صفحة جزء
فصل وللمستأجر استيفاء المنفعة بنفسه وبمثله ، ولا يجوز بمن هو أكثر ضررا منه ، ولا بمن يخالف ضرره ضرره ، وله أن يستوفي المنفعة وما دونها في الضرر من جنسها ، فإذا اكترى لزرع الحنطة فله زرع الشعير ونحوه ، وليس له زرع دخن ونحوه ، ولا يملك الغرس ولا البناء ، وإن اكتراها لأحدهما لم يملك الآخر ، فإن اكتراها للغرس ملك الزرع ، وإن اكترى دابة للركوب أو الحمل لم يملك الآخر ، وإن اكتراها لحمل الحديد أو القطن لم يملك حمل الآخر ، فإن فعل فعليه أجرة المثل ، وإن اكتراها لحمولة شيء فزاد عليه ، أو إلى موضع فجاوزه ، فعليه الأجرة المذكورة وأجرة المثل للزائد ، ذكره الخرقي ، وقال أبو بكر : عليه أجرة المثل للجميع ، وإن تلفت ضمن قيمتها إلا أن تكون في يد صاحبها فيضمن نصف قيمتها في أحد الوجهين .


فصل

( وللمستأجر استيفاء المنفعة بنفسه وبمثله ) لأن أصل العقد يراد للعاقد ، فلو شرط عليه استيفاءها بنفسه ، فقياس قول أصحابنا صحة العقد وبطلان الشرط ; لأنه ينافي [ ص: 93 ] مقتضى العقد إذ موجبه ملك المنفعة ، والتسليط على استيفائها بنفسه ونائبه ، وقيل : يصح ; لأنه قد يكون له غرض في تخصيصه ( وبمثله ) أي إذا كان مثله في الضرر أو دونه ; لأنه لم يزد على استيفاء حقه ، فيعتبر كون راكب مثله في طول ، وقصر لا المعرفة بالركوب خلافا للقاضي ; لأن التفاوت في غير هذا يسير ( ولا يجوز بمن هو أكثر ضررا منه ) لأن العقد اقتضى استيفاء منفعة مقدرة فلا يجوز بأكثر منه ; لأنه زائد على ما عقد عليه ( ولا بمن يخالف ضرره ضرره ) لأنه يستوفي أكثر من حقه أو غير ما يستحقه ( وله أن يستوفي المنفعة ) المعقود عليها من زرع أو بناء ; لأنه هو المقصود ( وما دونها في الضرر من جنسها ) لأنه إذا كان له استيفاء نفس المنفعة المعقود عليها فما دونها أولى ، قال أحمد : إذا استأجر دابة ليحمل عليها تمرا فحمل عليها حنطة أرجو أن لا يكون به بأس إذا كان الوزن واحدا ( فإذا اكترى لزرع الحنطة فله زرع الشعير ونحوه ) كباقلاء ; لأنه دونه في الضرر ، وعلم منه جواز زرع الحنطة ; لأنها المعقود عليها ، فلو قال : ازرع حنطة ولا تزرع غيرها ، فذكر القاضي بطلان الشرط ; لأن مقتضى العقد استيفاء المنفعة كيف شاء ، فلم يصح الشرط ، وفيه وجه أنه لا يجوز له زرع غير ما عينه حتى لو وصف الحنطة بأنها سمراء لم يجز أن يزرع بيضاء ; لأنه عينه ، فلم يجز العدول عنه كالدراهم في الثمن ، ورد بالفرق ، والماء على رب الأرض ( وليس له زرع دخن ونحوه ) كقطن لأنه فوقه في الضرر ، فإن فعل لزمه المسمى مع تفاوتهما في أجر المثل ، نص عليه ، وأوجب أبو بكر والمؤلف أجر المثل خاصة ، ومثله لو سلك طريقا أشق ، قاله في " الشرح " ، و " الفروع " .

[ ص: 94 ] ( ولا يملك الغرس ولا البناء ) لما ذكرنا ( وإن اكتراها لأحدهما لم يملك الآخر ) لأن ضرر كل واحد يخالف ضرر الآخر ; لأن الغرس يضر بباطن الأرض ، والبناء يضر بظاهرها ( وإن اكتراها للغرس ملك الزرع ) لأن ضرره أقل من ضرر الغرس وهو من جنسه ; لأن كلا منهما يضر بباطن الأرض ، وإن اكتراها للبناء هل يملك الزرع ؛ وفيه وجهان .

تنبيه : إذا اكترى أرضا ليزرعها ، أو يغرسها لم يصح لعدم التعيين ، فلو قال : لزرع ما شاء ، أو غرسه ، أو وغرسه صح في الأصح فيهما كزرع ما شئت ، وغرس ما شئت ، وإن أطلق وتصلح لزرع وغيره صح في الأصح ، وقال الشيخ تقي الدين : إن أطلق ، أو قال : انتفع بها بما شئت ، فله زرع ، وغرس ، وبناء .

( وإن اكترى دابة للركوب ، أو الحمل لم يملك الآخر ) لاختلاف الضرر ; لأن الراكب يعين الظهر بحركته فلا يملك الحمل ، والركوب أشد على الظهر ; لأنه يقعد في مكان واحد ، والمتاع يتفرق على جنبيه فلا يملك الركوب ، فإذا اكتراها لحمل دقيق من طاحون فلم يجده طحن وجبت أجرتها ، وإن اكتراها إلى بلد ، فله الركوب إلى مقره ، وقيل : بل إلى أول عمارته ( وإن اكتراها لحمل الحديد ، أو القطن لم يملك حمل الآخر ) على المعروف ; لأنه إذا اكتراها لحمل الحديد لم يحمل قطنا ; لأنه يتجافى ، وتهب فيه الريح ، فيتعب الظهر ، وعكسه ، ولأن الحديد يجتمع في موضع واحد ، فيثقل عليه ، وقيل : بلى بوزنه ، ولا يضمن الدابة ( فإن فعل ) كان ضامنا ( فعليه أجرة المثل ) لأنه عدل عن المقعود [ ص: 95 ] عليه إلى غيره أشبه ما لو استأجر أرضا فزرع غيرها ( وإن اكتراها لحمولة شيء فزاد عليه ، أو إلى موضع فجاوزه ، فعليه الأجرة المذكورة ) أي المسماة لاستيفاء المعقود عليه متميزا عن غيره ( وأجرة المثل للزائد ذكره الخرقي ) قال القاضي : لا يختلف فيه أصحابنا أي في الثانية ، وحكاه أبو الزناد عن الفقهاء السبعة ; لأنه متعد في ذلك فهو كغاصب ( وقال أبو بكر : عليه أجرة المثل للجميع ) لأنه عدل عن المعقود عليه إلى غيره ، أشبه ما لو فعل بغير إجارة ، ولم يصرح به أبو بكر فيما إذا اكترى لحمولة شيء فزاد عليه ، وإنما أخذ ذلك من قوله : إذا استأجر أرضا لزرع شعير ، فزرعها حنطة أن عليه أجرة المثل للجميع ، فجمع القاضي بين مسألة الخرقي ، ومسألة أبي بكر ، فينقل كلا منهما إلى الأخرى لتساويهما في أن الزيادة لا تتميز ، فيكون فيهما وجهان ، وليس كذلك ، فإنه يفرق بينهما ، فإن ما حصل التعدي فيه في الحمل متميز بخلاف الزرع فإنه متعد به كله أشبه الغاصب ، ولهذا علل أبو بكر بالعدول عن المعقود عليه ، فإلحاقها بما إذا اكترى إلى موضع فجاوزه أشد لشدة شبهها به ، وهو الذي قطع به في " الكافي " ، و " المحرر " مع أن أحمد نص في الزرع أنه ينظر ما يدخل على الأرض من النقصان ، فيعطاه رب الأرض ، فيقال أجرة مثلها إذا زرعها حنطة مائة ، وأجرة مثلها إذا زرعها شعيرا ثمانون ، فالواجب ما بينهما وهو عشرون .

ونظيره ما لو اكترى غرفة ليجعل فيها أقفزة معلومة ، فزاد عليها ، ولو اكتراها ليجعل فيها قنطار قطن فجعل قنطار حديد ففي الأولى له المسمى وأجرة الزيادة ، وفي الثانية يخرج فيها الخلاف في مسألة الزرع ( وإن تلفت ضمن [ ص: 96 ] قيمتها ) سواء تلفت في الزيادة ، أو بعد ردها إلى المسافة ; لأنه متعد أشبه الغاصب ( إلا أن تكون في يد صاحبها ) ولا شيء عليها ( فيضمن نصف قيمتها في أحد الوجهين ) لأنه اجتمع عليها يدان يد صاحبها ، ويد المستأجر ، فالذي يقابله النصف ، فيضمن ، وكما لو زاد شوطا في الحد ، والثاني : تلزمه القيمة كلها حيث لم يرض مالكها ، وهو المذهب ، ونصره الأكثر إناطة بالتعدي .

وسكوت صاحبها لا يدل على الرضا كما لو أبيع ملكه وهو ساكت لم يمنعه ، وذكر القاضي في " الشرح الصغير " أنه لا ضمان لوجود يد المالك ، وذكر في موضع آخر إن تلفت في يد راكبها ، أو له عليها حمل ضمنها ، وإن كان سلمها لمالكها ليسقيها ، أو ليمسكها فلا ضمان عليه ، ووافقه في " المغني " ، و " الشرح " على ذلك إلا أنهما استثنيا فيما إذا تلفت في يد مالكها بسبب تعبها من الحمل ونحوه ، فالضمان على المتعدي كما لو ألقى حجرا في سفينة موقرة فغرقها ، ولا يسقط الضمان بردها إلى المسافة .

فرع : لو اكترى زورقا ، فزواه مع زورق ، فغرقا ضمن لأنها مخاطرة لاحتياجهما إلى المساواة ككفة الميزان كما لو اشترى ثورا لاستقاء الماء ، فجعل ، فدانا .

أصل : إذا اكترى لنسخ كتاب يباح ما فيه ، أو خياطة ، أو قصارة ، أو صبغ ، أو كحل ، أو مداواة جرح صح ، ولزمه حبر ، وخيوط ، وكحل ، ومرهم ، ونحو ذلك ، وقيل : يلزم مستأجرا ، وهو معنى ما في " المستوعب " ، وقيل : بل يتبع العرف ، وقيل : الكل على الأجير إلا الخيوط ، فإنها على المستأجر ، وجزم في [ ص: 97 ] الشرح أنه لا يجوز اشتراط الدواء على الطبيب بخلاف الكحل للحاجة إليه ، وليس له محادثته حال النسخ ، وإن أخطأ الناسخ بشيء يسير عفي عنه ، وإن كثر فلا ، وهو عيب يرد به .

مسألة : استأجره مدة فكحله فلم تبرأ عينه استحق الأجر في قول الأكثر ، فإن شارطه على البرء ، فهي جعالة ، فلو برأ بغير كحله ، أو تعذر من جهة المستأجر ، فله أجر مثله .

التالي السابق


الخدمات العلمية