالحجاز تسقى نضحا أي من الآبار ، فيعظم أمره ، وتكثر مشقته ، وهي عبارة أن يدفع إنسان شجره إلى آخر ليقوم بسقيه ، وما يحتاج إليه بجزء معلوم له من ثمره ، قاله في " المغني " ، و " الشرح " ، وليس بجامع لخروج ما يدفعه إليه ليغرسه ، ويعمل عليه ، ولا بمانع لدخول ما له ثمن غير مقصود كالصنوبر ، والأصل في جوازها السنة ، فمنها ما روى ابن عمر قال : عامل النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع ، متفق عليه ، وقال أبو جعفر : عامل النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر بالشطر ثم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم أهلوهم إلى اليوم يعطون الثلث أو الربع ، وهذا عمل به الخلفاء الراشدون ولم ينكر ، فكان كالإجماع .

( تجوز المساقاة في النخل ) وعليه اقتصر داود ( وفي كل شجر له ثمر مأكول ) لأن الحاجة تدعو إلى ذلك ; لأن كثيرا من الناس لا شجر لهم ، ويحتاجون إلى الثمر ففي تجويز المساقاة دفع الحاجتين ، وحصول المنفعة لهما فجاز كالمضاربة ، والمنتفع به كالمأكول ، ومقتضى ما ذكروه أنها لا تصح على ما لا ثمر له كالحور ، أو له ثمر غير مقصود كالصنوبر ، ذكره في " المغني " ، و " الشرح " بغير خلاف نعلمه إذ ليس منصوصا عليه ، ولا هو في معنى المنصوص لكن إن قصد ورقه كالتوت ، أو زهره كالورد ، فالقياس جوازه ; لأنه في معنى الثمرة لكونه [ ص: 46 ] يتكرر كل عام ، ويمكن أخذه ، وقد يقال إن المنصوص يشمله ( ببعض ثمرته ) أي بجزء مشاع كالثلث ونحوه للخبر ، لا على صاع ، أو آصع ، أو ثمرة نخلة بعينها لما فيه من الغرر ، إذ يحتمل أن لا يحصل إلا ذلك ، فيتضرر المالك ، أو يكثر الحاصل فيتضرر العامل ، وتكون التسمية له ; لأن المالك يستحق بالأصل ، ومقتضاه أن تكون من تلك الثمرة ، فلو شرط له ثمر نخل غير الذي ساقاه عليه ، أو ثمرة سنة غير الذي ساقاه عليها لم يصح لمخالفة موضوعها ، ولا فرق فيه بين السقي والبعل عند من يجوزها .

أصل : لا يقال ابن عمر قد رجع عما روى لقوله : كنا نخابر أربعين سنة حتى حدثنا رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المخابرة ; لأنه لا يجوز حمل حديث رافع على ما يخالف الإجماع ; لأنه عليه السلام لم يزل يعامل أهل خيبر حتى مات ثم عمل به الخلفاء ثم من بعدهم ، فكيف يتصور نهيه عليه السلام عن ذلك ، وقد روى طاوس أن أعلمهم - يعني ابن عباس - أخبر أنه صلى الله عليه وسلم لم ينه عنه ، وقال ; لأن يمنح أحدكم أخاه أرضا خير له من أن يأخذ عليه أجرا معلوما ، متفق عليه ، ثم حديث رافع محمول على ما قلنا لما روى البخاري بإسناده قال : كنا أكثر الأنصار حقلا ، فكنا نكري الأرض على أن لنا هذه ولهم هذه ، فربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه ، فنهانا عنه ، فأما الورق فلم ينهنا ، ورجوع ابن عمر يحتمل أنه رجع عن شيء من المعاملات الفاسدة مع أن فيه اضطرابا ، قال الأثرم : سمعت أبا عبد الله يسأل عن حديث رافع ، فقال : يروى فيه ضروب ، كأنه يريد اختلاف الروايات عنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية