صفحة جزء
[ ص: 137 ] كتاب العارية وهي هبة منفعة تجوز في كل المنافع إلا منافع البضع ، ولا تجوز إعارة العبد المسلم لكافر ، وتكره إعارة الأمة الشابة لرجل غير محرمها ، واستعارة والديه للخدمة ،


كتاب العارية

هي بتخفيف الياء وتشديدها ، وأصلها من عار إذا ذهب وجاء ، ومنه قيل للعيار بطال لتردده في بطالته ، والعرب تقول : أعاره وعاره كأطاعه وطاعه ، قال الأصحاب تبعا للجوهري : هي مشتقة من العار ، وفيه شيء ; لأن الشارع عليه السلام فعلها ، وأصل المادة فيما قيل العري الذي هو التجرد تسمى عارية لتجردها عن العوض كما تسمى النخلة الموهوبة عرية لتعريها عن العوض ، وقيل : هو من التعاور أي التناوب لجعله للغير نوبة في الانتفاع ، وهي مستحبة إجماعا ، وسنده قوله تعالى وتعاونوا على البر والتقوى [ المائدة 2 ] ، وقوله تعالى ويمنعون الماعون [ الماعون 7 ] قال ابن عباس ، وابن مسعود : هي العواري ، وقوله عليه السلام العارية مؤداة ، والمعنى شاهد بذلك ، فهي كهبة الأعيان ، وقيل : تجب مع غنى ربه ، اختاره الشيخ تقي الدين ، وقال بعضهم : كانت واجبة في أول الإسلام ثم نسخ .

( وهي هبة منفعة ) أي مع بقاء ملك الرقبة ، ذكره في " الوجيز " وغيره ، ويرد عليه الوصية بالمنفعة ، وفي " المغني " ، و " الشرح " إباحة الانتفاع به مع بقاء عينه ليردها على مالكها ، ويشترط كون المعير أهلا للتبرع شرعا ، وأهلية مستعير للتبرع له ، وتنعقد بكل لفظ أو فعل يدل عليها ( تجوز في كل المنافع ) المباحة كالدور ، والعبيد ، والدواب ، والثياب ، ونحوها ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم استعار من أبي طلحة [ ص: 138 ] فرسا ، ومن صفوان أدراعا ، وسئل عن حق الإبل ، فقال : إعارة ذلولها ، وإطراق فحلها ، فثبت ذلك في المنصوص عليه ، والباقي قياسا ، وتدخل فيه إعارة النقدين للوزن ، فإن استعارهما للنفقة فقرض ، ذكره في " المغني " ، و " الشرح " ، وقيل : لا يجوز ، ونقل صالح : منحة لبن هو العارية ، ومنحة ورق هو القرض ( إلا منافع البضع ) لأن الوطء لا يجوز إلا في نكاح ، أو ملك يمين ، وكلاهما منتف فلم يجز إجماعا .

( ولا تجوز إعارة العبد المسلم لكافر ) لأنه يجوز له استخدامه ، فكذا إعارته ، وقيل : هو كإجارته ، وقيل بالكراهة ، وما حرم استعماله لمحرم ، وقيل : كلبا لصيد ، وفحلا لضراب .

فرع : تجب إعارة مصحف لمن احتاج إلى القراءة فيه ولم يجد غيره ، ذكره القاضي وغيره .

( وتكره إعارة الأمة الشابة لرجل غير محرمها ) لأنه لا يؤمن عليها ، وقيل : يحرم ، وصوبه بعضهم لا سيما لشاب خصوصا الأعزب ، ولا بأس بشوهاء ، وكبيرة ; لأنه لا يشتهى مثلها ، وظاهره أنه لا تكره إعارتها لامرأة ، ولا ذي محرم ; لأنه مأمون عليها ( و ) تكره ( استعارة والديه ) إذا كانا رقيقين ، أو أحدهما ( للخدمة ) لأنه يكره استخدامهما ، فكذا استعارتهما لذلك ، وعلم منه أنه لا يكره استعارة ولده لها كأم ولده .

التالي السابق


الخدمات العلمية