صفحة جزء
والمساقاة عقد جائز في ظاهر كلامه لا تفتقر إلى ذكر مدة ، ولكل واحد منهما فسخها ، فمتى انفسخت بعد ظهور الثمرة فهي بينهما ، وإن فسخ العامل قبل ظهورها فلا شيء له ، وإن فسخ رب المال فعليه للعامل أجرة عمله ، وقيل : هي عقد لازم يفتقر إلى ضرب مدة يكمل فيها الثمر ، وإن جعلا مدة لا يكمل فيها لم تصح ، وهل للعامل أجرة ؛ على وجهين ، وإن جعلا مدة قد تكمل فيها وقد لا تكمل فهل تصح ؛ على وجهين فإن قلنا : لا تصح ، فهل للعامل أجرة ؛ على وجهين ، وإن مات العامل تمم الوارث ، فإن أبى استؤجر على العمل من تركته ، فإن تعذر فلرب المال الفسخ ، فإن فسخ بعد ظهور الثمرة فهي بينهما ، وإن فسخ قبل ظهورها فهل له أجرة ؛ على وجهين ، وكذلك إن هرب العامل فلم يوجد له ما ينفق عليها فإن عمل فيها رب المال بإذن حاكم أو إشهاد رجع به ، وإلا فلا .

‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌
( والمساقاة عقد جائز في ظاهر كلامه ) وكذا المزارعة ، أومأ إليه أحمد في رواية الأثرم ، وقد سئل عن الأكار يخرج من الضيعة من غير أن يخرجه صاحبها فلم يمنعه من ذلك ، ذكره ابن حامد ، وقاله بعض المحدثين لما روى مسلم عن ابن عمر في قضية خيبر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم 32 نقركم على ذلك ما شئنا 32 ولو كان لازما لم يجز بغير تقدير مدة ، ولا أن يجعل الخيرة إليه في مدة إقرارهم ، ولأنها عقد على جزء من نماء المال فكانت جائزة كالمضاربة ( لا تفتقر إلى ذكر مدة ) لأنه عليه السلام لم يضرب لأهل خيبر مدة ، ولا خلفاؤه من بعده ، وكما لا تفتقر إلى القبول لفظا ( ولكل واحد منهما فسخها ) لأنه شأن العقود الجائزة ( فمتى انفسخت بعد ظهور الثمرة فهي بينهما ) على ما شرطاه ; لأنها حدثت على ملكيهما ، ويلزم العامل تمام العمل كالمضارب ( وإن فسخ العامل قبل ظهورها فلا شيء له ) لأنه رضي إسقاط حقه فهو كعامل المضاربة والجعالة ( وإن فسخ رب المال ) أي قبل ظهور الثمرة ( فعليه للعامل أجرة [ ص: 50 ] عمله ) أي أجرة مثله ; لأنه منعه من إتمام عمله الذي يستحق به العوض كجعالة ، وفارق رب المال في المضاربة إذا فسخها قبل ظهور الربح ; لأن هذا يفضي إلى ظهور الثمرة غالبا ، فلولا الفسخ لظهرت الثمرة ، فملك نصيبه منها بخلاف المضاربة ، فإنه لا يعلم إفضاؤها إلى الربح ( وقيل : هي عقد لازم ) في قول أكثر الفقهاء ; لأنه عقد معاوضة ، فكان لازما كالإجارة ، إذ لو كانت جائزة لملك رب المال فسخها إذا ظهرت ، فيسقط سهم العامل فيتضرر ( يفتقر إلى ضرب مدة يكمل فيها الثمر ) لأنها أشبه بالإجارة لكونها تقتضي العمل مع بقائها ، ولا يتقدر أكثر المدة بل يجوز ما يتفقان عليه من المدة التي يبقى فيها الشجر ، وإن طالت ، وقيل : لا يجوز أكثر من ثلاثين سنة ، رد بأنه تحكم وتوقيت لا يصار إليه إلا بدليل ( وإن جعلا مدة لا يكمل فيها لم تصح ) لأن المقصود اشتراكهما في الثمرة ، ولا توجد في أقل منها ( وهل للعامل أجرة ؛ على وجهين ) أي إذا ظهرت الثمرة ولم تكمل ، فله أجرة مثله ; لأنه لم يرض إلا بعوض ، وهو جزء من الثمرة وهو موجود لكن لا يمكن تسليمه ، فاستحق أجرة المثل كالإجارة الفاسدة ، والثاني لا شيء له ; لأنه رضي بالعمل بغير عوض فهو كالمتبرع ، وكما لو لم تظهر الثمرة .

( وإن جعلا مدة قد تكمل فيها وقد لا تكمل ) أو إلى الجداد ، أو إدراكها ( فهل تصح ) المساقاة ( على وجهين ) أصحهما تصح ; لأن الشجر يحتمل أن يحمل ، ويحتمل عدمه ، والمساقاة جائزة فيه ، والثاني لا تصح ; لأنه عقد على معدوم ليس الغالب وجوده فلم تصح كالسلم ، فعلى الأول له حصته من الثمرة ( فإن [ ص: 51 ] قلنا : لا تصح ، فهل للعامل أجرة ؛ على وجهين ) أظهرهما ، وذكره في " المغني " وجها واحدا : له أجر المثل ; لأنه لم يرض بغير عوض ، ولم يسلم إليه ، فاستحق أجر المثل سواء حملت أو لا ، والثاني لا شيء له ، كما لو شرطا مدة لا يكمل فيها الشجر غالبا ( وإن مات العامل ) أو جن ، أو حجر عليه لسفه انفسخت على المذهب كرب المال ، وإن قيل بلزومها ( تمم الوارث ) لأنها عقد لازم كالإجارة ( فإن أبى ) لم يجبر ; لأن الوارث لا يلزمه من الحقوق التي على مورثه إلا ما أمكن دفعه من تركته ، والعمل ليس كذلك ( استؤجر ) أي استأجر الحاكم ( على العمل من تركته ) لأن العمل كان عليه ، فوجب أن يتعلق بتركه كسائر ما عليه ( فإن تعذر ) أي الاستئجار بأن لا تركة له ( فلرب المال الفسخ ) لأنه تعذر استيفاء المعقود عليه ، فثبت له الفسخ كما لو تعذر ثمن المبيع قبل قبضه ( فإن فسخ بعد ظهور الثمرة فهي بينهما ) لأنها حدثت على ملكيهما ، وكالمضاربة إذا انفسخت بعد ظهور الربح ، فيباع من نصيب العامل ما يحتاج إليه لأجر ما بقي من العمل ، وإن احتيج إلى بيع الجميع بيع ثم إن كانت الثمرة قد بدا صلاحها خير المالك بين البيع والشراء ، فإن اشترى نصيب العامل جاز ، وإن اختار باع نصيبه ، والحاكم نصيب العامل ، وبقية العمل عليهما ، وإن أبى باع الحاكم نصيب عامل فقط ، وما يلزمه يستأجر عنه ، والباقي لورثته ، وإن لم يبد صلاحها خير المالك ، فإن بيع لأجنبي لم يبع إلا بشرط القطع ، ولا يباع نصيب عامل وحده ، وفي شراء المالك له ، واستحقاق الميت أجرة وجهان ، وكذا الحكم إذا انفسخت المساقاة بموت العامل إذا قلنا بجوازها ، وأبى الوارث العمل ، ذكره في " الشرح " وغيره .

[ ص: 52 ] ( وإن فسخ قبل ظهورها ، فهل له أجرة ؛ على وجهين ) أظهرهما له الأجرة ; لأن العقد يقتضي العوض المسمى ، فإذا تعذر رجع في الأجرة كما لو فسخ بغير عذر ، والثاني لا شيء له ; لأن الفسخ مستند إلى موته أشبه ما لو فسخ هو ( وكذلك إن هرب العامل فلم يوجد له ما ينفق عليها ) أي حكمه حكم ما إذا مات لأنهما اشتركا في تعذر العمل ، وتضرر المالك بتعذر الفسخ ، وظاهره أنه إذا وجد له مالا ، أو أمكنه الاقتراض عليه من بيت المال أو غيره فعل ذلك ، وكذا إذا وجد من يعمله بأجرة مؤجلة إلى وقت إدراك الثمرة ، والأولى أن العامل لا يستحق أجرة لتركه العمل باختياره ، كما لو تركه من غير هرب مع القدرة عليه ( فإن عمل فيها رب المال بإذن حاكم أو إشهاد رجع به ) أي بما أنفق ; لأن الحاكم نائب عن الغائب ، ولأنه إذا أشهد على الإنفاق مع عجزه عن إذن الحاكم فهو مضطر ، فإن أمكنه استئذان الحاكم ، فأنفق بنية الرجوع ولم يستأذنه ، فوجهان مبنيان على ما إذا قضى دينه بغير إذنه ( وإلا فلا ) أي لا رجوع له إذا لم يوجد إذن ولا إشهاد ; لأنه متبرع بالإنفاق كما لو تبرع بالصدقة ، وحكم ما لو استأجر أو اقترض بإذن الحاكم حكم ما لو عمل فيها بإذنه .

فرع : إذا بان الشجر مستحقا فله أجرة مثله على غاصبه ، واختار في " التبصرة " أنها جائزة من جهة عامل لازمة من جهة مالك ، مأخوذة من الإجارة ، وفيه شيء .

التالي السابق


الخدمات العلمية