صفحة جزء
فصل الضرب الثاني : عقد على منفعة في الذمة مضبوطة بصفات كالسلم ، كخياطة ثوب ، وبناء دار ، وحمل إلى موضع معين ، ولا يكون الأجير فيها إلا آدميا جائز التصرف ، ويسمى الأجير المشترك ، ولا يجوز الجمع بين تقدير المدة والعمل كقوله : استأجرتك لتخيط لي هذا الثوب في يوم لم يصح ، ويحتمل أن يصح ، ولا تصح الإجارة على عمل يختص فاعله أن يكون من أهل القربة كالحج والأذان ونحوهما ، وعنه : تصح ، وإن استأجره ليحجمه صح ، ويكره للحر أكل أجرته ويطعمه الرقيق والبهائم ، وقال القاضي : لا تصح .


فصل

( الضرب الثاني : عقد على منفعة في الذمة مضبوطة بصفات كالسلم ، كخياطة ثوب ، وبناء دار ، وحمل إلى موضع معين ) نقول : يجوز للآدمي أن يؤجر نفسه بغير خلاف ; لأن موسى عليه السلام آجر نفسه لرعاية الغنم ، ولأنه ينتفع به مع بقاء عينه أشبه الأرض ، ثم إن كانت على مدة بعينها وعمل بعينه فواضح ، وإن كانت على عمل موصوف في الذمة فيكون كالسلم أي لا بد أن يكون مضبوطا بصفات السلم ليحصل العلم به ( ولا يكون الأجير فيها إلا آدميا ) لأنها متعلقة بالذمة ، ولا ذمة لغير الآدمي ( جائز التصرف ) لأنها معاوضة لعمل في الذمة فلم يجز من غير جائز التصرف ( ويسمى الأجير المشترك ) لأنه يتقبل أعمالا لجماعة ، فتكون منفعته مشتركة بينهم ، ويلزمه الشروع عقب العقد وإن ترك ما يلزمه - قال الشيخ تقي الدين بلا عذر - فتلف بسببه ضمنه وله الاستنابة ، فإن مرض أو هرب اكترى من يعمله عليه ، فإن شرط مباشرته بنفسه فلا عمل ولا استنابة إذا ، وفي " المغني " : إن اختلف القصد فيه [ ص: 90 ] كنسج لم يلزمه ولا المكتري قبوله ، وإن تعذر فله الفسخ ، وينفسخ العقد بتلف محل عمل معين .

( ولا يجوز الجمع بين تقدير المدة والعمل كقوله : استأجرتك لتخيط لي هذا الثوب في يوم لم يصح ) في الأشهر ; لأن الجمع بينهما يزيد الإجارة غررا لا حاجة إليه ; لأنه قد يفرغ من العمل قبل انقضاء اليوم ، فإن استعمل في بقيته فقد زاد على ما وقع العقد عليه ، وإن لم يعمل كان تاركا للعمل في بعضه فهذا غرر أمكن التحرز منه ولم يوجد مثله في محل الوفاق فلم يجز العقد معه ( ويحتمل أن يصح ) هذا رواية ; لأن الإجارة معقودة على العمل ، والمدة إنما ذكرت للتعجيل فلا يفسد العقد ، وكجعالة ، وفيها وجه قال في " التبصرة " : وإن اشترط تعجيل العمل في أقصى ممكن فله شرطه وعليها إذا تم العمل قبل انقضاء المدة لم يلزمه العمل في بقيتها كقضاء الدين قبل أجله ، وإن مضت المدة قبل العمل فللمستأجر الفسخ ، فإن رضي بالبقاء عليه لم يكن للآخر الفسخ ، فإن اختار إمضاء العقد طالبه بالعمل فقط كالمسلم إذا صبر عند التعذر ، وإن فسخ قبل العمل سقط الأجر والعمل ، وإن كان بعد عمل بعضه فله أجر المثل ; لأن العقد انفسخ وسقط المسمى .

( ولا تصح الإجارة على عمل يختص فاعله أن يكون من أهل القربة ) أي مسلما ( كالحج ) أي النيابة فيه ( والأذان ونحوهما ) كإمامة صلاة ، وتعليم قرآن في المشهور لما روى عبادة قال : علمت ناسا من أهل الصفة القرآن ، فأهدى لي رجل منهم قوسا ، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال إن سرك [ ص: 91 ] أن يقلدك الله قوسا من نار فاقبلها ، وعن أبي بن كعب أنه علم رجلا سورة من القرآن فأهدى له خميصة أو ثوبا ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال ، إنك لو لبستها ألبسك الله مكانها ثوبا من نار ، رواهما الأثرم ، ولأن من شرط هذه الأفعال كونها قربة إلى الله تعالى فلم يجز أخذ الأجرة كما لو استأجر قوما يصلون خلفه ( وعنه : تصح ) لأنه عليه السلام زوج رجلا بما معه من القرآن متفق عليه ، فإذا جاز تعليم القرآن عوضا في النكاح وقام مقام المهر جاز أخذ الأجر عليه ، ولحديث أبي سعيد في الرقية ، ولأنه يجوز أخذ الرزق عليه من بيت المال فجاز أخذ الأجر عليه كبناء المساجد مع أن الحاجة داعية إلى الاستنابة في الحج وغيره ، وكمن أعطى بلا شرط ، نص عليه ، وكجعالة ، وفيها وجهان ، وفي " المنتخب " الجعل في حج كأجرة ، والأول أصح ; لأن تعليم القرآن وجعله صداقا فيه عنه اختلاف ، وليس في الخبر تصريح به ، فيحتمل أنه زوجه بغير صداق إكراما له كما زوج أبا طلحة أم سليم على إسلامه ، ولو سلم جوازه فالفرق بين المهر والأجر أن المهر ليس بعوض محض ; لأنه يجوز خلو العقد عن تسميته ، ويصح مع فساده بخلاف الأجر ، وأما الرقية فنص أحمد على جوازه ; لأنها مداواة ، والمأخوذ عليها جعل ، وفي حديث وفقه وجهان أشهرها المنع ، وكذا القضاء ، قالهابن حمدان ، وجوز ذلك الشيخ تقي الدين لحاجة ، ونقل حنبل : يكره للمؤذن أن يأخذ على أذانه أجرا ، وظاهره أن ما لا يختص فاعله أن يكون من أهل القربة فيجوز كتعليم الخط والحساب ، وفي " المبهج " لا مشاهرة ، وله أخذ رزق على ما يتعدى نفعه لا على ما لا يتعدى نفعه كصوم ، وصلاة خلفه ، ونحوه .

[ ص: 92 ] ( وإن استأجره ليحجمه صح ) في الأصح لما روى ابن عباس قال : احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وأعطى الحجام أجرة ، قال ابن عباس : ولو كان حراما لم يعطه ، متفق عليه ، ولأنها منفعة مباحة لا يختص فاعلها أن يكون من أهل القربة فجاز الاستئجار عليه كالفصد ، والختان ، ونحوهما ( ويكره للحر أكل أجرته ) لقوله عليه السلام : كسب الحجام خبيث ، متفق عليه ، ولا يلزمه منه التحريم ، فإنه قد سمى البصل والثوم خبيثين مع إباحتهما ، وخص الحر بذلك تنزيها له ، وعنه : يحرم ، ومنع في " الشرح " أن يكون عن أحمد نصا بالتحريم ، وإنما قال : نحن نعطيه كما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال القاضي في " الخلاف " : يحرم على السيد خاصة دون سائر الأحرار ، واستنبطه من كلام أحمد ( ويطعمه الرقيق والبهائم ) لقوله عليه السلام : أطعمه ناضحك ، ورقيقك ، رواه الترمذي وحسنه ، وفي " الرعاية " مثله ، وقيل : يكره ، وهو ظاهر ; لأن الخبر يدل على إباحته ، إذ غير جائز أن يطعم رقيقه ما يحرم أكله ، فإن الرقيق آدمي يمنع منه ما يمنع الحر ( وقال القاضي ) والحلواني ( لا تصح ) الإجارة ، نص عليه ، وقدمه في " الرعاية " لظاهر الخبر ، وكذا أخذه بلا شرط ، وجوزه في " الشرح " ، ويصرفه في علف دابته ، ومؤنة صناعته ، ويحل أكله ، وكذا جزم به الحلواني لغير حر .

التالي السابق


الخدمات العلمية