صفحة جزء
ولا ضمان على الراعي إذا لم يتعد ، وإذا حبس الصانع الثوب على أجرته فتلف ضمنه ، وإن تلف الثوب بعد عمله خير المالك بين تضمينه إياه غير معمول ولا أجرة له وبين تضمينه إياه معمولا ويدفع إليه أجرته ، وإذا ضرب المستأجر الدابة بقدر العادة أو كبحها ، أو الرائض الدابة لم يضمن ما تلفت به ، وإن قال : أذنت لي في تفصيله قباء ، قال : بل قميصا ، فالقول قول الخياط ، نص عليه .


( ولا ضمان على الراعي إذا لم يتعد ) بغير خلاف نعلمه إلا ما روي عن الشعبي فلو جاء بجلد شاة ، وقال : هذا جلد شاتك قبل قوله ، وعنه : لا ، والصحيح الأول ; لأنه مؤتمن على الحفظ أشبه المودع ، ولأنها عين قبضت بحكم الإجارة أشبهت العين المستأجرة ، واقتضى ذلك أن ما تلف بتعديه أنه ضامن له بغير خلاف ، وجواز إجارة الراعي ، وقصة شعيب مع موسى عليه السلام شاهدة بذلك ، فإذا عقد على معينة تعينت في الأصح فلا يبدلها ، ويبطل العقد فيما تلف منها ، وإن عقد على موصوف ذكر نوعه ، وكبره ، وصغره إلا أن تكون ثم قرينة أو عرف صارف إلى بعضها ، ولا يلزمه رعي سخالها ، فإن ذكر عددا تعين ، وإن أطلق لم يجز ، وقال القاضي : يصح ويحمل على العادة ( وإذا حبس الصانع الثوب على أجرته فتلف ضمنه ) لأنه لم يرهنه عنده ، ولا أذن له في إمساكه ، فلزمه الضمان كالغاصب ، وقال ابن حمدان : إن كان صبغه منه فله حبسه ، وإن كان من رب الثوب أو قد قصره احتمل وجهين ، وفي " المنثور " إن خاطه ، أو قصره ، وغزله فتلف بسرقة ، أو نار ، فمن مالكه ولا أجرة ; لأن الصنعة غير متميزة كقفيز [ ص: 112 ] من صبرة ، ويستثنى على الأول ما إذا أفلس مستأجره ثم جاء بائعه يطلبه ، فللصانع حبسه .

( وإن تلف الثوب بعد عمله خير المالك ) لأن الجناية على ماله ، فكانت الخيرة إليه دون غيره ( بين تضمينه إياه غير معمول ولا أجرة له ) لأن الأجرة إنما تجب بالتسليم ، ولم يوجد ( وبين تضمينه إياه معمولا ويدفع إليه أجرته ) لأنه لو لم يدفع إليه الأجرة لاجتمع على الأجير فوات الأجرة وضمان ما يقابلها ، ولأن المالك إذا ضمنه ذلك معمولا يكون في معنى تسليم ذلك معمولا ، فيجب أن يدفع إليه الأجرة لحصول التسليم الحكمي ، ويقدم قوله في صفة عمله ، ذكره ابن رزين ، ومثله تلف أجير مشترك ، ذكره القاضي وغيره ، وقال أبو الخطاب : تلزمه قيمته موضع تلفه ، وله أجرته إليه ، وكذا عمله غير صفة شرطه أي لا أجرة له في الزيادة لأنه غير مأمور بها ، وعليه ضمان نقص الغزل المنسوج فيها ، وفي " المغني " ، و " الشرح " له المسمى إن زاد الطول فقط ، ولم ينقص الأصل بها ، وإن زاد في العرض فوجهان ، والظاهر أنه لا أجرة له ، والفرق بأنه يمكن قطع الزائد في الطول ويبقى الثوب على ما أراد بخلاف العرض وإن نقصهما أو أحدهما فقيل : لا شيء له ويضمن كنقص الأصل ، وقيل : بحصته من المسمى ، وقيل : لا شيء له في نقص العرض بخلاف النقص في الطول ، فإن له حصته من المسمى .

فرع : إذا أخطأ قصار ، ودفع الثوب إلى غير مالكه ضمنه ، فإن قطعه قابضه غرم أرش قطعه كدراهم أنفقها ، ويرده مقطوعا على الأصح ، فإن [ ص: 113 ] تلف عنده ضمنه كما لو علم ، وعنه : لا لعجزه عن دفعه ( وإذا ضرب المستأجر الدابة بقدر العادة أو كبحها ) أي جذبها لتقف ، وفي " الشرح " يحثها به على السير لتلحق القافلة ، ويقال بالخاء المعجمة ( أو الرائض الدابة ) أي معلمها ( لم يضمن ما تلفت به ) لأنه تلف من فعل مستحق فلم يضمناه كما لو تلفت تحت الحمل ، وظاهره أنه يجب الضمان إذا زاد على العادة ، وصرح به في " الكافي " ; لأنه جناية على ملك الغير ، فوجب الضمان كالغاصب وقد اقتضى ذلك جواز ضرب المستأجر الدابة للاستصلاح ; لأنه عليه السلام نخس بعير جابر وضربه ، وكان أبو بكر ينخس بعيره بمحجنه ، فلو اكتراها وتركها في اصطبله فماتت فهدر وإن سقط عليها ضمنها .

تنبيه : العين المؤجرة أمانة في يد مستأجرها إن تلفت بغير تفريط لم يضمنها ، ولا فرق بين الإجارة الصحيحة والفاسدة ، فإذا انقضت المدة رفع يده عنها ، ولم يلزمه الرد ، أومأ إليه في رواية ابن منصور ; لأنه لو وجب ضمانها لوجب ردها كالعارية ، وحينئذ تبقى في يده أمانة كالوديعة ، وقيل : يجب ردها مع القدرة إن طلبت منه ، قطع القاضي به في " الخلاف " ، وقيل : مطلقا ، ويضمنه إن تلف مع إمكان رده كعارية ، ومؤنة الرد على مالكها في الأصح كمودع ، فلو شرط على مستأجر ضمانها لم يصح الشرط في الأصح ، وفي العقد وجهان ( وإن قال : أذنت لي في تفصيله قباء ، قال : بل قميصا ، فالقول قول الخياط ، نص عليه ) في رواية ابن منصور لأنهما اتفقا على الإذن ، واختلفا في صفته ، فكان القول قول المأذون له كالمضارب ، فعلى هذا يحلف الخياط ويسقط عنه الغرم [ ص: 114 ] ويستحق أجر المثل ، وقيل : يقبل قول ربه ، اختاره المؤلف ، لأنهما اختلفا في صفة الإذن ، فيقبل قوله فيها ; لأن الأصل عدم الإذن المختلف فيها ، فعليها يحلف أنه ما أذن في قطعه قباء ، ويغرم الأجير نقصه ، ولا أجرة له ، وعنه : يعمل بظاهر الحال كاختلاف الزوجين في متاع البيت ، وقيل : بالتحالف كالاختلاف في ثمن المبيع ، وحكم الصباغ إذا قال : أذنت في صبغه أحمر ، قال : بل أصفر كذلك .

تنبيه : إذا دفع إلى خياط ثوبا ، وقال : إن كان يقطع قميصا فاقطعه ، فقال : هو يقطع ، فقطعه ولم يكفه ، أو قال : انظر هل يكفيني قميصا ؛ فقال : نعم ، فقال : اقطعه ، فقطعه ولم يكفه ، ضمنه فيهما ، فإن قال : اقطعه قميص رجل ، فقطعه قميص امرأة غرم ما بين قيمته صحيحا ومقطوعا في الأصح ، وقيل : يغرم ما بين قيمتهما ، فإن أكراه ليلبسه لم ينم فيه ليلا ، ولا وقت القيلولة ، ولم يأتزر به ، فإن ارتدى به جاز في الأقيس .

مسألة : إذا اختلفا في قدر الأجرة تحالفا كالبيع ، نص عليه ، ويبدأ بيمين الآجر ، وكذا إذا اختلفا في المدة ، وعنه : يصدق المؤجر ، وعنه : المستأجر ، وعلى التحالف إن كان بعد المدة فأجرة المثل لتعذر رد المنفعة ، وإن كان في أثنائها فبالقسط ، فلو اختلفا في التعدي قبل قول المستأجر ; لأنه أمين ، فإن قال بعد القبض : مرض العبد ، أو أبق ، أو شردت الدابة فلم أقدر على ردها صدق وحلف على الأصح ، وعنه : يقبل قول المؤجر ، فلو ادعى مرضه ، وأصابه صحيحا قبل قول المالك سواء صدقه العبد ، أو كذبه ، نص عليه [ ص: 115 ] وعنه : يقبل قول المستأجر في الإباق دون المرض ، فلو اختلفا في وقت هلاك العين قدم قول المستأجر ; لأن الأصل عدم الانتفاع .

التالي السابق


الخدمات العلمية